اشتباكات بطرابلس وتفجير سيارة مفخخة في بنغازي.. واستنفار قبلي في مناطق أخرى

ليبيا: قيادات قبلية تحذر من تنامي قوة الميليشيات وانتشار السلاح وغياب سلطة الدولة

قوات أمن ليبية تطلق النار بهدف تفريق جماعات مسلحة في شارع الزاوية بالعاصمة طرابلس أمس (أ.ف.ب)
TT

اندلعت اشتباكات بين ميليشيات ليبية متناحرة قرب مقر مجلس الأمن الأعلى في العاصمة طرابلس، بينما تم تفجير سيارة مفخخة خارج مركز للشرطة في مدينة بنغازي شرق ليبيا، وأسفر الحادثان عن وقوع ثمانية مصابين على الأقل، وذلك في أحدث سلسلة من أعمال العنف التي أعقبت الإطاحة بحكم العقيد الليبي الراحل معمر القذافي قبل أكثر من عام.

ويأتي ذلك بالتزامن مع استمرار حالة من الاستنفار بين عدد من القبائل والميليشيات في عدة مناطق مختلفة من البلاد، مما يمثل تحديا كبيرا لحكومة الدكتور علي زيدان المنتخبة حديثا. وقال مسؤولون في لجنة المصالحة الوطنية إن «الجهود التي تقوم بها اللجنة ما زالت مستمرة لتثبيت وقف إطلاق النار وإنهاء الخصومات والنزاعات بين قبائل ومناطق ومدن في كل من الزنتان والمشاشية وبني وليد ومصراتة وبراك الشاطئ ومسلاتة والعمامرة».

وفي أحداث الليلة قبل الماضية، قالت مصادر طبية وأمنية إن «نحو 5 أشخاص أصيبوا في مواجهات طرابلس، وإن 3 رجال شرطة أصيبوا في تفجير بنغازي». وأضاف شهود عيان أن «مواجهات طرابلس اندلعت بعد منتصف الليلة قبل الماضية بسبب جدال وقع بين مجموعتين مسلحتين تعملان بتفويض من مجلس الأمن الليبي الأعلى بشأن عضو محتجز من إحدى المجموعتين»، بينما قالت مصادر أمنية وقبلية إن حادث بنغازي نتج عن انفجار سيارة مفخخة خارج مركز للشرطة في المدينة، مما أدى إلى إصابة ثلاثة من رجال الشرطة، كما أحدث الانفجار أضرارا مادية بالمبنى.

وتمثل الحادثتان اللتان وقعتا الليلة قبل الماضية في طرابلس وبنغازي مجرد حلقة في سلسلة من أحداث العنف التي أسقطت قتلى وجرحى وتسببت في نزوح الآلاف طيلة الأسابيع الأخيرة. وقال حسين محمد عبيد الحبوني، عمدة قبيلة الحبون وعضو لجنة المصالحة الليبية، لـ«الشرق الأوسط»: «لا توجد سلطة ولا دولة». وشارك الحبوني في تثبيت هدنة بين قبيلتي الزنتان والمشاشية (170 كم جنوب غربي طرابلس)، بعد سقوط عشرات القتلى من الطرفين منذ صيف هذا العام. وأضاف موضحا أن الضغائن بين القبيلتين طفت على السطح بعد سقوط نظام القذافي. وتزعم الزنتان أن المشاشية تخبئ عناصر من النظام السابق؛ لكن عمدة الحبون قال «نحن لم نجد أيا من المطلوبين من النظام السابق هناك».

وتابع العمدة الحبوني، قائلا إن «حل القضايا بين القبائل التي تملك الأسلحة أمر صعب»، مشيرا إلى أن «الحل صعب جدا، والدولة في الوقت الراهن ليس في يدها شيء». وأضاف «الزنتان يقولون إن هناك قتلة مطلوبين للنائب العام، ويقولون إن على المشاشية أن يسلموهم. والمشاشية يقولون إن الدولة إذا كانت تريدهم فعليها أن تأتي لتسلمهم بنفسها، بينما الدولة ما زالت تحت التأسيس». وأشار الحبوني إلى أن «عدد القتلى من المشاشية منذ يونيو (حزيران) الماضي حتى الآن بلغ 89 شخصا، أما بالنسبة للزنتان فالعدد غير معروف».

