إعادة مالي إلى عضوية الاتحاد الأفريقي تدل على إرادة إشراكها في استعادة شمالها

التدخل العسكري بات مرجحا الشهر المقبل.. ومصادر بالرباط تستبعد تنسيقا جزائريا ـ مغربيا

TT

في أجواء التوتر المستمر في باماكو، تدل إعادة عضوية مالي في الاتحاد الأفريقي على إرادة شركائها إشراكها في الإعداد لتشكيل قوة عسكرية دولية لاستعادة شمالها الذي تحتله حركات إسلامية مسلحة.

وقرر الاتحاد الأفريقي، الذي علق عضوية مالي إثر الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس حمادو توماني توري في 22 مارس (آذار) الماضي، إعادة هذا البلد إلى صفوفه وأرفق هذا القرار بطلب من السلطات الانتقالية التي تشكلت في أبريل (نيسان) الماضي بعد انسحاب الانقلابيين، وتنظيم «انتخابات حرة» قبل أبريل 2013.

ومن شأن هذه الانتخابات أن تستكمل العودة إلى «النظام الدستوري» الذي لم يتعزز ألبتة في باماكو حيث تنشط جبهة تعارض أي تدخل أجنبي في الشمال بينما ما زال قائد الانقلابيين الكابتن حمادو هايا سانوغو يتمتع بنفوذ كبير. واتهم رجاله بارتكاب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان في باماكو بحق أنصار الرئيس المخلوع، وبلغ نفوذه حدا دفع بالرئيس الانتقالي ديونكوندا تراوري إلى تعيينه على رأس هيئة كلفت بإصلاح الجيش المالي، وما زال هذا الجيش الذي يفتقر إلى التجهيزات، محبطا من الهزيمة التي تكبدها أمام المجموعات المسلحة التي قادها «تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي».

وسيطرت هذه المجموعات خلال بضعة أيام من الانقلاب على شمال البلاد قبل أن تتخلص من المتمردين الطوارق الانفصاليين العلمانيين الذين بادروا بشن هجوم في يناير (كانون الثاني) في منطقة فرضت فيها الشريعة.

ويستحيل إجراء انتخابات في مجمل الأراضي المالية لأن الشمال المحتل يشكل ثلثي البلاد، لذلك دعا الاتحاد الأفريقي عند إعادته مالي إلى عضويته لمساعدة النظام الانتقالي على بسط نفوذه، و«إنهاء سريع للإعدادات المشتركة لقوة دولية تقودها أفريقيا بهدف استعادة الأراضي المحتلة في الشمال».

وستنشر هذه القوة التي ستتكون من جنود البلدان الأعضاء في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (سيدياو) بتأييد الأمم المتحدة والدعم اللوجستي من فرنسا، القوة الاستعمارية سابقا في مالي، والولايات المتحدة.

وقالت رئيسة المفوضية الأفريقية نكوسازانا دلاميني زوما، أول من أمس، إن «على الماليين والمجتمع الدولي مضاعفة الجهود لتسوية الوضع الحالي في الشمال الذي يشكل خطرا يجب علينا الرد عليه بشكل فوري وحاسم». ولا تزال معالم هذه القوة وتمويلها ووسائلها الحقيقية حتى اليوم غامضة.

ولم يبق متسع من الوقت أمام الأفارقة للرد على مجلس الأمن، الذي أمهلهم في 12 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي 45 يوما لتوضيح خططهم قبل إعطائهم الضوء الأخضر النهائي للتدخل.

وتحركت عدة اتصالات دبلوماسية قبل نهاية المهلة بين الشركاء الدوليين بما فيهم الجزائر، جارة مالي والقوة العسكرية الإقليمية التي لا يمكن الاستغناء عنها في تسوية الأزمة.

وتزور وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون الأسبوع المقبل الجزائر قبل زيارة الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند في ديسمبر (كانون الأول) المقبل، حسب وكالة الصحافة الفرنسية.

ووافقت الجزائر على بيان مشترك تم التصديق عليه في 19 أكتوبر في باماكو خلال اجتماع رفيع المستوى عقده المجتمع الدولي الذي، فضلا عن «تضامنه» مع مالي، دعا هذا البلد إلى اتخاذ «كل الإجراءات فورا لتسهيل جهود» التدخل العسكري.

ومن دون استبعاد التدخل تفضل الجزائر الحوار مع الحركات المسلحة حيث ترفض «الإرهاب» وانقسام مالي.

وأكد مسؤول كبير في الأمم المتحدة على هامش اجتماع باماكو أن مثل هذا الحوار لا يمنع استخدام القوة ويهدف خصوصا إلى جمع بعض المجموعات المسلحة المتكونة خصوصا من المتمردين الطوارق، الذين يغلب الإسلاميون المسلحون على حركتهم الأساسية وهي حركة تحرير أزواد، لتسهيل التدخل. وقال المسؤول «كلما قلت المجموعات المسلحة سهلت الأمور».

