زعيم المعارضة الأفغانية لـ «الشرق الأوسط»: كرزاي أمامه فرصة تاريخية لإجراء انتخابات نزيهة

عبد الله عبد الله: طالبان على العهد يرفضون الحوار وحلمهم بعودة «الإمارة الإسلامية» ثابت لا يتغير

TT

أعرب الدكتور عبد الله عبد الله زعيم المعارضة الأفغانية المرشح الرئاسي السابق عن خشيته من حدوث تزوير في انتخابات 2014 قبل أشهر من انتهاء المهمة القتالية لحلف شمال الأطلسي، وبعد 10 سنوات من أول عملية انتخاب للرئيس حميد كرزاي، إلا أنه أشار إلى أن الرئيس كرزاي لديه فرصة استثنائية لتسجيل اسمه في التاريخ بإجراء انتخابات حرة نزيهة، خصوصا أنه لن يشارك في الانتخابات المقبلة، بموجب مواد الدستور، حيث لا يحق له الترشح لولاية ثالثة.

والدكتور عبد الله وزير الخارجية السابق لكرزاي طبيب عيون دائما مفعم بالأمل في نهضة أفغانستان وإرساء دعائم الأمن والاستقرار في بلاده، وهو يشرف على مؤسسة مسعود الخيرية، التي تحمل اسم القائد الراحل أحمد شاه مسعود زعيم التحالف الشمالي الراحل الذي اغتالته «القاعدة» قبل يومين من هجمات سبتمبر عام 2001، ومثله الأعلى في سنوات الجهاد ضد الروس، «الشرق الأوسط» تحدثت إليه عبر الهاتف عقب إعلان كابل لموعد الانتخابات المقبل في 2014، وكانت قد زارته في منزله مايو (أيار) بحي كارتييه بروان بوسط العاصمة الأفغانية عام 2009، حيث كان يدير حملته الرئاسية بنفسه تحت عنوان «ربما أفوز»، وكانت أقواله المأثورة للأفغان: «أعطوني القوة حتى أستطيع إرجاع السلطة إليكم»، وقد تبنى عبد الله زعيم الائتلاف الوطني المعارض دعوة تعليم الشعب الأفغاني؛ حيث تبلغ نسبة المتعلمين 32% فقط (15% بالنسبة للمرأة)، وهو دائم الحديث عن الأمن والأمان الذي يفتقده الأفغان، وقال لـ«الشرق الأوسط» عبر الهاتف، «نريد أن ننقذ بلدنا من المخاطر والمهالك بالعمل مع الجميع من أجل إيجاد حلول للمشكلات المتراكمة منذ سنوات. لقد عانينا من الحروب لمدة 30 عاما، ونريد أن نبني دولة جديدة تقوم على العدالة والمساواة بين جميع الناس. نريد أن نرسخ الأمن في نفوس الأفغان، ولا ينقصنا سوى الإحساس بالأمن والأمان».

تواجه الحكومة الأفغانية المدعومة من قوات الأطلسي تمردا تقوده حركة طالبان. وبعد انسحاب جنود الأطلسي في نهاية 2014 قد يحاول متمردو طالبان الاستيلاء على السلطة بقوة السلاح بحسب محللين أو قد ينضمون إلى الحكومة عبر اتفاق سلام. وأعلن رئيس اللجنة الانتخابية الأفغانية فاضل أحمد مناوي الأربعاء الماضي أنه مستعد لقبول ترشيح المتمردين في هذه الانتخابات الحاسمة لاستقرار البلاد. ولم تشارك طالبان في الانتخابات الرئاسية في 2009 لكنها هاجمت مراكز الاقتراع لثني الناخبين عن المشاركة فيها. وأعيد انتخاب كرزاي لولاية ثانية في اقتراع كانت نسبة المشاركة فيه ضعيفة تخللته عمليات تزوير. ويتميز عبد الله زعيم المعارضة الأفغاني بقصر خطاباته وبساطة شعاراته وردوده على ممثلي الإعلام، بأجوبة أشبه بالتيكرز لقصرها وجدواها، وفي حملته السابقة كان محاطا برموز من الطاجيك والبشتون يتحدثون العربية بطلاقة، مثل عبد الله مجددي وهو بشتوني خريج جامعة الكويت، والآخر الشيخ خليل الرحمن حناني خريج جامعة أم القرى بمكة المكرمة وحاصل على الدكتوراه في رسالة عن المرأة الأفغانية من جامعة الخرطوم، وبعضهم من خريجي السعودية، مثل مولانا فريد الذي تحدثت إليه «الشرق الأوسط» عبر الهاتف أيضا أول من أمس. وجاء الحديث مع زعيم المعارضة الأفغانية على النحو التالي:

