برامج المرشحين تجاه السياسة الخارجية.. تشابه في المبادئ واختلاف في التنفيذ

أبرزها الأمن القومي و«الإرهاب» والملف النووي الإيراني وأمن إسرائيل والربيع العربي

TT

تنافس كل من المرشح الجمهوري ميت رومني والرئيس الأميركي المنتهية ولايته باراك أوباما في إظهار قوة استراتيجية في مجال السياسة الخارجية وقدرته على مواجهة التحديات وإظهار قيادة الولايات المتحدة للعالم. وخلال ثلاث مناظرات وعدة لقاءات ركزت على قضايا السياسة الخارجية، طرح المرشحان رؤاهما تجاه قضايا الأمن القومي، ومكافحة الإرهاب، والملف النووي الإيراني، والربيع العربي، والأزمة السورية، والقضية الفلسطينية، وأمن إسرائيل، والموقف من أفغانستان والعراق، والعلاقة مع الصين وروسيا.

لكن مناقشات جوهر القضايا الخارجية أظهرت توافقا كبيرا في رؤية المرشحين لبعض القضايا مثل مخاطر الملف النووي الإيراني وضرورة منع إيران من امتلاك سلاح نووي، والأزمة السورية وضرورة زيادة الضغوط الدولية لدفع الرئيس السوري بشار الأسد إلى التنحي عن السلطة، كما اتفقا كل من أوباما ورومني على أهمية العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل وأهمية ضمان أمن إسرائيل. الاختلافات بين المرشحين جاءت فقط في تكتيكات تنفيذ السياسات الخارجية وأسلوب التنفيذ وأدواته وتوقيته.

* في سياسات الدفاع العسكري ومكافحة الإرهاب

* يستهدف أوباما إيجاد توازن بين متطلبات منظومة الدفاع العسكري، وتقليل النفقات، ويستهدف مكافحة الهجمات الإلكترونية. وقد أثارت تلك النقطة قضية خلافية في المناظرة الثالثة بينه وبين رومني، حيث يطالب رومني بأن تكون ميزانية الإنفاق الدفاعي بنسبة 4% حدا أدني من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي، ويرفض خفض الإنفاق العسكري، ويريد التوسع في بناء السفن البحرية. ويتفاخر أوباما بعملية قتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن وعملية القضاء على أنور العولقي القيادي البارز في فرع تنظيم القاعدة في اليمن، لكن رومني يقول إنه على الرغم من وفاة أسامة بن لادن، فإن تنظيم القاعدة لا يزال يشكل تهديدا وقوة كبيرة في اليمن والصومال وليبيا وأجزاء أخري من شمال أفريقيا وفي العراق. وقال رومني خلال المناظرة الثالثة في فلوريدا: «علينا استخدام كل الوسائل الضرورية لإخراج الذين يشكلون تهديدا لنا ولأصدقائنا في جميع أنحاء العالم»، في إشارة إلى دعمه إدارة أوباما في استخدام الطائرات من دون طيار.

* الربيع العربي

* أثارت سلسلة الحركات الاحتجاجية والثورات التي اجتاحت منطقة الشرق الأوسط خلال عام 2011 أسئلة صعبة للمرشحين للرئاسة، خاصة أن واشنطن كانت منذ فترة تحاول تحقيق توازن بين مصالحها وأمنها القومي، وتعزيز القيم الديمقراطية وحقوق الإنسان. ومن المرجح أن تتزايد التوترات في منطقة الشرق الأوسط. وقد اتفق المرشحان على ضرورة دعم مطالبات الشعوب بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، ويسعى أوباما لدعم التحول الديمقراطي في مصر من خلال إسقاط جزء من الديون المصرية وتوفير القروض من المؤسسات المالية والاستمرار في تقديم المساعدات الأميركية لمصر، لكن رومني يريد وضع شروط للمساعدات الأميركية لمصر ومنها الالتزام بالسلام مع إسرائيل وضمان حقوق المرأة والأقليات.

وفي المناظرة الثالثة في 22 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي استشهد رومني بسيطرة الإسلاميين في شمال مالي وانتخاب رئيس من جماعة الإخوان المسلمين لرئاسة مصر كأمثلة على التحول المثير في تلك المنطقة.

