العقوبات ضد إيران تحدث تأثيرا غير متوقع على الواردات الطبية

مسؤولون إيرانيون: نحو 6 ملايين مريض منهم مصابون بالسرطان تأثروا بنقص الأدوية

TT

جلس المهندس علي (26 عاما) على واحد من المقاعد الكثيرة المزدحمة داخل قاعة انتظار صيدلية «الصليب الأحمر الدولي» في وسط طهران وهو يستعمل هاتفه. وبعد نحو 6 أسابيع من البحث عن لصوقات «هيرسيبتين»، وهو دواء أميركي الصنع لعلاج مرض السرطان، بدأ الرجل يشعر بالضجر من إثقاله على أصدقائه وأقاربه في المدن الإيرانية الأخرى، الذين بذلوا كل ما في وسعهم من أجل العثور على ذلك الدواء الذي يزداد ندرة في الأسواق. وفي المنزل، كانت والدته في انتظاره وقد تساقط شعر رأسها وأصابها الوهن بعد تلقيها العلاج الكيميائي بسبب إصابتها بسرطان الثدي، إلا أن لصوقات «هيرسيبتين» كانت قد اختفت من صيدليات ومستشفيات العاصمة.

وتساءل علي، متحدثا عن مدينة تقع على بعد ساعتين بالسيارة شرق طهران: «إذن فأنت تخبرني بأن هناك صيدلية في مدينة قزوين ما زال بها 20 لصوقا؟ أرجوك اشتر كل ما يمكن أن تصل يداك إليه». ولكن بعد 5 دقائق أتاه نبأ سيئ: «نفدت؟ حسنا، شكرا لك على تعبك. إذا عثرت على بعضها، أرجوك اتصل بي في أسرع وقت».

وتزداد صعوبة العثور على لصوقات «هيرسيبتين»، مثل كثير من الأدوية الأخرى المصنعة في الغرب، في إيران نتيجة العقوبات التي تقودها أميركا بهدف إجبار إيران على إيقاف تخصيب اليورانيوم، وهو عنصر حاسم في ما تقول الولايات المتحدة إنه برنامج لتصنيع أسلحة نووية. ويقول الأطباء والمرضى والمسؤولون الإيرانيون إن الحظر المفروض على المعاملات المالية على وجه الخصوص كان فعالا للغاية إلى درجة أنه لم يعد يتم تصدير حتى الأدوية وغيرها من الإمدادات الحيوية التي يتم إعفاؤها من العقوبات لأسباب إنسانية إلى الجمهورية الإسلامية.

وقد أدت هذه الإجراءات التجارية إلى حدوث حالات عجز واسعة النطاق في البضائع المستوردة وتراجع هائل في قيمة العملة الوطنية الريال. وفي يوم الجمعة الماضي، الذي احتفل فيه الإيرانيون بالعيد السنوي لقهر الغطرسة العالمية، أو بمعنى أصح الولايات المتحدة، تبادل الطلاب الذين احتشدوا في طهران وهم يحملون صورة للرئيس أوباما، منشورات تستنكر العقوبات. ويقدر المسؤولون هنا أن نحو 6 ملايين مريض، كثيرون منهم مصابون بالسرطان، ربما يكونون قد تأثروا بحالات العجز هذه. وبالنسبة للمرضى الإيرانيين، فإن هذا يعدل أن يكون حياة على ما يبدو أنه خطوط الجبهة في معركة تدور بين حكومتين، فكل يوم يصطف المرضى وذووهم أمام الصيدليات الكبرى في طهران، حيث يقال بصورة متزايدة لمن يعانون من السرطان وسيولة الدم والثلاسيميا وأمراض الكلى وغيرها من الأمراض، إن الأدوية التي يحتاجون إليها وتأتي من الخارج لم تعد متوافرة.

وقد بدأ كابوس علي وأسرته منذ 8 أشهر حينما شعرت والدته، وهي ربة منزل في السادسة والخمسين من عمرها، بنتوء صغير مؤلم في ثديها الأيمن، وبعد سلسلة من الفحوص أخبرها طبيبها بأنها مصابة بنوع خطير من سرطان الثدي. ومع تعود أفراد الأسرة على فترات الانتظار الطويلة في ممرات المستشفيات والمحادثات العسيرة التي تتم مع أطباء يتحدثون بصوت ناعم وهادئ، أقسموا في ما بينهم على أن يقهروا هذا المرض، إلا أنهم لم يكونوا أبدا يتوقعون أن يضطروا إلى الذهاب في رحلة طويلة للبحث عن الدواء.

وقال علي، الذي لا يريد ذكر اسم عائلته لأنه يقول إنه تعرض للعقاب بسبب أنشطته السياسية وهو في الجامعة، إن محاولة التغلب على إصابة والدته بالسرطان كانت صعبة، حيث يقول إنها تحتاج إلى 14 لصوقا أخرى من لصوقات «هيرسيبتين». وأضاف أنه بدلا من أن يأمل في أن يؤدي علاجها إلى شفائها من سرطان الثدي، فقد استبد به القلق بشأن الحصول على الدواء الذي تحتاج إليه. وأوضح علي: «والدتي ونحن والمرضى الآخرون، كلنا عالقون وسط هذه المعركة السياسية. ليس لدينا أي تأثير على السياسات النووية».

