الطفل الذي اختار البطريرك الراحل لـ «الشرق الأوسط»: كانت مصادفة

المهندس أيمن منير: البابا شنودة الثالث تعامل معي كابن له

صورة للطفل أيمن منير مع البابا شنودة سنة 1971 («الشرق الأوسط»)
TT

في ساعة مبكرة من يوم 31 أكتوبر (تشرين الثاني) 1971، ذهب الطفل أيمن منير كامل بصحبة أسرته إلى مقر الكنيسة الأرثوذكسية بشارع كلوت بك بمنطقة الأزبكية بوسط القاهرة لحضور مراسم القرعة الهيكلية لاختيار البابا رقم 117 في تاريخ الكنيسة الأرثوذكسية، فإذا بالقدر يختاره ليكون الطفل الذي يسحب ورقة القرعة ويعلن للعالم اسم البطريرك الجديد.

وسيصطحب الأنبا باخوميوس، أسقف البحيرة قائمقام البطريرك، اليوم، طفلا معصوب العينين لسحب ورقة القرعة التي تحمل اسم البابا رقم 118 في تاريخ الكنيسة خلفا للبابا الراحل شنودة الثالث الذي توفي في شهر مارس (آذار) الماضي.

وعن يوم اختيار البابا الراحل شنودة، منذ 41 سنة، يتذكر الطفل في ذلك الوقت، أيمن منير، الذي أصبح الآن مهندسا يبلغ من العمر 47 عاما، في حديث مع «الشرق الأوسط» أمس: «تنتمي والدتي لأسرة مسيحية أرثوذكسية متدينة وجدي لوالدتي كان كاهن كنيسة العذراء والقديس يوسف في منطقة سموحة بالإسكندرية (220 كيلومترا شمال غربي القاهرة).. جدي هو من أخبر والدتي بأن لديه إحساسا بأني أنا الذي سأسحب القرعة الهيكلية، وأن البابا الذي سيخلف البابا الراحل كيرلس السادس هو الأنبا شنودة أسقف التعليم في ذلك الوقت». ويضيف منير: «حاولت أسرتي الحصول على دعوة لحضور قداس القرعة الهيكلية، فوجدت أن جميع الدعوات نفدت قبل موعد القرعة بخمسة أيام وفشلنا في الحصول على دعوة، ولكن والدي استطاع أن يحصل على دعوة خاصة بأحد كبار رجال الدولة، وبالفعل في الساعة السادسة والنصف من صباح يوم 31 أكتوبر (تشرين الأول) 1971، كنت وأسرتي أمام باب الكنيسة المرقسية بشارع كلوت بك حيث ستجرى القرعة، إلا أننا وجدنا أن الباب مغلق نظرا لامتلاء الكنيسة بالجمهور ولم يعد هناك موضع لقدم داخلها».

وقال عندها والدي: «ليس لنا نصيب في حضور قداس القرعة الهيكلية، لقد حاولنا الحصول على دعوة ففشلنا، وعندما حصلنا عليها لم ننجح في الدخول، إذن فلنتابع اختيار الله للبابا الجديد من أمام الكنيسة».

ويضيف أنه في السابعة فوجئ وأسرته بأبواب تفتح ويخرج منها عدد من الشمامسة (خدام الكنيسة) يطلبون عددا من الأطفال، «لأن الأنبا أنطونيوس، قائمقام البطريرك في ذلك الوقت، أعلن أن جميع الأطفال الموجودين داخل الكنيسة لا ينطبق عليهم شرط السن، فدخلت أنا ومعي 9 أطفال».

ويوضح المهندس أيمن أنه تم وضع الأطفال العشرة خلف ساتر أبيض يغطي جسدهم بالكامل خلال القداس، وكان مقررا أن يضع الأنبا أنطونيوس يده على طفل واحد من العشرة خلال القداس ويأخذه لسحب القرعة. وقال: «خلال القداس، فوجئت بالأنبا أنطونيوس يضع يده على رأسي وسحبني بحرص من أسفل الساتر الذي يغطي أجساد الأطفال العشرة، وكان حريصا على ألا يختلط اختياره بأي طفل آخر».

وأضاف: «عقب إخراجي من تحت الساتر، تم تعصيب عينيّ، واصطحبني الأنبا أنطونيوس إلى الإناء الزجاجي الذي وضعت بداخله ثلاثة أوراق تحمل أسماء الأنبا شنودة أسقف التعليم (البابا شنودة الثالث في ما بعد)، والأنبا صاموئيل أسقف الخدمات (الذي لقي مصرعه في حادث اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات عام 1981)، والأنبا ثيموئيوس الذي كان يخدم بالكويت وقتها، وفتح الإناء ودعاني لسحب ورقة واحدة كانت هي التي تحمل اسم الأنبا شنودة».

ويوضح أن البابا شنودة الثالث كان معتكفا في دير السريان في ذلك الوقت، وقال: «اصطحبني والدي وعدد من رجال الدين وجموع غفيرة من المسيحيين إلى دير السريان لإبلاغ الأنبا شنودة أنه أصبح البابا الجديد، وكان أول لقاء لي معه، وأذكر أني قلت له (كدت أختنق وأنا أسحب الورقة التي تحمل اسمك بسبب العصابة التي وضعت على وجهي)».

وعن شهرته باسم «أيمن شنودة الثالث» يقول المهندس أيمن منير: «من أطلق علي هذا اللقب هو البابا شنودة نفسه، فبعد حفل تجليسه ذهبت إليه لتهنئته، وفي هذا اللقاء أطلق علي هذا اللقب بنفسه».

ويقول أيمن: «كان لدي سهولة تامة في مقابلة البابا الراحل شنودة الثالث في أي وقت، وأذكر أني في مرة ذهبت لمقابلته وجلست أنتظر من التاسعة صباحا وحتى الثانية ظهرا، لأنه كان لديه اجتماع مع عدد من الوزراء داخل مكتبه، ومللت من الانتظار لأنه كانت هناك مباراة مهمة بين قطبي الكرة المصرية الأهلي والزمالك، وكنت حريصا على مشاهدتها بصفتي مشجعا للنادي الأهلي، فغافلت السكرتارية واقتحمت المكتب على البابا شنودة خلال الاجتماع وقلت له (أنا زعلان منك يا بابا علشان أنا منتظر منذ فترة)».

ويضيف: «سبب الموقف إحراجا لكل الأطراف، إلا أن البابا شنودة استوعب الأمر وقال لهم: (معلش أصله دا ابني)، فدهش الحاضرون لأن الرهبان لا يتزوجون، فقال لهم: (أنا أب لكل الأقباط، ولكن هذا ابني الأول لأنه من اختار ورقة القرعة التي تحمل اسمي)». وكشف المهندس أيمن منير عن أن آخر لقاء جمعه بالبابا شنودة الثالث كان قبل أيام قليلة من وفاته، وقال: «كانت صحته تتدهور، بشكل كبير، في الأيام الـ15 في حياته، وكنت حريصا على الاطمئنان عليه فقط، ولم نتحدث طويلا نظرا لحالته الصحية».