الاشتباكات بين العرب والأكراد تضيف مزيدا من التعقيد على الصراع في سوريا

تحذيرات من احتمال اندلاع حرب بين الأكراد أنفسهم

TT

يهدد القتال الدائر بين الأكراد والثوار العرب في شمال سوريا، الذي استمر لنحو الأسبوع تقريبا، بفتح جبهة جديدة في المعركة الدموية الدائرة بالفعل في سوريا من أجل السيطرة على البلاد، مما يبرز مدى تعقيد هذا الصراع الذي يهدد بتأجيج التوترات العرقية والطائفية في شتى أنحاء الإقليم.

قامت قيادة الجيش السوري الحر وممثلو الأكراد في تركيا ببذل جهود كبيرة يوم الأربعاء الماضي في المفاوضات الرامية لإنهاء هذه الاشتباكات، التي خلفت أكثر من 40 قتيلا من كلا الجانبين، فضلا عن احتجاز عشرات الرهائن الآخرين.

كشف اندلاع أعمال العنف عن وجود بعض الخلافات المتزايدة، التي لم يتم تسليط الضوء عليها كثيرا، بين قوات المعارضة السورية، ومعظمها من العرب، التي تسعى للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، وبين الأكراد السوريين، الذين ينظرون إلى هذه الثورة باعتبارها فرصة لتوسعة نطاق تطلعاتهم القديمة بالحصول على الحكم الذاتي - أو ربما الاستقلال - في المناطق الكردية في شتى أنحاء الإقليم.

يقول جوست هلترمان، نائب مدير «برنامج دراسات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا» في «مجموعة الأزمات الدولية»: «يمهد هذا الأمر الطريق لصراع سوف يندلع في المستقبل». يؤكد هلترمان أنه ما لم تقم المعارضة السورية، المنقسمة بالفعل، باتخاذ بعض الخطوات لمعالجة التطلعات الكردية بطريقة جدية، فسوف تكون هناك فرص كبيرة لاندلاع حرب عربية - كردية عقب حدوث أي تغيير في نظام الحكم في دمشق.

كانت هذه الاشتباكات صغيرة النطاق؛ إذا ما قورنت بالمعارك العنيفة التي تجتاح البلاد بين قوات الثوار والموالين للأسد. قالت لجان التنسيق المحلية المعارضة في سوريا إن 104 أشخاص على الأقل قد لقوا مصرعهم يوم الأربعاء الماضي، حيث قضى كثير منهم جراء الغارات الجوية التي تعتمد عليها الحكومة بصورة متزايدة لمحاولة سحق الثورة. لقي 7 أشخاص مصرعهم إثر انفجار قنبلة بالقرب من ضريح السيدة زينب، وهو موقع شيعي شديد الأهمية ويقع على مشارف العاصمة السورية دمشق. حذر الشيعة العراقيون من أن إلحاق أي ضرر بالضريح من شأنه أن يدفعهم للدخول في المعركة الدائرة في سوريا.

تضيف الاشتباكات بين العرب والأكراد بعدا جديدا للصراع الذي يهدد بالانتقال إلى الدول المجاورة لسوريا، بما في ذلك تركيا، التي أعربت عن مخاوفها المتنامية من الإصرار الذي يبديه الأكراد السوريون منذ انسحاب جيش الأسد من شمال شرقي البلاد في شهر أغسطس (آب) الماضي، مما أعطي الأكراد السيطرة الفعلية على هذه المنطقة.

اندلعت الاشتباكات يوم الجمعة الماضي، عقب ما بدا أنه سوء تفاهم بين وحدات الجيش السوري الحر، التي تقاتل لطرد القوات الحكومية من مدينة حلب في شمال البلاد، وبين الميليشيات السورية الكردية الرئيسية، والتي ظلت تؤكد باستمرار على سيطرتها على المناطق الكردية التي تقع شمالي البلاد.

قامت قوات الجيش السوري الحر بدخول حي الأشرفية الكردي في اليوم السابق بموجب ما أكدوا أنه اتفاق مع الجناح العسكري لـ«حزب الاتحاد الديمقراطي» الكردي، المتحالف مع الميليشيات الكردية الموجودة في المناطق الحدودية مع تركيا.