وفي سياق ذلك، قالت مصادر وثيقة الاطلاع لـ«الشرق الأوسط» إن تدخلا عسكريا بات أكثر ترجيحا خلال الشهر المقبل، إذا فشلت مساع سياسية متعثرة في التوصل إلى نتيجة إيجابية، وفي غضون ذلك استبعدت مصادر في الرباط أن يحدث أي تنسيق بين المغرب والجزائر لتوحيد مواقفهما من الأزمة في مالي.

وتسيطر حاليا مجموعات متطرفة لها علاقة بتنظيم القاعدة على ثلاث مدن في مالي، وهي غاو وتمبكتو وكيدال، وأهم هذه المجموعات «حركة التوحيد والجهاد»، في حين توجد حركة أخرى تعرف باسم «أنصار الدين» أقل نفوذا، إضافة إلى «الجبهة الوطنية لتحرير أزواد» التي تداعى نفوذها في المنطقة.

وطبقا لسيناريو حصلت عليه «الشرق الأوسط» من مصادر وثيقة الاطلاع، فإن التدخل العسكري هو المرجح، لأن «حركة التوحيد والجهاد» ترفض التفاوض حول حل سلمي عكس «أنصار الدين» و«الجبهة الوطنية لتحرير أزواد»، وسيكون التدخل العسكري من شقين: الأول بري تنفذه قوات «إكواس» إلى جانب جيش مالي، إضافة إلى دعم لوجستي وضربات مركزة من الطيران تنفذها طائرات أميركية وفرنسية.

وكان الجنرال كارتر هام قائد القوات الأميركية في أفريقيا (أفريكوم) زار دول المنطقة في وقت سابق، حيث التقى مسؤولين عسكريين في كل من الجزائر والمغرب وموريتانيا، وقال وقتها إن القوات الأميركية لن ترسل قوارب برية إلى منطقة الساحل والصحراء، لكنه لم يتطرق إلى موضوع الضربات الجوية. وكانت مصادر إعلامية أميركية أشارت قبل ذلك إلى أن قوات «أفريكوم» أنشأت مطارات صغيرة في عدد من الدول الأفريقية من بينها موريتانيا، ويعتقد أن الضربات الجوية ستنطلق من هذه المطارات.

يذكر أن الجنرال هام، أشرف قبل توليه قيادة «أفريكوم» على الضربات الجوية في أفغانستان، واعتبر وقتها «مهندس» تلك الضربات.

وعلى الرغم من أن فرنسا تحبذ الحل العسكري، الذي يؤيده المغرب من دون أن يعلن ذلك صراحة، لكن جان إيف لو دريان وزير الدفاع الفرنسي، قال أول من أمس إن «الوقت لم يحن بعد لتدخل عسكري في شمال مالي». وقال لو دريان في تصريح لإذاعة «فرنسا الدولية» إن «المهم بالنسبة للدول الأفريقية هو تطبيق خطة عمل سيتم عرضها مجددا على مجلس الأمن خلال مهلة شهر على أن تطرح بعد ذلك مسألة التدخل»، مشيرا إلى أن فرنسا ستدعم خطوة التدخل إذا تم اللجوء إليها، على مستوى التدريب والدعم اللوجستي، وتقديم المعدات، مشددا على أن «الأفارقة هم من سيقومون بالمبادرة وعليهم استعادة أراضيهم»، على حد تعبيره.

ويعتقد الدكتور المساوي العجلاوي، الباحث في «معهد الدراسات الأفريقية» في الرباط، أن الحل العسكري ربما يعيد إنتاج مشاكل منطقة الساحل والصحراء، لذلك لا بد من البحث عن حل سياسي كذلك، مشيرا إلى أن الحل العسكري ربما يستهدف فقط إعادة المدن الثلاث من قبضة «حركة التوحيد والجهاد».

وقال العجلاوي لـ«الشرق الأوسط» في معرض تحليله لرفض الجزائر الحل العسكري، إن الجزائر تخشى أن تتحول إلى «باكستان» المنطقة في حال توجيه ضربات للمتشددين في شمال مالي، نظرا لتداخل قبائل طوارق الجزائر في منطقة تمنراست مع طوارق شمال مالي. ويرى العجلاوي أن تنسيقا بين المغرب والجزائر بشأن الوضع في شمال مالي «مستحيل لعدم وجود مقاربات متشابهة بينهما، إذ تعتبر الجزائر المغرب منافسا ولا علاقة له بدول الساحل والصحراء». ويرجح العجلاوي إمكانية اللجوء إلى الحل العسكري في أواخر الشهر المقبل أو بداية ديسمبر المقبل، وهو يعتقد كذلك بصحة المعلومات التي تتحدث عن مشاركة الأميركيين والفرنسيين في ضربات جوية ضد المتشددين.