* هل تفكر في الترشح في الانتخابات الرئاسية المقبلة؟

- قرار الترشح للرئاسة يعتبر جريئا إلى حد ما. لكنني في الوقت نفسه في انتظار الإعلان عن تاريخ إجراء الانتخابات وفقا للدستور، غير أن هناك بعض المشكلات التكتيكية المتعلقة بإعلان هذا التاريخ. ففي المرة الأخيرة في عام 2009، واجهنا الموقف نفسه، حيث بموجب الدستور، كان الموعد المقرر 20 أغسطس (آب) 2009، وهي الانتخابات الرئاسية الثانية منذ سقوط نظام طالبان في أعقاب التدخل الذي تقوده الولايات المتحدة منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2001، غير أنه من الناحية التكتيكية، بسبب الشتاء في أفغانستان، لم يكن من الممكن إجراء الانتخابات. وكان هذا بسبب أنه في معظم أنحاء الدولة، قد يكون موعد إجراء الانتخابات مناسبا، لكن كان من المتعذر تنظيم الحملات الانتخابية وإدارة لوجيستيات الانتخابات في فصل الشتاء في ذلك الوقت. لذلك، نأمل أن ينظر بعين الاعتبار للعقبات التكتيكية التي تعرقل مسار الانتخابات المقبلة، وحينها يمكن تحديد الموعد النهائي. الآن وقد أعلنوا الموعد بموجب الدستور، فهذا أمر جيد، لكننا في الوقت ذاته نواجه المشكلات التكتيكية نفسها التي واجهناها في عام 2009 وكان هذا هو السبب وراء تأجيلها لبضعة أشهر في ذلك الوقت. كان هناك إجماع على أنه لا يمكن عقد الانتخابات، فضلا عن أنها تحتاج لمشاركة جمهور الناخبين، إضافة إلى توفر فرص متكافئة لجميع المرشحين.

* كيف تقيم إرث الرئيس حميد كرزاي؟ ما نوع الدولة الأفغانية التي تركها؟

- أرى أن لديه فرصة لدعم إرثه بالعمل كقيادي مسؤول في الفترة من الآن حتى عام 2014. بدعمه إجراء انتخابات حرة نزيهة ودعم سيادة القانون، يستطيع في الفترة المتبقية له أن يحسن صورة إرثه السابق ومستقبله المقبل. لكن إذا استمر على نهجه وظل محور اهتمامه هو نفسه أو مصالحه الشخصية أو مصالح مجموعة صغيرة من الأفراد، فإن هذا يعني للأسف أنه قد فقد أكبر فرصة توفرت لأفغانستان على مر تاريخها. سوف يذكره التاريخ على هذا النحو.

* ماذا يمكن أن يكون أهم موضوعين أو ثلاثة مواضيع في الحملات الانتخابية الرئاسية المقبلة؟

- سيادة القانون وأمن الشعب الأفغاني وبالطبع الارتقاء بمستوى معيشته. هذه هي التحديات الرئيسية اليوم، وستكون تلك هي القضايا المحورية في هذه الفترة. في أفغانستان، تعتبر القضية التي لها الأولوية القصوى هي المضي قدما نحو الاكتفاء الذاتي من حيث الأمن والشؤون الاقتصادية. نريد أن ننقذ بلدنا من المخاطر والمهالك بالعمل مع الجميع من أجل إيجاد حلول للمشكلات المتراكمة منذ سنوات. لقد عانينا من الحروب لمدة 30 عاما، ونريد أن نبني دولة جديدة تقوم على العدالة والمساواة بين جميع الناس. نريد أن نرسخ الأمن في نفوس الأفغان، ولا ينقصنا سوى الإحساس بالأمن والأمان، إننا نريد أن يعود الأمن والأمان إلى أفغانستان الجمهورية المسلمة، ولكن ليس على طراز إمارة طالبان الإسلامية بل كدولة مسلمة عصرية، يعرف مواطنوها حقوقهم الديمقراطية وما عليهم من حقوق وواجبات، يؤمنون بحقوق المواطنة والسلام مع الدول المجاورة، وفي الخندق الآخر مقاتلو طالبان مصممون على القتال وليس لديهم أي استعداد للحوار، طالبان ليست مستعدة للجلوس إلى طاولة الحوار، لأن الحركة تعتقد أن لها الغلبة العسكرية. كما أن المفاوضات تتعارض مع فكرها، فهي لا يمكن أن تدخل في مسلسل لإقرار نظام ديمقراطي، وحركة طالبان كانت بالفعل قد أعلنت رفض عرض المصالحة متشبثة بطلبها لانسحاب القوات الأجنبية أولا.