وفي يوم الجمعة، قام الأكراد بتنظيم مظاهرات ضد الثوار، خوفا من أن يؤدي وجودهم في الحي إلى دفع الحكومة لتنفيذ بعض الأعمال الانتقامية التي قد تأتي في صورة غارات جوية أو قصف مدفعي. قام كلا الجانبين بتقديم روايات متضاربة عن كيفية اندلاع القتال بالضبط، ولكن مقطع فيديو قامت إحدى القنوات الإخبارية الكردية برفعه على الإنترنت يوضح جليا إطلاق بعض الأعيرة النارية على المتظاهرين، مما دفع «حزب الاتحاد الديمقراطي» الكردي إلى الرد، وهو الأمر الذي لم ينته إلا بعد وقوع 30 قتيلا من صفوف الثوار و15 قتيلا من صفوف المقاتلين الأكراد، فضلا عن طرد الثوار من الحي.

وبعد مرور يومين، امتدت الاشتباكات إلى المنطقة الشمالية من محافظة حلب، حيث قام الثوار بطرد القوات الحكومية منذ أشهر. شهدت عمليات تبادل المئات من الرهائن، الذين قام الطرفان بإلقاء القبض عليهم في الاشتباكات التي وقعت في حلب، توترا كبيرا عقب عودة أحد الرهائن الأكراد مقتولا، حيث كانت علامات التعذيب التي قامت بها قوات الثوار تبدو واضحة على جسده. قام مقاتلو المعارضة في مدينة إعزاز الحدودية بإطلاق بعض القذائف على قرية قسطل جندو الكردية المجاورة. وفي صباح يوم الأربعاء الماضي، نصب مقاتلو «حزب الاتحاد الديمقراطي» كمينا لمقاتلي الثوار بالقرب من معبر باب السلامة الحدودي مع تركيا الذي يسيطر عليه الثوار، مما أسفر عن مقتل شخص وإصابة اثنين.

تزيد الانقسامات التي تحدث في كلا الجانبين من تعقيد المعركة، وهو ما يثير بعض التساؤلات حول إمكانية احتواء أعمال العنف.

وصف العقيد مالك الكردي، المتحدث باسم الجيش السوري الحر في تركيا، الهجمات على الأكراد بـ«الخطأ»، مؤكدا أن الوحدات المتورطة في هذه الاشتباكات، التي رفض تسميتها، لا تخضع لسيطرة القيادة الرئيسية للثوار.

يقول بعض الأكراد إن مقاتلي جماعة «جبهة النصرة» المتشددة، التي يشتبه في تبنيها آيديولوجيات تنظيم القاعدة، بدأوا في إطلاق النار في مدينة حلب، مضيفين أن «لواء عاصفة الشمال»، وهي إحدى الوحدات التابعة للثوار، التي لا تخضع لقيادة الجيش السوري الحر، قام بشن هجمات على القرى الكردية انطلاقا من مدينة إعزاز التي يسيطر عليها الثوار.

اتهم أبو لؤي الحلبي، المتحدث باسم قوات الثوار في مدينة إعزاز، الميليشيات الكردية بالسعي لاستغلال مكاسب الثوار في شمالي البلاد لممارسة بعض الضغوط من أجل المطالبة باستقلالهم. يقول الحلبي، في إشارة إلى الحركة الكردية المتمردة التي تشن حربا على تركيا منذ عقود طويلة: «إن ما يحدث أمر في منتهي الوضوح، حيث بات الجيش السوري الحر على وشك الانتهاء من معركته في حلب، لذا تحاول قوات (حزب العمال الكردستاني) احتلال المنطقة لإقامة دولتهم المستقبلية».

ولكن الحركة السورية الكردية وصفت هذه الهجمات بأنها مؤامرة دبرتها تركيا لسحق التطلعات الكردية «والقضاء على الحرية النسبية التي يتمتع بها المواطنون الأكراد في كردستان الغربية»، في إشارة إلى المناطق الشمالية الشرقية من سوريا التي وقعت مؤخرا تحت سيطرة الأكراد. تنقسم ولاءات الأكراد بصورة كبيرة بين «حزب الاتحاد الديمقراطي» و«المجلس الوطني الكردي» الأكثر اعتدالا والذي سعى للتوصل إلى تسوية مع المعارضة السورية. يؤكد كاوا يوسف، من «حركة الشباب الكردي»، وهي جماعة معتدلة متعاطفة مع المعارضة السورية، أن التوترات تزداد الآن بين الأكراد بشأن النهج الذي ينبغي تبنيه في الصراع الدائر في سوريا. يضيف يوسف: «إنها تتحول إلى مشكلة كبيرة للغاية»، محذرا من احتمال اندلاع حرب بين الأكراد أنفسهم.

* ساهم في كتابة هذا التقرير أحمد رمضان وسوزان هيدموس

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»