فواجع «ساندي» تتكشف بعد هدوء العاصفة.. وغضب الأميركيين يتصاعد

استياء في نيويورك بعد قرار العمدة المضي في تنظيم الماراثون.. ومخاوف من انتشار الجريمة

ركاب ينتظرون مواعيد قطاراتهم في محطة بمدينة نيويوك، أمس، في ظل العودة البطيئة لخدمات النقل العام (أ.ف.ب)
TT

بعد خمسة أيام من هبوب العاصفة المدمرة «ساندي» على الساحل الشمالي الشرقي للولايات المتحدة، ما زال عمال الإنقاذ يكتشفون حجم الدمار وعدد القتلى في نيويورك وساحل نيوجيرسي، وتصاعد الغضب بسبب نقص البنزين وانقطاع الكهرباء وانتظار إمدادات الإغاثة.

وارتفع العدد الإجمالي للقتلى بعد «ساندي»، وهي أكبر عاصفة تضرب الولايات المتحدة، بمقدار الثلث، ليصل إلى 98 قتيلا على الأقل. وفي مدينة نيويورك، عثر على 40 قتيلا بينهم 20 في منطقة ستاتن التي هاجمها حائط من المياه يوم الاثنين.

وبدأت ترد القصص المفجعة عن آثار العاصفة. فقد قضى شقيقان في الثانية والرابعة من العمر عندما جرفتهما مياه الفيضانات من ذراعي والدتهما فيما كانت الأسرة تحاول الهرب في جزيرة ستاتن التابعة لمدينة نيويورك. وكتبت «نيويورك بوست» أن سيارة غليندا مور حوصرت في المياه، وكانت مور تحمل ولديها بحثا عن مساعدة عندما جرفتهما المياه. وعثر لاحقا على جثتي الصبيين كونور (4 سنوات) وبراندون (سنتان).

وقضى الكثير من الضحايا صعقا بالتيار الكهربائي أو غرقا في الأدوار السفلى التي غمرتها المياه، فيما لقي آخرون حتفهما مسمومين بدخان المولدات التي بدأ تشغيلها منذ اجتياح العاصفة.

وفي أحياء بنيويورك انقطعت عنها الكهرباء، اشتكى سكان من ضعف وجود الشرطة، وعبروا عن خشيتهم من وقوع جرائم. وقال آخرون إنهم خائفون بشأن السلامة المرورية. وقالت شرطة نيويورك إنه تم توقيف 28 شخصا قاموا بأعمال نهب في منطقتي كوني آيلاند وروكاوي بيتش.

وكان مفترضا أن تزور وزيرة الأمن الداخلي الأميركي جانيت نابوليتانو، ونائب مدير الوكالة الاتحادية لإدارة الطوارئ ريتشارد سيرينو، منطقة ستاتن آيلاند أمس وسط استياء بين الناجين الذي قالوا إنه تم تجاهل منطقتهم.

وقد تعقد مشاهد ضحايا العاصفة الغاضبين الأمور بالنسبة لسياسيين، بدءا من الرئيس باراك أوباما قبل أيام من الانتخابات الرئاسية إلى حكام الولايات ورؤساء البلديات في المنطقة، وهي أكثر المناطق كثافة سكانية في الولايات المتحدة. وقالت تيريزا كونور (42 عاما)، التي تسكن حيا في ستاتن آيلاند «لقد نسونا، و(رئيس البلدية مايكل) بلومبيرغ قال إن نيويورك بخير، والماراثون سيقام»، مضيفة أن الحي الذي تقيم قد «أبيد». وكان عمدة نيويورك بلومبيرغ قد قرر إقامة أكبر ماراثون في العالم يوم غد الأحد كما كان مقررا، وقال إن الحدث ينعش اقتصاد المدينة.

ويواجه السائقون في نيويورك ونيوجيرسي وكونيتيكت نقصا في البنزين. وامتدت صفوف طويلة من السيارات حتى قبل فجر أمس أمام محطات البنزين في المنطقة، وانتشرت الشرطة في عدة مناطق للحفاظ على النظام بين السائقين الغاضبين. وفي إحدى الحوادث، اتهم رجل في منطقة كوينز بنيويورك بتهديد سائق آخر بمسدس، بعدما حاول استباق دوره في صف للسيارات التي تنتظر في محطة للوقود.

وزادت توقعات خبراء الأرصاد بانخفاض درجات الحرارة التوتر، لأن الكثيرين في نيوجيرسي وغيرها يستخدمون مولدات كهرباء تعمل بالوقود في الإنارة والتدفئة انتظارا لإصلاح خطوط الكهرباء التي تعطلت. وفي محطة بنزين في فيرفيلد بولاية نيوجيرسي، انتظر البعض لأكثر من ثلاث ساعات لملء سياراتهم بالبنزين في وقت متأخر من مساء الخميس.