وقد أيد كل من أوباما ورومني تدخل الولايات المتحدة في ليبيا، ومساعدة الثورات الشعبية في تونس واليمن، لكن المرشح الجمهوري رومني يجد في ثورات الربيع العربي فرصة لإحداث تغيير إيجابي عميق، ويحذر من استغلال خصوم الولايات المتحدة - ويقصد بذلك إيران والجماعات الجهادية - حالة التوتر في دول الربيع العربي بحيث تسعى لزيادة نفوذها في المنطقة. ويقول رومني: «سنسعى لضمان أن لا يتحول الربيع العربي إلى شتاء».

وفي المناظرة الرئاسية الثانية في 16 أكتوبر الماضي، وجه رومني انتقادات لطريقة معالجة أوباما الهجوم على القنصلية الأميركية في بنغازي وانتقد انعدام الأمن قبل وأثناء الهجوم على بنغازي. وقد سعى الحزب الجمهوري لإبراز العيوب الأمنية وعدم تأهب إدارة أوباما للرد على الهجمات الإرهابية وتأخرها في حماية الدبلوماسيين؛ بل وأطلق الحزب الجمهوري عليها اسم «بنغازي غيت» على غرار «ووتر غيت».

واستخدم رومني حادثة الهجوم على القنصلية الأميركية في بنغازي للهجوم على سياسات الرئيس أوباما خاصة بعد أن تكشفت تفاصيل توضح رفض إدارة أوباما طلبات متكررة بزيادة قوات الكوماندوز حول القنصلية في ليبيا. وبرر أوباما الهجوم على القنصلية بأنه كان عنفا عفويا نتيجة مظاهرات غاضبة لفيلم أساء للإسلام. لكن أوباما خلال المناظرة الثانية أكد أنه اعترف منذ اليوم الأول أن العمل كان عملا إرهابيا.

* سوريا

* يريد أوباما الاستمرار في زيادة الضغوط الدولية على نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأعرب عن تحفظه من قضية تسليح المتمردين، وقال: «علينا أن نكون واثقين تماما من الذين نساعدهم».

ويطالب رومني أن تعمل الولايات المتحدة مع المملكة العربية والسعودية وتركيا لتنظيم وتسليح المعارضة السورية حتى تتمكن من الدفاع عن نفسها. وفي كلمته الرئيسية عن السياسة الخارجية في أكتوبر الماضي، ركز رومني على سوريا وضرورة تنظيم المعارضة وضمان حصولهم على الأسلحة التي يحتاجونها لهزيمة دبابات الأسد ومروحياته. ويطالب رومني بزيادة العقوبات التي تستهدف الحكومة السورية ومنع تصدير الأسلحة لها.

أوباما يتحدث عن توفير القيادة الحكيمة والحاجة إلى تجديد موقف الولايات المتحدة من خلال السياسات الخارجية المناسبة. ويعتبر مسألة الانتشار النووي هو التهديد الأكثر إلحاحا لأمن الولايات المتحدة والعالم.

محددات السياسة الخارجية التي رسمها المرشح الجمهوري ميت رومني تركز على قضيتين أساسيتين؛ الأولي تعزيز موقف الولايات المتحدة بوصفها قوة عظمي اقتصاديا وعسكريا، التي تشمل هزيمة المتطرفين الجهاديين، والقضية الثانية هي التنافس مع آسيا.

ويقدم رومني نهجا ثلاثي الأبعاد لمواجهة المتطرفين؛ وجانب منه هي الخيارات العسكرية، والجانب الثاني هو التعاون الدبلوماسي مع لاعبين إقليميين ودوليين، والجانب الثالث هو حث الدول الإسلامية والمسلمين على رفض التطرف خاصة الدول التي يوجد بها جذور لتنظيم القاعدة مثل باكستان. ويطالب رومني أن ترسل الولايات المتحدة قواتها من أجل التعاون مع السكان المحليين لاحتواء الإرهابيين.

* إيران

* أظهر أوباما قوة إدارته من خلال فرض عقوبات وصفها بأنها الأصعب على إيران بوصفها جزءا من الجهود الدولية لدفع إيران للتخلي عن طموحها النووي. وقال إن الولايات المتحدة لن تشارك على الدوام في المفاوضات النووية مع طهران وإنها لن تقبل سوى اتفاق ينهي البرنامج النووي الإيراني إضافة إلى ترك باب الخيار العسكري مفتوحا. وشدد أوباما على أهمية استنفاد العقوبات الدبلوماسية والاقتصادية قبل النظر في توجيه ضربة عسكرية لإيران. وقال إن الضربة العسكرية ستكون ملاذه الأخير وليس الملاذ الأول.

