تصريحات أبو مازن عن بلدته «صفد» في ذكرى وعد بلفور تثير جدلا واسعا

التعبير والتوقيت لم يخدماه.. حماس قالت إنه يمثل نفسه.. وفتح ردت: هذا موقف مشعل أيضا

الرئيس الفلسطيني محمود عباس
TT

أثارت تصريحات الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) التي لمح فيها إلى عدم أحقيته في العودة للعيش في بلدته الأصلية «صفد» في إسرائيل، باعتبارها ليست «فلسطين»، جدلا كبيرا في الشارع الفلسطيني على الرغم من أن موقفه في هذا الشأن معروف سلفا. وهاجمت الفصائل الإسلامية عباس بشدة، واعتبرته غير مخول ولا يمثل إلا نفسه، والتزمت الفصائل اليسارية الصمت فيما رد ناشطوها على صفحات التواصل الاجتماعي مهاجمين أبو مازن وتصريحاته، التي شغلت أيضا ناشطين مستقلين وصحافيين ومراقبين، وهو ما اضطرت معه حركة فتح للرد على هذه الهجمة بالتذكير بأن ذلك (أي حدود 1967) هو موقف خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، أيضا.

وكان أبو مازن قد قال في مقابلة مع التلفزيون الإسرائيلي ردا على سؤال ما إذا كان يريد أن يعيش في صفد؟ «أريد أن أرى صفد، من حقي أن أراها.. لا أن أعيش فيها»، مضيفا: «فلسطين الآن في نظري هي حدود 1967 والقدس الشرقية عاصمة لها. هذا هو (الوضع) الآن وإلى الأبد.. هذه هي فلسطين في نظري. إنني لاجئ لكنني أعيش في رام الله. أعتقد أن الضفة الغربية وغزة هي فلسطين، والأجزاء الأخرى هي إسرائيل».

وجاء موقف أبو مازن هذا في الذكرى 95 لوعد بلفور الذي أعطى اليهود حقا في إنشاء وطن لهم في فلسطين، وهو ما أعطى تصريحاته أهمية استثنائية فوق أهميتها.

وكتب ناشطون على «فيس بوك» أن من لا يملك، يعطي من لا يستحق مرة أخرى. ونشر ناشطون صورا مشتركة لأبو مازن مع أرثر جيمس بلفور وزير الخارجية البريطاني آنذاك، وراحت مجموعات شبابية تطالبه بالتنحي، فيما قال آخرون إنهم غير متفاجئين من الموقف.

وهاجمت حركة حماس، أبو مازن، بعنف، وقال عضو المكتب السياسي للحركة، عزت الرشق إن «تصريحات السيد محمود عباس مؤسفة ومرفوضة ولا تعبر عن شعبنا». وأضاف على صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»: «لا تعبر عن شعبنا الفلسطيني بحال من الأحوال». وأضاف: «إن حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم ومدنهم وقراهم ومساكنهم التي هُجروا منها حق مقدس لا تفريط فيه، وإنه لا أحد (كائنا من كان) يملك الحق في التنازل عن حق العودة..». وتابع القول: «شعبنا لن يفرط بذرة تراب واحدة من أرض فلسطين كل فلسطين من البحر إلى النهر، كما أنه لا أحد يملك التفريط بأرضنا.. فهي ليست موضعا للتنازل أو المساومة أو التفريط».

أما طاهر النونو، الناطق باسم الحكومة المقالة في غزة، فقال على صفحته على «فيس بوك»: «إنه لا فرق بين تصريحات أبو مازن ووعد بلفور». وأضاف: «أبو مازن يؤكد في كل مناسبة على شرعية وجود إسرائيل، وأنها وجدت لتبقى، وأنه ضد المقاومة المسلحة». وتابع القول: «ينسى عباس أن يقول إنه ضد الإرهاب الصهيوني ومجرمي الحرب الصهاينة. أرجو مراجعة نص وعد بلفور لإيجاد نقاط الاختلاف بينه وبين تصريحات عباس إن وجدت».

