الاستخبارات الأميركية أرسلت عناصر أمن بعد 25 دقيقة من مهاجمة القنصلية في بنغازي

طائرة من دون طيار تولت تحديد طرق الهروب والفريق الأميركي حاول الوصول لجماعات ليبية مسلحة متعاونة

TT

سارعت وكالة الاستخبارات المركزية بإرسال عناصر أمن إلى مجمع البعثة الدبلوماسية الأميركية في ليبيا في غضون 25 دقيقة بعد تعرضه لهجوم وكان لها دور محوري أكبر من المعلن عنه في محاولات فك حصار امتد طوال الليل على حد قول مسؤولين أميركيين في الاستخبارات. كذلك حشدت الوكالة جهود الإخلاء وتولت توجيه طائرة عسكرية أميركية تعمل من دون طيار غير مسلحة من أجل تحديد طرق الهروب، وأرسلت فريقا أمنيا للطوارئ من العاصمة الليبية طرابلس، واستأجرت طائرة خاصة حملت في النهاية الدبلوماسيين الأميركيين الناجين إلى بر الأمان بحسب ما قاله مسؤولون أميركيون. وتعد الرواية التي يقدمها لنا مسؤول كبير في الاستخبارات الأميركية هي الأكثر تفصيلا عن الهجوم الذي وقع في الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) وأسفر عن مقتل السفير الأميركي في ليبيا وثلاثة دبلوماسيين أميركيين آخرين.

وأصبح هذا الهجوم مسألة محورية في الحملة الرئاسية الأميركية. ومن المرجح أن ينظر إلى قرار تقديم رواية شاملة تفصيلية عن الهجوم قبل خمسة أيام من الانتخابات بعين الريبة خاصة في صفوف الجمهوريين الذين اتهموا إدارة أوباما بتضليل الرأي العام من خلال وصف الهجوم في البداية بالعفوي الذي بدأ في إطار احتجاجات ضد الفيلم المسيء للرسول.

وقال مسؤولون أميركيون إنهم قرروا تقديم رواية تفصيلية عن دور وكالة الاستخبارات المركزية من أجل تفنيد تقارير إعلامية تشير إلى تباطؤ قيادات داخل الوكالة في مد يد العون إلى مسؤولي وزارة الخارجية الذين كانوا يسعون إلى الهروب من جموع مسلحة.

على الجانب الآخر أكد مسؤولون أميركيون في الاستخبارات أن عناصر وكالة الاستخبارات المركزية في بنغازي وطرابلس اتخذوا قرارات سريعة أثناء الهجوم دون أدنى تدخل من واشنطن.

قال مسؤول بارز في الاستخبارات في تقرير يلخص ترتيب أحداث الهجوم والمتاح للمؤسسات الإخبارية: «لم تكن هناك فرصة لمراجعة هذه القرارات التي تم اتخاذها على أرض الواقع من قبل شخصيات في كل مؤسسة أميركية يمكن أن تضطلع بدور في مساعدة من هم في خطر».

لا تتضمن المعلومات السبب الرئيسي للجدل السياسي الذي يحيط بالحصار وهو تقييمات مسؤولي إدارة أوباما المتغيرة حول ما إذا كان الهجوم قد بدأ كاحتجاج ثم اتخذ منحى عنيفا، أم أنه كان تخطيطا إرهابيا منذ البداية.

مع ذلك أكد المسؤولون مرة أخرى أن المعلومات الاستخباراتية الأولية كانت متناقضة ولم تكن كاملة. وأشاروا إلى عدم مناقشة أعضاء في الكونغرس ومسؤولين بارزين في الإدارة لأي صلة محتملة بين منفذي الهجوم وتنظيم القاعدة بسبب سرية المعلومات.

وقال مسؤول بارز في الاستخبارات الأميركية: «لم يتمكن الناس من اكتشاف المعلومات المتناقضة وتقدير أنه لم يكن هناك احتجاج وقت وقوع الهجوم، إلا بعد الإعلان عن بعض الأحداث».

ركزت المواد التي توفرت على تطورات الأحداث في بنغازي ساعة بساعة. ومن بين الأمور التي تم الكشف عنها هي إرسال رئيس محطة تابع لوكالة الاستخبارات المركزية في طرابلس فريق أمني للطوارئ، به نحو نصف درزينة من عناصر الوكالة فضلا عن قائدين عسكريين أميركيين، إلى بنغازي على متن طائرة مستأجرة تعمل من دون طيار عند وقوع الهجوم. ووصل الفريق بعد منتصف الليل وحاول تنظيم محاولات الوصول إلى المستشفى التي كان يرقد فيها السفير كريستوفر ستيفنز حين كانوا يعتقدون أنه لا يزال على قيد الحياة. مع ذلك ما عرقل الفريق كان الوقت اللازم لتأمين وسائل النقل والأسلحة لجماعات مسلحة حليفة للولايات المتحدة، والأنباء عن احتمال وفاة السفير، وعدم التأكد من الوضع الأمني في المستشفى. وكان المبنى الملحق في بنغازي، الذي تم نقل الدبلوماسيين الأميركيين إليه، هو قاعدة أنشأتها وكالة الاستخبارات الأميركية لتكون أول حصن لها في ليبيا قبل الإطاحة بالحاكم المستبد العقيد معمر القذافي نهاية العام الماضي.

