التدخل العسكري في مالي لم يعد سوى مسألة وقت

مشاورات دولية لنشر 7 آلاف جندي.. وفرنسا تريد إرسال طائرات من دون طيار وليس قوات

مقاتلون من جماعة «أنصار الدين» يسيطرون على مدينة تمبكتو في شمال مالي (أ.ب)
TT

بات الهجوم العسكري لاستعادة السيطرة على شمال مالي الذي استولى عليه الإسلاميون، وشيكا، بحسب قوى غربية ومنظمات إقليمية ودولية، مما يمثل تحولا صريحا واضحا بعد أشهر من التردد والآمال في أن تنهي المفاوضات ما يُنظر إليه حاليا باعتباره تهديدا كبيرا من قبل الجهاديين. وللمرة الأولى، أصبح هناك توافق دولي واسع خلال الأسابيع القليلة الماضية حول شن حرب في الصحراء الشاسعة وغابات السافانا في مالي، التي تبلغ مساحتها مساحة فرنسا تقريبا. ولا يزال التخطيط لهذه العملية في مراحله الأولى، حيث لم يتم تحديد الأطراف المشاركة وموعد التنفيذ والجهة التي تتولى القيادة.

ولم يتم العمل على هذه التفاصيل الأساسية بعد على حد قول مسؤولين.. لكنهم مع ذلك أكدوا أن الشركاء الذين كانوا مترددين، بمن فيهم مالي نفسها، باتوا مقتنعين بضرورة العملية العسكرية بعد أشهر من اجتماعات ونقاشات لم تسفر عن شيء. وأصدر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، بقيادة فرنسا في 12 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي قرارا بـ«استعداد» المجلس للاستجابة إلى طلب مالي قوة دولية وطلب أن يتم تقديم خطة تفصيلية في غضون 45 يوما. وتم التأكيد على هذا الأمر خلال قمة دولية عقدت هنا خلال الأسبوع الماضي.

وقال جاك كريستوفيدز، وهو مسؤول رفيع المستوى في قسم عمليات حفظ السلام بالأمم المتحدة: «لا يوجد بديل آخر». وأضاف جاك الذي يضطلع بدور بارز في تخطيط عملية محتملة: «سيتطلب الأمر قوة عسكرية لمقاومة بعض الجماعات المتطرفة (التي تحتل شمال مالي)». ربما تكون هناك حاجة إلى ما بين 7 آلاف و10 آلاف جندي لاستعادة الشمال على حد قول مسؤولين في الأمم المتحدة. وهناك عوائق واضحة أمام تكوين هذه القوة، فنيجريا، بجيشها الذي يعد الأكبر في غرب أفريقيا، منخرطة في قتال ضد الإسلاميين المتطرفين على أراضيها. وتتردد الجزائر، التي كثيرا ما يُنظر إليها على أنها أكثر القوى فعالية في المنطقة، في الاشتراك في العملية رغم احتمال تغييرها موقفها؛ على حد قول مسؤولين.

وتعد فرنسا، التي أصيبت بوباء اختطاف مواطنيها، وتخشى أن يسيطر المتطرفون على منطقة قريبة من البحر المتوسط، أكثر المتحمسين للخيار العسكري. وقال المبعوث الخاص لفرنسا في المنطقة، جان فليكس باغانون، يوم الاثنين إن بلاده استأنفت مساعداتها العسكرية لمالي، فيما قال خبير في الدفاع نقلا عن الحكومة الفرنسية إنها سترسل طائرات من دون طيار استخباراتية إلى غرب أفريقيا بحلول نهاية العام الحالي للمساعدة في جهود التدخل. ومع ذلك، استبعدت فرنسا، مثل الولايات المتحدة، إرسال قواتها لتكون ضمن القوات المقاتلة.

ومن العوامل التي تزيد الأمور صعوبة، جغرافيا البلاد وطقسها. وقال كريستوفيدز: «ينبغي أن لا نكون متفائلين بانتهاء هذه العملية في غضون أسبوع أو اثنين، نعود بعدها إلى أوطاننا»، مشيرا إلى أن الأهم هو المال لأن تكلفة هذه العملية لن تكون بالقليلة.

ويعد الهدف واضحا: القضاء على النظام الاستبدادي القمعي في الشمال، الذي تسيطر عليه ثلاث جماعات إسلامية متطرفة بينها «تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي». وظل هؤلاء المسلحون يرتكبون فظاعات خلال الأشهر الستة الماضية بينها الجلد العلني وضرب وبتر أعضاء ورجم مواطنين عزل. وقد وضع المسلحون قائمة بأسماء نساء حوامل لم يتزوجن حتى تتم معاقبتهن؛ على حد قول الأمم المتحدة، ويتم فرض الزواج على البعض، وتجنيد الأطفال لوضع عبوات ناسفة.