وعلى الرغم من توقع عودة الكهرباء إلى مانهاتن كلها بحلول اليوم السبت فإن إعادتها إلى ضواح وبلدات أبعد على طول الساحل قد تستغرق أسبوعا آخر أو أكثر. وما زال نحو 4.5 مليون منزل ومحل عمل في 15 ولاية أميركية من دون كهرباء. وقالت شركة الكهرباء «كون اديسون» إنه سيكون على البعض من سكان نيويورك الانتظار حتى 11 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي لعودة الكهرباء، فيما لا يزال رجال الحرس الوطني يقومون بإنقاذ الأشخاص المحاصرين في المنازل المغمورة بالمياه في هوبوكين المجاورة في نيوجيرسي.

ويتصاعد الغضب في نيويورك بسبب قرار بلومبيرغ المضي قدما في إقامة الماراثون غدا الأحد. وتعهد رئيس البلدية بألا يسحب الماراثون الذي يشارك فيه 40 ألف متسابق أي موارد من ضحايا العاصفة. ويعيش في منطقة ستاتن آيلاند التي يفصلها ميناء نيويورك عن مانهاتن السفلى نحو 500 ألف شخص معظمهم عمال عاشت عائلاتهم في المنطقة منذ أجيال.

وفي تلك الأثناء، كانت أولى رحلات المترو تجلب الفرح لمدينة نيويورك. وبدأت الخدمة بشكل محدود جدا الخميس، وسرعان ما غصت القطارات بالركاب. وقال الراكب ديف ستيتمان «الأمر غير مريح، لكن جيد أن نستأنف النشاط». وفي محاولة لتجنب أزمات المرور، قال عمدة نيويورك بلومبيرغ إن السيارات التي تدخل مانهاتن يجب أن تقل ثلاثة أشخاص على الأقل. وطلب العمل بهذه التعليمات حتى نهاية يوم أمس. وأقامت الشرطة الحواجز على الجسور، ومنعت مرور السيارات المخالفة للتعليمات.

وفي نيوجيرسي حيث قتل 13 شخصا على الأقل، غمرت مياه المحيط أحياء بأكملها. ونيوجيرسي التي تفقدها الرئيس باراك أوباما الأربعاء الماضي منيت بأسوأ الأضرار، إذ غرقت كل المنازل على طول الساحل. وقالت كريستين هارمن (43 عاما)، وهي محامية، إن سكان هوبوكين بولاية نيوجيرسي يحاولون الحفاظ على التفاؤل رغم توقف التدفئة والكهرباء وفي بعض الشقق الماء. وقالت لوكالة الصحافة الفرنسية «نحرص على تماسكنا. في المبنى الذي نسكن فيه أقمنا حفلة الليلة (قبل) الماضية.. حضرنا المشاوي على السطح وطهونا اللحم قبل أن يفسد».

ومن المتوقع أن تكون الخسائر المالية للعاصفة ضخمة. وقالت شركة «اكيكيات» لتقدير خسائر الكوارث إن الإعصار ساندي ألحق خسائر تخضع لتغطية تأمينية تصل قيمتها إلى 20 مليار دولار وخسائر اقتصادية بقيمة 50 مليار دولار.

وأفاد معهد معلومات التأمين بأن العاصفة «ساندي» قد تأتي في المرتبة الرابعة بين أكثر الكوارث تكلفة في الولايات المتحدة بعد إعصار كاترينا عام 2005، وهجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001، وإعصار «أندرو» عام 1992.

من جانبهم، أعلن مسؤولون في الأمم المتحدة، أول من أمس الخميس، أن العاصفة «ساندي» ألحقت أضرارا جسيمة بمقر المنظمة الدولية في نيويورك. وتسببت العاصفة في اندلاع حريق، وتدفق مياه غمرت الطابق السفلي للمبنى الذي أعيد العمل به الخميس بعد إغلاق استمر ثلاثة أيام. وصرح يوكيو تاكاسو، الأمين العام المساعد للأمم المتحدة والمكلف بشؤون الإدارة، متوجها إلى الجمعية العامة «أحدث هذا الظرف المناخي العنيف أضرارا لا سابق لها يومي الاثنين والثلاثاء بمقر الأمم المتحدة». وأدت الرياح العنيفة المصاحبة للإعصار إلى اقتلاع غطاء بلاستيكي كان يحمي قبة مبنى الجمعية العامة، حيث بات من الضروري إصلاح فجوات تتسرب منها المياه. وكانت الأمم المتحدة بدأت منذ أشهر أعمال ترميم للمقر يتوقع أن تبلغ كلفتها ملياري دولار.