كما انتقدت «الجهاد» بشدة تصريحات أبو مازن، وقالت إنه لا أحد يستطيع إسقاط «حق العودة».

وردت فتح على هذه الاتهامات بطريقتها، ونشرت على موقع الحركة الرسمي على «فيس بوك» نصوص تصريحات لخالد مشعل زعيم حركة حماس يقول فيها إنه يقبل دولة على حدود 1967. وقالت فتح: «هذا الموقف حماس تعلنه وتمارسه، ووقعت عليه اتفاقية مع فتح عام 2006، وعلى العالم أن يتعامل مع حماس بما تقوله وتمارسه اليوم».

وحقيقة الأمر، لم يكن موقف أبو مازن جديدا، إذ معروف أنه يعترف بإسرائيل ويريد دولة على حدود 1967، ولم يقل الرجل في حياته غير ذلك، غير أن التعبير والتوقيت لم يخدماه هذه المرة.

وهذا الجدل الذي استعر في الذكرى 95 لصدور وعد بلفور، لم يُنسِ الفلسطينيين الوعد المشؤوم. وطالبت منظمة التحرير، بريطانيا بتعديل سياساتها، وحملتها حماس مسؤولية الوعد وتداعياته. وقال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، رئيس دائرة شؤون اللاجئين، زكريا الآغا، في بيان صحافي: «إن الدول التي تمارس الضغوط على القيادة الفلسطينية لثنيها عن التوجه إلى الأمم المتحدة، مطالبة اليوم بالعدول عن سياساتها المعادية تجاه شعبنا وقضيته العادلة وإنصافه برفع الظلم التاريخي الناجم عن وعد بلفور وتوجيه ضغوطاتها لحكومة الاحتلال الإسرائيلي».

وأضاف: «كذلك فإن بريطانيا مطالبة اليوم بتعديل سياستها تجاه شعبنا، من خلال دعم حقوقه المشروعة في العودة وتقرير مصيره، وأن تكفر عن أخطائها التي ارتكبتها بحقه باعتبارها الدولة الأولى المسؤولة عن مأساته والاعتراف بالخطأ الجسيم الذي ارتكبته بحقه عندما مكّنت اليهود، من خلال وعدها، من الاستيلاء على الأرض الفلسطينية وإقامة دولتهم على أنقاض المدن والقرى الفلسطينية المدمرة في عام 1948».

وكان هذا موقف مختلف الفصائل المنضوية تحت إطار منظمة التحرير، التي طالبت برفع الظلم عن الشعب الفلسطيني، وتصحيح مسار بلفور.

ووقع ناشطون وكتاب بيانا طالبوا فيه بريطانيا بتحمل الحكومة البريطانية مسؤولياتها عن نكبة الشعب الفلسطيني.

أما حماس، فاستغلت المناسبة، وقالت إنها متمسكة «بخيار المقاومة بكل أشكالها». وأضافت في بيان: «سنظل متمسكين بخيار المقاومة سبيلا لتحرير الأرض والأسرى والقدس والمقدسات والدفاع عن الحقوق والثوابت»، مشددة في الوقت ذاته على أن «كل الخيارات الأخرى قد ثبت عقمها وفشلها في تحقيق الانتصار لشعبنا وقضيته».

وتابعت: «إن وعد بلفور جريمة تاريخية كبرى تتحمّل بريطانيا والدول الاستعمارية مسؤوليتها كاملة عن معاناة وتشريد شعبنا الفلسطيني، وعن استمرارها في دعم الكيان الصهيوني الموغل إجراما ضد شعبنا وأرضه ومقدساته، وهو جريمة لن تسقط بالتقادم وسيحاسب شعبنا وأمتنا العربية والإسلامية كل من تورط فيها قانونيا وسياسيا وأخلاقيا».