وتحتفظ مئات الميليشيات وعشرات القبائل بأسلحة خفيفة ومتوسطة وثقيلة. واستُخدمت في الاشتباك الذي وقع بين المجموعتين المسلحتين في العاصمة الليلة قبل الماضية قذائف صاروخية تم إطلاقها على مقر مجلس الأمن الليبي الأعلى بطرابلس، مما ألحق أضرارا بالمبنى عبر شارع الزاوية، وردت المجموعة الأخرى التي تمركزت في مكتب للبريد بإطلاق قذيفة صاروخية. وفي بنغازي وقع الانفجار قبيل فجر يوم أمس (الأحد) أمام مركز الشرطة في حي الحدائق، ضمن سلسلة من التفجيرات والاغتيالات لعناصر متهمة بانتمائها إلى النظام السابق.

ويقول المراقبون إن الهجمات التي تقع بين الحين والآخر في عدة مناطق ليبية تعكس ضعف سلطة الحكام الجدد على الميليشيات المسلحة التي تتنافس على السلطة، وتتفوق على الجيش والشرطة في العدد والسلاح. ويقدر عدد المجموعات المسلحة بنحو ألفي مجموعة تنتشر بطول البلاد، ومن بينها من انخرطوا في وزارة الدفاع أو وزارة الداخلية، معظمهم بشكل اسمي ونظري لا عملي، ومنهم من بقي خارج سيطرة الدولة.

ويدور الصراع والعمل المسلح لأسباب، منها الانتقام من عناصر كانت تعمل مع نظام القذافي، ومحاولات بعض القبائل والعائلات الكبيرة استرداد ممتلكات كبيرة أممها النظام السابق ومنحها لآخرين. وقال عبد الناصر إبراهيم صالح العبيدي، وهو من مجلس حكماء القبة وعضو في لجنة المصالحة بالاتحاد العام بليبيا، إن «كثيرين يستعجلون نقض قوانين تملك الأراضي والعقارات القديمة، دون انتظار لسن قوانين جديدة، أو اللجوء للمحاكم، لاسترداد ما يعتبرونه أملاكا لهم تمت مصادرتها في الماضي». وشارك العبيدي في محاولات المصالحة بين منطقتي المسلاتة والعمامرة (130 كم شرق طرابلس) واللتين تبادلتا اختطاف شخصيات من بعضهما البعض. وأضاف قائلا لـ«الشرق الأوسط» إن «أبناء مسلاتة يقولون نحن أصحاب الأرض الأصليون»، ويريدون السيطرة على أراضي العمامرة التي كانوا يستغلونها أيام القذافي وفقا للقانون 123 الصادر في عام 1970»، مشيرا إلى أن «القانون 123 الخاص بالتملك والمطبق في ليبيا كلها، أصبح مصدرا للعديد من المشاكل في عموم البلاد.. في الجبل الأخضر وفي المرج وفي البيضاء».

وكانت ميليشيات أغلبها من مدينة مصراتة ومتحالفة مع وزارة الدفاع سيطرت أخيرا على بلدة بني وليد بعد أيام من القصف الذي تسبب في نزوح آلاف الأسر، وسط مخاوف من تجدد الاقتتال والعداء التاريخي بين مدينة بني وليد التي تهيمن عليها قبيلة ورفلة، الحليف السابق للقذافي، ومدينة مصراتة التي ذاقت الأمرين من الحكم السابق. وتجدد القتال بسبب مطالبة الحكومة لبني وليد بتسليم من قاموا بخطف وتعذيب مقاتل سابق من المعارضة يدعى عمران شعبان، الذي عثر على القذافي مختبئا داخل أنبوب للصرف الصحي في سرت مسقط رأسه العام الماضي.

وقال الشيخ لطفي فتح الله الزيادي، وهو إعلامي في صحيفة ليبية، إن مثل هذه الخلافات «ستمر مر السحاب». ويعيش الزيادي في طرابلس، وهو من أب ينتمي لقبيلة ورفلة وأم تنتمي لمدنية مصراتة. وأضاف الزيادي لـ«الشرق الأوسط» أن «المشكلة الحقيقية بدأت بعد أن توجهت فلول النظام السابق للاختباء في منطقة وادي بني وليد مع سقوط نظام القذافي»، مشيرا إلى أنه كان هناك قتلى من قبيلة ورفلة قتلوا وهم يدافعون عن مصراتة أيام الثورة.