الجيش السوداني: وجود المدمرتين الإيرانيتين في بورتسودان يشكل «دعما أمنيا»

خبراء عسكريون: الزيارة تجعل اتهامات إسرائيل للسودان بدعم البرنامج النووي الإيراني وإيصال أسلحة إلى «غزة» مبررة

TT

وصف السودان وصول مدمرتين إيرانيتين إلى ميناء بورتسودان، بأنه في إطار «دعم العلاقات المتينة والودية»، بين القوات البحرية في الدولتين، غداة نفي الخرطوم أي صلة بين الصناعات العسكرية السودانية وإيران. بيد أن خبراء عسكريين ومحللين رأوا في وجود مدمرتين حربيتين إيرانيتين في المياه السودانية «دخولا مباشرا للسودان في الصراع الإيراني - الإسرائيلي».

وأكد المتحدث باسم الجيش السوداني العقيد الصوارمي خالد سعد، أن «فرقاطتين إيرانيتين تزوران البلاد، في إطار تبادل العلاقات الودية التي تعبر تعبيرا صادقا عن متانة العلاقة بين القوات البحرية السودانية والقوات البحرية الإيرانية». لكن هذه التصريحات لا تخفي البعد الاستراتيجي والسياسي لوصول تلك السفن الحربية، الذي حدده بقوله: «إنها تدعم العلاقات السياسية بين الدولتين والتقارب الدبلوماسي، وتمثل دعما أمنيا في المواضيع ذات الاهتمام المشترك بين القوتين البحريتين، وفرصة للجانب السوداني للتعرف على التقنيات الحديثة في البحرية الإيرانية وتبادل الخبرات معها».

وكانت وكالة «فارس» الإيرانية ذكرت أول من أمس، أن الكثير من السفن الحربية الإيرانية وصلت الاثنين الماضي إلى ميناء سوداني، تنفيذا «لاستراتيجية إيران بتوسيع انتشارها البحري في المياه الدولية».

وقال العقيد الصوارمي، إن «السفينتين الحربيتين تزوران السودان في الفترة من 28 أكتوبر (تشرين الأول) وحتى 31 منه». وأضاف: «إن زيارة السفينتين ستدعم العلاقات السياسية والأمنية والدبلوماسية القوية بين الدولتين». وأكد المتحدث العسكري السوداني، أن الزيارة تشكل أيضا «فرصة لضباط القوات البحرية السودانية وطلاب الدراسات البحرية لرؤية الأسلحة المتطورة وتجهيزات هذه السفن والتي ستكون مفتوحة لعامة المواطنين». وبحسب مصادر إيرانية فإن حاملة المروحيات «خرج» والمدمرة «نقدي» رستا في ميناء بورتسودان على البحر الأحمر الاثنين الماضي، مشيرة إلى أنهما كانتا أرسلتا إلى جيبوتي في سبتمبر (أيلول) الماضي حاملتين رسالة إيران للسلام لدول المنطقة، كما أنهما تؤمنان ممر السفن في مواجهة إرهاب قراصنة البحر. وجاء الربط بين صناعة السلاح السودانية وإيران بعد اتهام الخرطوم لإسرائيل بقصف مجمع «اليرموك» للصناعات العسكرية الذي يقع في قلب العاصمة السودانية ليل 23 من الشهر الحالي بصواريخ أطلقتها أربع طائرات. ويوم الاثنين الماضي نفت الخارجية السودانية وجود أي صلة لإيران بمجمع «اليرموك» للصناعات العسكرية، ورفضت إسرائيل التعليق على اتهام الخرطوم حول قصف المجمع. واتهم السودان إسرائيل بالوقوف وراء قصف المجمع في هجوم أدى إلى سقوط قتيلين، وهدد بالرد في المكان والزمان اللذين يراهما مناسبين. ورفضت إسرائيل الإدلاء بأي تعليق على اتهامات الخرطوم، لكن مسؤولين إسرائيليين اتهموا السودان بأنه يشكل قاعدة لعبور الأسلحة الإيرانية إلى حماس في قطاع غزة.

ويرى الخبراء العسكريون السودانيون في وجود السفن الحربية الإيرانية في المياه الإقليمية السودانية «دخولا مباشرا للسودان في الصراع بين إيران وإسرائيل»، ويصفون الأمر باعتباره تفسيرا لتهديدات مسؤولين سودانيين بـ«رد الصاع صاعين لإسرائيل في تدميرها لمنشأة اليرموك الحربية».

وتساءل الخبير العسكري اللواء معاش محمد العباس في إفادته لـ«الشرق الأوسط»: «هل جاءت هذه السفن لحماية المصالح السودانية، أم أنها جاءت لأهداف أخرى؟».

ويضيف: «ربما تكون الحكومة السودانية قد رأت أن مصلحتها في أن تأتي هذه السفن، لكن سؤالا مشروعا عن معنى الزيارة، وهل أتت هذه السفن لإعادة بناء ما تم تدميره، أم أنها جاءت لحماية ما يمكن تدميره لاحقا؟».

ويواصل اللواء العباس القول: «على كل قيادة سياسية مراعاة وترتيب علاقاتها الدولية بما يخدم مصالحها السياسية». ويضيف: «إن العلاقة مع إيران يجب أن تستصحب حالة كون السودان بلا أصدقاء استراتيجيين، فروسيا والصين لم يستخدما (الفيتو) لصالحه في مجلس الأمن، لذا يجب النظر إلى العلاقة مع إيران بأنها قد لا تكون لمصلحة السودان، وربما تكون لها أهداف أخرى، انطلاقا من علاقة إيران مع الدول العربية والإسلامية، والتي لا تنظر إليها إيران إلا من خلال رغبتها في التحدث باسمها».

ويقول الخبير العسكري العقيد طيار علي حسن نجيلة لـ«الشرق الأوسط»: «بهذه الزيارة يصبح السودان طرفا في الحرب الإيرانية والإسرائيلية، وإنها تجعل الاتهامات الإسرائيلية للسودان بدعم البرنامج النووي الإيراني وإيصال أسلحة إلى غزة، واستقبال خبراء عسكريين إيرانيين لها مبرراتها».

ويوضح العقيد نجيلة، أن منطقة شرق السودان تمثل ثغرة جوية استخدمتها إسرائيل في أكثر من مرة، في ضرب الرادارات المصرية في حرب 1973، وفي عملية «عنتيبي»، وفي عملية تدمير مصنع «اليرموك» التي تزودت بالوقود فيها. ويضيف: «إن وجود السفن الحربية الإيرانية وبما تملكه من تقنية حربية وطائرات وأجهزة إنذار مبكر يمكن أن يسد هذه الثغرة التي استغلتها إسرائيل طويلا».

وقال: «إن وجود البوارج الحربية الإيرانية في المياه البحرية السودانية عمل سيادي قامت به الحكومة السودانية، وربما يكون هو الرد السوداني الذي صرحت به قيادات حكومية الأيام الماضية».

ويرى العقيد نجيلة في الوجود الإيراني، تأكيدا لقبول السودان الدخول مباشرة في الحرب الإيرانية - الإسرائيلية، وقبوله للعب دور الحليف الاستراتيجي لإيران.

من جهته، يرى مدير جامعة أفريقيا العالمية والقيادي الإسلامي د. حسن مكي، أن الزيارة مجرد تعاون لتأكيد أن سياسة السودان الخارجية مستقلة، وللرد على إسرائيل التي تعتقد أن علاقات السودان الخارجية الاستراتيجية ستتأثر بالضربة التي تعرض لها مصنع «اليرموك».