وهرب أكثر من 300 ألف شخص من البلاد، وينظر إلى التهديد باعتباره عابرا للحدود، حيث تصف وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، شمال مالي بـ«الملجأ الآمن الكبير» الذي يسمح للإرهابيين بمد نفوذهم وتوسيع شبكتهم في عدة اتجاهات.

ويبدو أن المتطرفين، الذين يحكمون سيطرتهم على مدينتي غاو وتمبكتو في شمال مالي، يستعدون للحرب بحسب سكان محليين. وقال عيسى مايغا، وهو صحافي يعمل في غاو: «إنهم يموهون سياراتهم. إنهم خائفون ويشعرون بالذعر قليلا». وشوهدت مجموعات صغيرة من المقاتلين الجدد، ربما من خارج مالي، في المدينتين. وفي تمبكتو تحدث سيسي أغالي، وهو مدير فندق سابق، عن وصول 37 مقاتلا جديدا خلال نهاية الأسبوع. وأوضح: «لقد رأيناهم وهم يمشون في السوق»، مشيرا إلى أن مظهرهم يدل على أنهم من الصحراء.

وبالمثل قال عبد الرحمن أومارو مايغا، وهو مستشار في المجلس المحلي في غاو، إن نحو 60 مقاتلا جديدا وصلوا إلى المدينة من الصحراء ومناطق حدودية في الجزائر. وتحدث شهود عيان في المدينتين عن تحليق متوال لطائرات يبدو أنها للمراقبة، رغم قول الشهود إنها تحلق على ارتفاع كبير يصعب معه التعرف على هويتها. وقال مايغا: «يحدث هذا كل يوم ليلا ونهارا».

تحلق طائرات مراقبة أميركية من دون طيار من طراز «غلوبال هوك» وبعض طائرات الاستطلاع، فوق شمال مالي ومنطقة الساحل، لكن يقتصر عمل طائرات المراقبة من طراز «بريداتور» التي تعمل من دون طيار على المهمات التي تقع بالقرب من ليبيا. وعبر مسؤولون في وزارة الخارجية الأميركية عن تحفظات كبيرة بشأن توجيه طائرات مقاتلة تعمل من دون طيار إلى مالي لتنفيذ أي مهمات بها.

ومن المقرر أن يقابل جوني كارسون، مساعد وزيرة الخارجية للشؤون الأفريقية، مسؤولين فرنسيين في باريس خلال الأسبوع الحالي. وقال إن أي عمل عسكري لطرد المتطرفين الإسلاميين أمر حتمي، مؤكدا في الوقت ذاته على ضرورة مشاركة جنود ماليين على رأس أي قوات من غرب أفريقيا وفق خطة مرسومة بعناية. وقال كارسون خلال الشهر الحالي: «العملية العسكرية ستكون ضرورية في مرحلة ما».

يذكر أن الإسلاميين سيطروا على الشمال الذي ظل مضطربا لفترة طويلة في أعقاب انقلاب عسكري في العاصمة خلال مارس (آذار) الماضي. وانهار الجيش المالي إثر هذا الانقلاب، وهرب من المدن الكبرى في الشمال بعد تقدم الثوار وتم تقاسم السلطة بصعوبة في باماكو منذ ذلك الحين بين قادة مدنيين والجيش، الذي واجه اتهامات بارتكاب انتهاكات خطيرة ضد حقوق الإنسان.

شتت هذا الزواج، الذي تم بالقوة بين طرفين يسعى كل منهما إلى السلطة في العاصمة، انتباه الدولة طوال أشهر بعيدا عن استعادة الشمال المفقود بنفسها أو طلب مساعدة خارجية للقيام بذلك. ومع امتداد التوتر إلى خارج مالي، واجهت السلطة المنقسمة على ذاتها هنا ضغوطا من أجل قبول المساعدة التي كان يُنظر إليها في البداية باعتبارها إهانة.

أرسل رئيس مالي المؤقت أخيرا في منتصف سبتمبر (أيلول) الماضي خطابا إلى الأمم المتحدة يطلب فيه المساعدة. ولا تزال هذه الفكرة تلقى معارضة الآلاف من مناهضي التدخل الأجنبي الذين نظموا مظاهرات في شوارع العاصمة خلال الأسبوع الحالي. مع ذلك، خلال الأسبوعين الماضيين وافق كثيرون بشكل حاسم على التدخل العسكري الدولي الذي يتضمن بقايا الجيش المالي الممزق من أجل وضع حد لسيطرة الإسلاميين على الشمال.

* شارك ستيفن إيرلانغر في إعداد هذا التقرير من باريس وشارك إيريك شميت من واشنطن

* خدمة «نيويورك تايمز»