وقال مسؤولون أميركيون إن تلك القاعدة علمت بأمر الهجوم على مجمع البعثة الدبلوماسية القريب من خلال مكالمة هاتفية يائسة تمت في 09:40 تقريبا. وأعد عناصر أمن تابعون لوكالة الاستخبارات المركزية العدة وأخرجوا السيارات في الوقت الذي كان يسعى فيه مسؤولون في الوكالة إلى الاستعانة بجماعات مسلحة ليبية تمت الاستعانة بهم في السابق من أجل توفير الأمن لمقر القنصلية في بنغازي لكنهم لم ينجحوا في ذلك.

وقال المسؤول الأميركي البارز في الاستخبارات: «حاول أفراد الفريق خلال الخمس وعشرين دقيقة الاقتراب من المجمع في محاولة للحصول على أسلحة ثقيلة» من ليبيين قابلوهم على طول الطريق وتمكنوا من الوصول إلى المجمع نفسه في مواجهة نيران العدو.

بعد الحادية عشرة مساء بقليل، غيرت طائرة تعمل من دون طيار، مهمتها ووصلت إلى بنغازي وبدأت تراقب الوضع من الجو. ويبدو أن عناصر الاستخبارات المركزية جزء من مجموعة أكبر من أفراد الأمن الأميركيين والحرس الليبي الذين قاموا بمحاولات متعددة من أجل الوصول إلى مبنى يطلق عليه «فيللا سي» الذي يستخدم كملاذ آمن ومقر للشخصيات المهمة للبعثة الدبلوماسية وهو المكان الذي لجأ إليه السفير كريستوفر. وفي كل مرة كان يضطر المنقذون المحتملون إلى الانسحاب بسبب الدخان الكثيف والنيران داخل المبنى. وبحلول الساعة الحادية عشرة والنصف مساء، كان كل الدبلوماسيين الأميركيين، باستثناء السفير، قد أخلوا مقر البعثة على حد قول المسؤول الاستخباراتي الأميركي، الذي أشار إلى أن السيارات كانت تغادر وسط النيران.

بعد ذلك، نزل منفذو الهجوم على مبنى الاستخبارات الأميركية الذي يبعد نحو ميل عن مبنى البعثة الدبلوماسية. وظل «المبنى الملحق»، وهو الاسم الذي يطلق على قاعدة الاستخبارات المركزية في الوثائق الداخلية، تحت نيران الأسلحة الخفيفة والصواريخ طوال التسعين دقيقة التاليين.

وفي نحو الواحدة صباحا، خيم الهدوء على الحصار فجأة وهو ما استمر حتى الفجر تقريبا. وكان هذا على ما يبدو السبب الذي دفع وكالة الاستخبارات المركزية ووزارة الخارجية الأميركية إلى الاعتقاد بزوال الخطر.

وقبيل الفجر تمكن ذلك الفريق أخيرا من تأمين وسائل نقل وفرق مسلحة، وبعد معرفة أن السفير قد مات على الأرجح، توجه الفريق إلى المبنى الملحق للمساعدة في عملية الإخلاء، على حد قول المسؤول.

وصل الفريق ترافقه عناصر في الأمن الليبي في الخامسة والربع صباحا «قبل أن تبدأ قذائف الهاون في ضرب المبنى الملحق» على حد قول المسؤول. هناك روايات أخرى تشير إلى عدم نجاح قذائف الهاون التي استهدفت الموقع في إصابة الهدف في البداية قبل أن تصيب السطح الذي كان يتمركز فيه الحرس للرد على الهجوم.

وقتل في الهجوم فردا أمن تابعان لوكالة الاستخبارات المركزية كانا يعملان في القوات الخاصة البحرية وهما تيرون وودز، ضابط أمن كان يعمل في بنغازي، وغلين دهورتي، الذي كان ضمن الفريق الذي تم إرساله على عجل جوا من طرابلس. ودامت الحلقة الأخيرة من العنف لمدة 11 دقيقة بحسب قول مسؤولين. وقال المسؤول رفيع المستوى في الاستخبارات: «بعد أقل من ساعة، وصلت وحدة عسكرية ليبية مدججة بالسلاح للمساعدة في عملية إخلاء المبنى من الدبلوماسيين الأميركيين».

وتعجز هذه الرواية، رغم أنها الأكثر شمولا وتفصيلا حتى يومنا هذا، عن الإجابة عن عدد من الأسئلة، من بينها سبب عدم كون الطائرة الوحيدة التي تعمل من دون طيار مسلحة، وما إذا كان ليستطيع نموذج مزود بصواريخ ضرب الموقع الذي كان يستخدمه منفذو الهجوم لإطلاق قذائف الهاون أو منع الهجوم.

وهناك سؤال آخر، وهو لماذا تمكنت الوحدة العسكرية الليبية المدججة بالأسلحة من الوصول إلى المبنى الملحق عند الغروب تقريبا وليس قبل ذلك رغم تكرار الطلب الأميركي المحموم.

* شاركت جوليا تيت في إعداد التقرير

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»