وفي نظام الرعاية الصحية الإيراني، تقوم الحكومة وأصحاب الأعمال من القطاع الخاص بالتأمين على معظم السكان، حيث يتحملون ما يصل إلى 90 في المائة من ثمن الأدوية والعلاجات الطبية، وتعتبر المعايير القياسية الطبية هناك أعلى مقارنة بمعظم البلدان المجاورة، وكثير ممن يصابون بأمراض خاصة يحصلون على العلاج. وفي الصيدلية الواقعة في 13 شارع أبان، قالت كوكان تشكري (72 عاما)، وهي ممرضة سابقة، إنها غادرت منزلها الساعة 6:30 صباحا حتى تكون الأولى في الصف كي تحصل على عقار «باكليتاكسيل» لعلاج سرطان المثانة الذي تعاني منه، وقد سبق أن جاءت تشكري إلى الصيدلية نفسها لمدة 3 أيام على التوالي، ولكن في كل مرة كان الصيادلة يخبرونها بأن شيئا لم يصل.

وأثناء الانتظار، تحدثت تشكري مع السيدة الجالسة إلى جوارها وتدعى سورود قازي (53 عاما) من مدينة آراك غرب إيران ولديها قريبة تتلقى علاجا كيميائيا في العاصمة، وقالت لها: «لا تفقدي تماسكك يا أختاه»، فردت قازي: «لكنني بدأت أفقد كل أمل»، موضحة أن قريبتها المريضة أصيبت باكتئاب عندما سمعت بأن الأدوية غير متوافرة. وختمت تشكري الحوار بقولها: «اللهم احفظنا». ويأتي تفويضهما الأمر إلى الله في ظل إلقائهما اللوم في الموقف الذي يمران به على قادة بلادهما وكذلك على الولايات المتحدة، حيث قالت تشكري عن العقوبات: «هذا خطأ تماما. إنه ذنب كلتا الحكومتين، فعليهما أن يحلا مشكلاتهما».

إلا أن أوباما يقول إن الشعب الإيراني ينبغي أن يحاسب قادته ويحملهم مسؤولية الوضع، في حين يدعو المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، شعبه مرارا إلى الثبات والصمود، مؤكدا أن مقاومتهم للغرب ستكلل حتما بالنصر. ورغم استثناء العقاقير والمعدات الطبية والأغذية من العقوبات أحادية الجانب التي تفرضها كل من الولايات المتحدة والأمم المتحدة، فإن الشركات المهتمة ببيع هذه البضائع تطلب من إيران ترخيصا من مكتب مراقبة الأصول الأجنبية في وزارة الخزانة الأميركية. وسهل المكتب الشهر الماضي الإجراءات البيروقراطية التي تواجه الشركات المصدرة للأغذية والعقاقير الأميركية عند طلب الحصول على هذه الإعفاءات من خلال منحهم ما يسمى «تصريح ساري المفعول» الذي يعني أنه من غير الضروري حصول البضائع المعفاة من الحظر على الإعفاءات بحسب كل حالة. مع ذلك، لم تظهر آثار هذه الخطوة بعد، حيث لا يزال المصدرون يواجهون مشكلات في الحصول على الأموال مقابل صادراتهم، لرفض أي مصرف أميركي أو أوروبي الانخراط في أي معاملات مالية مع إيران أيا كان نوع المنتج. وتفرض وزارة الخزانة غرامة كبيرة على المصارف الغربية التي تتعامل مع إيران. وصرح مصرفا «إتش إس بي سي» و«ستاندارد تشارترد» البريطانيان العملاقان في سبتمبر (أيلول) الماضي بأنهما يجريان محادثات مع السلطات الأميركية سعيا للوصول إلى تسوية على خلفية اتهامات وجهت لهما بالتعامل مع إيران. وأخبر مصرف «إتش إس بي سي» حاملي الأسهم بأنه يعد مبلغ 700 مليون دولار تحسبا من احتمال دفع غرامة. وقال أحد الدبلوماسيين الغربيين في طهران رفض ذكر اسمه بسبب حساسية الأمر: «إما أن المصرفين خائفان، أو لا يريدان أن يتكبدا عناء المحاولة والتعامل مع إيران».

وقالت فاطمة هاشمي، رئيسة مؤسسة الأمراض الخاصة الخيرية في شمال طهران، ابنة الرئيس الأسبق علي أكبر هاشمي رفسنجاني إن مؤسستها قضت الجزء الأكبر من العام الماضي في تجميع مخزون لتشغيل أجهزة الغسل الكلوي فضلا عن عقاقير خاصة لعلاج السرطان. وقالت: «أتمنى لو أن الدولة قد فعلت مثلما فعلت».

إضافة إلى النقص في العقاقير، تتعطل الأجهزة والمعدات الطبية في المستشفيات بسبب عدم توافر قطع الغيار ونفاد المواد الخام التي تستوردها شركات الأدوية المحلية.

وتشير مصادر مطلعة في هذا المجال إلى مشكلة أخطر وهي الفساد. لم تكن نتيجة سبع سنوات من الاعتماد على الاستيراد هو اعتماد البلاد على الموردين الأجانب فحسب؛ بل أيضا تكون طبقة من المسؤولين الفاسدين الذين يحصلون على رشى من صفقات الاستيراد. وقال أحد المنتجين الإيرانيين لعقار أساسي في علاج السرطان الذي رفض ذكر اسمه خوفا من إلغاء ترخيصه، إنه كان على استعداد للإنتاج بعد ثلاث سنوات من الاستثمار وفحوص الجودة. وأوضح قائلا: «تبين أن ابن عم مسؤول الصحة المنوط به الموافقة على منتجنا يستورد كميات كبيرة من هذا المنتج من أوروبا قبل فرض العقوبات على إيران. إن أنانية بعض هؤلاء الناس تحير العقل، فحتى مع نفاد المخزون، سيظلون يرفضون منحنا ترخيصا للإنتاج داخل إيران».

* خدمة «نيويورك تايمز»