* لقد حدد حلف شمال الأطلسي (الناتو)، بالاشتراك مع الولايات المتحدة، عام 2014 كتاريخ نهائي لإنهاء الوجود العسكري الفعلي في أفغانستان. هل هذا تاريخ واقعي؟

- انسحاب معظم القوات الأميركية من أفغانستان، مع بقاء بعضها بهدف دعم الجيش الوطني والمؤسسات الوطنية، لأجل مزيد من التدريب والدعم الفني، ذلك هو المعلن حتى الآن. لكنني آمل في أن يكون لدى المرشحين في هذه المرحلة موقفهم. ما لم يتغير الموقف بصورة أو بأخرى، فربما تكون تلك هي الحال. من الأهمية بمكان تحديد الإجراءات التي يمكن اتخاذها خلال الفترة من الآن حتى عام 2014 بهدف زيادة إمكانات المؤسسات الوطنية إلى أقصى درجة ممكنة واستغلال الفرصة المتاحة بأقصى درجة ممكنة.

* البعض يظن أن نظاما رئاسيا على نمط الولايات المتحدة لا يلائم أفغانستان وأن نظاما برلمانيا على طراز ويستمنستر، يترأس فيه رئيس الوزراء السلطة التنفيذية ربما يكون أكثر ملاءمة. فما رأيك؟

- ليس ثمة أدنى شك في أن كل دولة سيكون لديها نموذج نظام ديمقراطي مختلف بحسب ظروفها الاقتصادية والاجتماعية. لا يوجد نموذج بعينه يمكنني أن أشير إليه، ولكن في الوقت نفسه، نعتقد أنه في المستقبل، عندما يسنح الوقت، سيكون النموذج هو تغيير النظام إلى نظام برلماني وتغيير القانون الانتخابي. اليوم، لا توجد أدوار للأحزاب في أفغانستان وفقا لقانوننا الانتخابي الحالي. من هذا المنطلق، لا تلعب أحزابنا أي دور في البرلمان. إن لها دورا غير مباشر، لكنه ليس مؤسسيا.

نتمنى أن يحدث تغيير في النظام الانتخابي وأن يكون هناك قدر من اللامركزية، وجانب من تفكيك السلطة، على سبيل المثال، من خلال عمد ومحافظين منتخبين، بحيث نتيح لأفراد الشعب المشاركة بدلا من أن يكونوا مجرد أشخاص يتسمون باللامبالاة ويتأثرون بالرؤى السلبية. من ثم، فإن هذه هي بعض الجوانب التي سوف تفيد أفغانستان، لكن في الوقت نفسه، يكمن التحدي اليوم في المقربين من الرئيس كرزاي، الذي دمر المؤسسات الديمقراطية. وقضى على سيادة القانون، وفي الوقت نفسه، يقول إن النظام الديمقراطي غير ذي جدوى في أفغانستان.

* بخصوص الأمن، هل ترى أن أفغانستان في وضع أمني يسمح لها بإجراء انتخابات رئاسية من دون ترتيب مع المعارضة المسلحة، وعلى وجه الخصوص حركة طالبان وشبكة حقاني؟

