«بني وليد» الليبية تعاني من تصفيات الحسابات السياسية

رائحة الموت لا تزال تنبعث من المشرحة التي أصبحت خالية

TT

لدى عودتهم إلى ديارهم في بني وليد (غرب ليبيا) بعدما فروا من المعارك الأسبوع الماضي، وجد أفراد أسرة محمد سعد عنزة نافقة في الشارع وقذيفة في الحديقة ومنزلا متفحما. وهذه الأسرة من بين مئات العائلات التي عادت الأربعاء إلى واحدة من آخر معاقل أنصار العقيد الراحل معمر القذافي، الذين خاضوا حربا خاسرة العام الماضي أدت إلى الإطاحة بنظامه.

وحوصرت البلدة ثم هوجمت فيما سعت السلطات لاعتقال المسؤولين عن القبض على عمران شعبان أحد الثوار السابقين البالغ من العمر 22 عاما الذي كان أول من أسر القذافي.

وبقي شعبان رهينة لأسابيع قبل أن يتم إطلاق سراحه، وقضى لاحقا متأثرا بجروحه مما أثار التوترات بين مسقط رأسه مصراتة وبلدة بني وليد مما دفع السلطات إلى التحرك. وتساءل سعد الوالد لخمسة أبناء «ما علاقة حرق المنازل بالبحث عن مجرمين من النظام السابق؟»، وذلك بعد معاينة الأضرار والاستنتاج أن لا خيار أمامه سوى نصب خيمة في الحديقة. وأطلق ابنه عامر البالغ من العمر تسع سنوات صيحة ابتهاج عندما اكتشف أن حقيبته المدرسية وكتبه نجت من الحريق. وبعد ثوان أطلق صرخة غضب وصاح «يا الله يا الله» عندما رأى التلفزيون منخورا بالرصاص. وانتهت العملية العسكرية قبل أسبوع عندما تمكن مئات المقاتلين من مختلف درجات التأييد لقائد الأركان، بينهم مجموعات مسلحة من مصراتة، من الاستيلاء على البلدة وإعلانها «محررة».

وقال عبد القادر رحانا (85 عاما) «سمعنا على الإذاعة أن العودة إلى الديار أصبحت آمنة فجئنا لنرى». وكان عبد القادر في طابور من أكثر من 300 سيارة أمام حاجز لقوات وزارة الداخلية.

وشوارع هذه الواحة القابعة على تل والمطلة على بساتين الزيتون والبلح كانت مقفرة إجمالا في الصباح فيما كان عدد قليل من سيارات الشرطة والجيش تقوم بدوريات في مساحة صغيرة جدا وسط البلدة، بحسب مراسلة وكالة الصحافة الفرنسية.

وكانت ألسنة النار تتصاعد من مبنى سكني قرب الجامعة، فيما غطى سواد الدخان جدران الكثير من المنازل في جويدة، الحي المعروف بأنه يؤوي متعاطفين مع النظام السابق.

وأتت النيران على مبنى يضم شققا كان يسكنها أهالي من تاروغاء لجأوا إلى بني وليد بعد أن أحرق متمردون من مصراتة بلدتهم «ثأرا» في نهاية حرب 2011. أما غالبية المحلات فكانت واجهاتها مهشمة وسوق الخضار محترقا.

والمباني الحكومية بما فيها مدارس ومصارف وحتى المتحف الصغير، تضررت أيضا حيث تفتحت نوافذها بفعل الانفجارات وبدت جدرانها منخورة بشظايا القصف فيما بعض أجزائها أتت عليه النيران.

وفي غضون ذلك, لا تزال رائحة الموت تنبعث من المشرحة التي أصبحت خالية. والعدد القليل من الناس الذين لزموا منازلهم رغم انقطاع الكهرباء والهاتف قالوا: إن مدخل الثوار السابقين لبني وليد كانت تعمه الفوضى، وإن عدم وجود قيادة حقيقية سمحت بحصول هجمات ثأرية وأعمال نهب.