حرب اللافتات بين ميقاتي و«تيار المستقبل» تبلغ ذروتها

من هم «الأوادم»؟ ومن هم «الزعران»؟

TT

أشعلها رئيس الوزراء نجيب ميقاتي حين احتلت بعض واجهات مدينة طرابلس المخصصة للإعلانات، صورة كبيرة له وهو يبتسم، على خلفية باللون الأسود تضيئها قلعة طرابلس، فيما كتبت عبارة واحدة موجزة: «الأوادم معك». كلمتان مختصرتان، اقترنتا بصورة نجيب ميقاتي، أشعلتا غضب «تيار المستقبل» الذي رد بعض مناصريه وهم ساخطون على الشاشات التلفزيونية بالقول: «هل يقصد أننا نحن الزعران؟». وللتو علقت لافتات للرد أمام مخيم الاعتصام الذي يقام بمبادرة من معين المرعبي، أحد نواب تيار المستقبل أمام منزل الرئيس ميقاتي كتب عليها: «الأوادم بيساعدوا النازحين واللاجئين» في إشارة إلى ضرورة مساعدة النازحين السوريين، وأخرى كتب عليها: «الأوادم لا يقفون إلى جانب القاتل»، في اتهام لميقاتي بوقوفه إلى جانب قتلة وسام الحسن، كما أضاف أحدهم إلى الإعلان نفسه وتحت كلمتي «الأوادم معك» عبارة تقول: «بس إنت مع المجرمين». فيما رد فادي كرم، أحد نواب «القوات اللبنانية» على العبارة بالقول: «اللبنانيون جميعهم أوادم. والآدمي هو الذي يتخذ القرار الوطني الصائب عند اللزوم».

وإن كان الرئيس ميقاتي لم يدشن حرب اللافتات أو يخترعها، فهو قليلا ما كان يدخلها أو يزج بنفسه في أتونها، رغم أنها قديمة العهد. لكن يبدو هذه المرة أن الحرب السياسية بلغت حدا استفزازيا كبيرا، لا سيما بعد محاولة اقتحام السراي الحكومي من قبل مناصري فريق «14 آذار» يوم تشييع اللواء وسام الحسن في 21 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، إضافة إلى توجيه تهم مباشرة إلى الرئيس ميقاتي تارة بتغطية الاغتيال؛ وتارة أخرى بتحميله مسؤولية مقتل الحسن.

ويبدو أن الرئيس ميقاتي حينما وصلت اللافتات إلى تحت شرفة منزله قرر أن يجيب مناوئه بقوة، وبالمختصر المفيد.

وإذ احتلت أحد مداخل طرابلس لافتات من الواضح أنها لأنصار تيار المستقبل وقعت باسم «ابن البلد» وهو شخص بات معروفا بالنسبة للطرابلسيين، فإن مدخلا ثانيا لطرابلس يبدو أن أنصار ميقاتي كانوا السباقين إليه، وتوزعت حوله لافتات تذكر بأنه تم مؤخرا تعيين «ثلاثة سفراء طرابلسيين في عواصم كبرى» بفضل دولة الرئيس، ولافتة أخرى تقول: «موقفك يا دولة الرئيس خط أحمر»، وغيرها تشيد بمواقفه الوطنية.

والطريف في أمر اللافتات التي باتت تختلط بالإعلانات التجارية، ويتم التزاحم بين الفريقين على الأماكن الأكثر حساسية لاحتلالها والتمترس فيها، أنها موقعة بأسماء مبهمة وأحيانا تستحق التوقف عندها.. فإن كانت لافتات أنصار المستقبل موقعة باسم «ابن البلد» و«بنت البلد» وبات هناك أيضا «أصدقاء ابن البلد»، فإن اللافتات التي تناصر ميقاتي موقعه باسم «هيئات المجتمع المدني» و«أبناء طرابلس» وهناك أيضا ما هو موقع باسم «أهل السنة».

وكلما اقترب العابرون من منزل رئيس الوزراء نجيب ميقاتي الذي بات محاطا بالأسلاك الشائكة، تفاديا لحدث يشابه في حجمه ما حدث للسراي الحكومي من محاولة اقتحام، فإن حرب اللافتات تعلو نبراتها. وعلى مستديرة قريبة من المنزل بمقدورنا أن نقرأ «لأنك وطني، متسامح، متواضع، نحن معك يا دولة الرئيس». وقربها تلك الموقعة من «أهل السنة» تقول إحداها: «لن نسمح باستقالة الحكومة في الشارع.. تحية لك يا مفتي الجمهورية الشيخ رشيد قباني»، في لفتة إلى موقفه الرافض لإسقاط الحكومة في الشارع. ولافتة أخرى تلفت إلى أن «مجد طرابلس الرئيس نجيب ميقاتي وحضنها اللواء أشرف ريفي» وريفي هو رئيس قوى الأمن الداخلي.. هذا الرجل الذي تتنازع موقعه السياسي اللافتات وتحاول كل منها أن تجعل منه رجلها.. فاللافتات المناصرة لميقاتي تذكر بأنه شريك رئيس الوزراء كما هي حال تلك الموقعة من «أهل السنة». لكن «ابن البلد» المناصر للحريري يعلق صورة للواء أشرف ريفي ووراءه ساعة التل العثمانية الأثرية. وهي معلم طرابلسي بامتياز، تماما كما هي حال القلعة التي استخدمت خلفية لصورة ميقاتي، ليقول: «شعبنا يريد السلام وعين اللواء لا تنام». وبالتالي فإن النزاع ليس فقط على العبارات المستخدمة، والمساحات المنتزعة من حيطان المدينة وفضائها، ولكن أيضا على بعض الأشخاص مثل وسام الحسن وأشرف ريفي، وعلى معالم المدينة التي يتم تبنيها من قبل السياسيين وأنصارهم للتلاعب بقلوب جمهور يقترب من انتخابات نيابية، دون البوح بذلك. وبالتالي، فإن كل الوسائل تصبح مستباحة للتقرب من أمزجة الناس وأهوائهم.

وإن كانت صور اللواء الراحل وسام الحسن، رئيس فرع المعلومات الذي تم اغتياله مؤخرا هي الطاغية اليوم، فإن الملاحظ هو الغياب شبه الكامل لصور الرئيس سعد الحريري، والحضور القوي في المقابل لصور اللواء أشرف ريفي.

وبما أن الظاهرة تتوسع وتحتد، فإن صفحة على «فيس بوك» تحت اسم «لافتات طرابلسية» باتت مخصصة لهذه العبارات تغني القارئ الإنترنتي عن التجول في الشارع واكتشاف آخر المستجدات، خاصة أن بعض العبارات باتت تلجأ للتخويف والتهديد، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، تلك التي تقترن بصورة للراحل وسام الحسن وهي تقول: «وجودك أخافهم.. اغتيالك سيرعبهم». وهناك لافتات ذات لهجة قتالية لا تزال محدودة لكنها لافتة.. فقد وضع أحدهم صورة للواء الحسن وأخرى للواء ريفي وبينهما علقت لافتة تقول: «والله سوف تندمون وتفاجأون بـ(جيش النبي) ولن نخاف من أسلحتكم» في إشارة إلى سلاح حزب الله.