- إذا قرأت تصريحات الملا عمر زعيم الحركة الأصولية بمناسبة عيد الأضحى المبارك، ستجد أنه قال إنه لا يمكن إجراء مفاوضات حتى بعد انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان وقيام «الجمهورية الإسلامية». وهذا لا يعني أنه لم يحدث أي تغيير في موقف أي قيادي أفغاني، على الأقل الملا عمر، وهو قائد حركة طالبان، القائد الأعلى لحركة طالبان، ففي عام 1994 أو 1995، كان هذا هو موقفهم. في ذلك الوقت، لم تكن هناك قوات أجنبية، بل كانوا يشيرون إلى قيام «جمهورية إسلامية» وفقا لمفهومهم الخاص. في عام 2002، كان هذا هو موقفهم، والآن نحن في عام 2012، ولم يتغير موقفهم. لا أحد يحظى بالدعم الذي يتلقونه. ومن ثم، فإن هذين الشرطين لم يتغيرا، لذلك، لا أرى أنه ستحدث أي تغييرات جوهرية في موقف حركة طالبان بحلول عام 2014. بالطبع، سيحظى أي تغيير في موقفهم بالترحيب، والمصالحة تقوم على التفاهم والتفاوض بين طرفين، وطالبان لم تظهر حتى الآن أي خطوات ملموسة بهذا الاتجاه، ولا أرى إشارات دالة على هذا.

* أحاطت بإعادة انتخاب كرزاي لفترة رئاسة ثانية في عام 2009 اتهامات واسعة النطاق بالاحتيال والفساد.. لكن وبشأن درجة مصداقية عملية التصويت المقبلة. هل تعتقد أن هذا سيحدث مجددا؟

- لن تكون الانتخابات خالية من التزوير نظرا لأننا ندرك أسسنا وظروفنا، وقلت لوسائل الإعلام من قبل في 2009 إن لم يحدث تزوير فالنصر حليفي، وتمثلت إحدى المشكلات في غياب الإرادة السياسية لدى الرئيس كرزاي لدعم وتسهيل إجراء انتخابات حرة ونزيهة. ولكننا سوف نبذل كمعارضة قصارى جهدنا في سبيل تهيئة ظروف لإجراء انتخابات أفضل. لكننا على وعي بالمشكلات التي نواجهها في هذا الصدد.

* تشهد أفغانستان منافسة شرسة بين الكثير من القوى الأجنبية. مع تخطيط حلف الناتو للانسحاب، هل ترى أن القوى الإقليمية، وأبرزها روسيا والهند وباكستان.. هل سوف يكون لها تأثير أكبر؟

- يختلف هذا. فبعض الدول تقف وراء مصالحها الوطنية في المنطقة، ولكن إذا كانت هناك أي دولة من دول الجوار ترى أن ضعف أفغانستان سيصب في صالحها، فبالطبع ستسعى لبلوغ أهدافها من هذا المنطلق. غير أن غالبية الدول المحيطة بأفغانستان حددت مصالحها في أفغانستان باعتبارها تتمثل في تحقيق استقرار الدولة وقيام نظام حكم مناسب في أفغانستان - غير أنه ربما تكون هناك بعض الدول التي ترغب في أن يكون لديها نظام حاكم في العاصمة كابل من اختيارها. نأمل أن تتعلم كل دول جوار أفغانستان من دروس الماضي.

* كيف ترى مستقبل أفغانستان؟ وهل يمكنك أن تحدثنا قليلا عن مؤسستك الخيرية؟

- بالنسبة للمستقبل، فعلى الرغم من كل التحديات، ما زلت أرى أن هناك فرصا طيبة تلوح في الأفق وما زال لدينا شعب وفي ووطني. لدينا الموارد الوطنية ولدينا جيل الشباب الذي يتطلع للمستقبل لا للماضي، لدينا دولة ذات خلفية اقتصادية قوية وفي الوقت نفسه تتطلع إلى جيل جديد من أجل العمل في سبيل قيام دولة مكتفية ذاتيا تقف على أرض صلبة ولا تعتمد على الدعم الأجنبي.

من ثم، فعلى الرغم من كل التحديات المحيطة بنا، يمكنني أن أبصر فرصا وآمل أن يكون بوسع شعبنا استغلال تلك الفرص.

أما فيما يتعلق بالعمل الخيري ومؤسسة الغذاء التي أشغل منصب أمينها العام - فإنها تعتبر بمثابة منفذ لتقديم برامج تعليمية، بالأساس للمناطق الريفية في أفغانستان. هناك مكتبات مفتوحة لأفراد الشعب. ومن خلال التعليم، نعتقد أنه يمكننا أن نثقف الشعب ويمكننا أن نتعامل مع التحديات على المدى البعيد؛ كما أننا نمد يد العون للأسر كي تقف على قدميها. نحن نساعد ضحايا الحرب وأسر الشهداء.