رواية ملفقة لشاب لبناني عن قطع ملتحين سلفيين أصابعه كادت تحدث أزمة

التحقيق كشف تلفيق الرواية بعد تفاعلات سياسية وإعلامية

TT

بعد ساعات قليلة على ظهور الشاب اللبناني إيهاب العزي عبر وسائل الإعلام متحدثا عن قطع أصابع يده بالسيف من قبل ملتحين سلفيين في بيروت، أوقفت الاستخبارات هذا الشاب بشبهة «تلفيق رواية كاذبة».

الرواية بدأت مع ادعاء العزي في حديث صحافي أن مسلحين مدنيين ملتحين اعترضوا طريقه في محيط الطريق الجديد عند المدينة الرياضية، ذات الغالبية السنية، بعد ظهر الأحد الماضي بعدما أدركوا أنه شيعي المذهب بسبب قلادة كان يضعها في عنقه. وقال إنه بعدما أشبعوه ضربا وداسوا على قلادته سحب أحدهم سيفا كان بحوزته وهمّ بقطع عنقه على وقع التكبير، فما كان منه إلا أن رفع يده ليحمي رأسه، مما أدى إلى بتر أصابع يده، وبعدما تركوه توجه إلى مستشفى رفيق الحريري الحكومي لتلقي العلاج وأبلغهم بما حصل معه.

وكانت قناة «المنار» الناطقة بلسان حزب الله قد بثت مضمون الرواية وعرضت تقريرا أشارت فيه إلى أنه «في منطقة الطريقة الرياضية اعتدى عدد من محازبي (المستقبل) على المواطن إيهاب العزي، مما أدى إلى بتر أصابعه»، وعرضت مقابلة مسجلة مع العزي الذي كرر فصول روايته. وفي اليوم التالي (أول من أمس) نشرت صحيفة «النهار» اللبنانية، على صفحتها الأولى تقريرا تخلله مقابلة مع العزي وصورة له، حمل عنوان: «إيهاب العزي قطعوا أصابع يده بالسيف: لا تقتلوني أنا لم أفعل شيئا». وينقل التقرير عن العزي قوله: «حضر أحدهم بلباس يشبه الأفغان، وسحب سيفا طويلا لضرب رأسي فصرخت (لا لا رأسي، لا تقتلني)، ورفعت يدي اليسرى لأحمي وجهي، فضربها وتركني أنزف وفر مع رفاقه».

وبعد نشره في الصحيفة، تداول اللبنانيون التقرير الذي انتشر على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي كالنار في الهشيم ولقي تعاطفا وتنديدا كبيرا، بينما انطلق أشخاص منه للحديث بنبرة مذهبية وطائفية وانتشرت صورة العزي على صفحات الإنترنت، لتعد قناة «الجديد» تقريرا ثالثا مساء اليوم ذاته (أول من أمس).

ولقيت الرواية استنكارا من قبل قوى «14 آذار»، حيث ندد رئيس الحكومة الأسبق ورئيس «كتلة المستقبل» النيابية فؤاد السنيورة بـ«التعرض للمواطن إيهاب العزي في منطقة المدينة الرياضية من قبل مجهولين مما أدى إلى بتر أصابع يديه»، مطالبا «القوى الأمنية والسلطات القضائية بالتحقيق السريع للكشف عن ملابسات هذه الاعتداءات وإلقاء القبض على المعتدين في أي منطقة كانوا لسوقهم إلى العدالة لإنزال العقاب بهم». كما وصف حزب «القوات اللبنانية» برئاسة سمير جعجع الحادثة بأنها «سابقة خطرة ومقيتة»، وشدد على ضرورة «التصدي لها على مختلف المستويات وملاحقة الجناة وإصدار أشد العقوبات بحقهم»، مؤكدا أنه «يشكل (الحادث) دليلا على مدى تفاقم الشحن المذهبي والطائفي البغيض».

التداول الإعلامي برواية العزي وتداعياتها على مواقع التواصل الاجتماعي دفع قيادة الجيش اللبناني إلى استدعائه للتحقيق معه وكشف ملابسات الاعتداء عليه ليتبين إثر استجوابه أنه لا صحة للرواية كلها وقد لفقها بهدف الحصول على علاج مجاني بعد إشكال مع أصدقائه في منطقة الضاحية الجنوبية لبيروت. وفي بيان رسمي مساء الأربعاء الماضي، أفادت مديرية التوجيه في الجيش اللبناني بأن العزي «أكد أنه أقدم على تلفيق الخبر جملة وتفصيلا، واعترف بأن إصابة يده بجروح ناجمة عن حادث اصطدام حصل على طريق المطار بين الدراجة النارية التي كان يقودها ودراجتين ناريتين أخريين، وتطور الحادث إلى شجار أقدم خلاله أحدهما على طعنه بحربة، مما أدى إلى بتر بعض أصابع يده». وتابعت قيادة الجيش اللبناني: «بعد ذلك انتقل إلى مستشفى رفيق الحريري الجامعي واستدعى بعض وسائل الإعلام لإجراء مقابلات معه بغية الحصول على طبابة مجانية على نفقة وزارة الصحة»، مشيرة إلى أنه تم «توقيفه ويستمر التحقيق معه تمهيدا لإحالته إلى القضاء المختص».

وفي ردود لاحقة بعد صدور بيان قيادة الجيش، طالب حزب «القوات اللبنانية» بـ«إحالة العزي إلى المحاكمة وإنزال العقوبات اللازمة بحقه وبحق كل من يظهره التحقيق محرضا أو محركا، فردا أو جماعة، اعتادت في الأساس على قلب الحقيقة إلى كذبة والإصرار على الكذبة على أنها حقيقة، سواء عبر محاولات اغتيال وهمية ودعائية، أو عبر محاولات يومية لاغتيال الوطن».

واتهم النائب عن «تيار المستقبل» عمار حوري إعلام حزب الله وحلفائه بأنه إعلام فتنة، وأن الجريمة التي ارتكبها أخطر من جريمة (الوزير السابق) ميشال سماحة»، مطالبا القضاء بـ«اعتبار ذلك أخبارا والتحرك بمقتضاه لأن هذا أمر يؤدي إلى نتائج لا تحمد عقباها». ولفت إلى أن هذا «الإعلام لم يكلف نفسه نشر التكذيب الذي وزعه الجيش اللبناني، بل حاول إظهار منطقة الطريق الجديد وكأنها خارجة عن القانون، وهذا أمر لا يمكن أن نسكت عليه، وهذه جريمة موصوفة قام بها هذا الإعلام».