ويعتبر رومني البرنامج النووي الإيراني هو أكبر خطر على الولايات المتحدة، وأن على واشنطن أن تتأكد أن إيران لا تقوم بتطوير أسلحة نووية، ويتفق رومني مع أوباما على ضرورة تشديد العقوبات الاقتصادية والعمل مع الحلفاء لمنع إيران من امتلاك سلاح نووي، وتعهد بالعمل مع الكونغرس وحلفاء الولايات المتحدة لتنفيذ عقوبات اقتصادية أوسع أشد ضد إيران. وقال رومني إنه سيسعى إلى عزلها دبلوماسيا بشكل أكبر، لكنه انتقد سياسات أوباما طوال السنوات الأربع الماضية من التفاوض مع طهران مما جعلها أقرب إلى وجود إيران نووية.

* القضية الفلسطينية وإسرائيل

* أعرب أوباما عن رغبته في استئناف محادثات السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ودعا كلا الجانبين إلى التفاوض وفقا لحدود 1967، وانتقد أوباما قيام إسرائيل بمواصلة البناء الاستيطاني في المناطق المتنازع عليها، لكنه شدد على أهمية وضرورة التعاون الأمني مع إسرائيل.

في المقابل، تعهد رومني أن تكون أول جولة خارجية له إلى إسرائيل، واتهم أوباما بالتفريط في الدولة اليهودية. وقال رومني إنه يؤيد قيام دولة فلسطينية، لكنه سيقلل من مساعدة الفلسطينيين إذا استمروا في عدم الاعتراف بدولة إسرائيل، كما يرفض دخول حماس في حكومة وحدة وطنية باعتبارها منظمة إرهابية. وتعهد رومني بالحفاظ على التفوق العسكري الاستراتيجي لإسرائيل، وقال إن «مفتاح التفاوض على سلام دائم هو أن تضمن إسرائيل أنها ستكون آمنة».

* الصين كان نهج الرئيس أوباما أكثر ميلا للمصالحة نحو الصين، لكنه لم يصل إلى حد مطالبتها بوقف تلاعبها في العملة المحلية، لكنه تعهد بمواصلة الضغط على بكين في قضايا العملة، وأن تلتزم بقواعد التجارة الحرة. في المقابل، يتهم رومني الصين بسرقة الملكية الفكرية الأميركية وبراءات الاختراع، ويقول إنه سيواصل السياسات التي من شأنها إصلاح العلاقات التجارية غير المتوازنة.

ويشعر رومني أن الاقتصادات الآسيوية آخذة في التوسع بسرعة، وأن الولايات المتحدة بحاجة لفتح أسواق أكثر، مما يتطلب سياسات للحد من التعريفات الجمركية وخفض الضرائب وخلق مزية تنافسية للشركات الأميركية في الأسواق العالمية.

وفي تقييمه لتوجهات أوباما ورمني في السياسة الخارجية، يقول إريك شوارتز عميد «كلية هيوبرت همفري للشؤون العامة» إنه على الرغم من الاهتمام بقضايا الأمن القومي ومقتل السفير كريس ستيفنز في ليبيا، فإن السياسة الخارجية لن تكون العامل الأساسي الحاسم في الانتخابات يوم الثلاثاء المقبل، مؤكدا أن العامل الحاسم دائما هو الاقتصاد.

ويشير شوارتز إلى أن سياسات أوباما الخارجية التي تدعو إلى بناء قواعد قوية مع المنظمات المتعددة الأطراف ودعم مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان، كانت وراء تدخل الولايات المتحدة في ليبيا لإنقاذ أرواج الليبيين. وأعطى أوباما أهمية كبيرة للحصول على موافقة مجلس الأمن على التدخل. ولذا يصف شوارتز سياسات أوباما بـ«الواقعية»، ويقول إن «نهج الرئيس أوباما في السياسة الخارجية خلال قضية ليبيا يمكن أن يعطينا فكرة عن كيفية مواجهته التحديات الحالية والمستقبلية، فعلي سبيل المثال، من غير المرجح أن تهاجم الولايات المتحدة المنشآت النووية الإيرانية وتدخل في حرب دون الحصول على دعم قوي من القوى الدولية، ومن المرجح أن يستمر أوباما في ممارسة الضغط على إسرائيل لكي لا تأخذ تصرفا من جانب واحد. أما بالنسبة للمرشح الجمهوري ميت رومني فقد ظهر خلال المناظرة مع أوباما إصراره على تشديد العقوبات على إيران، ووجهات نظر رومني تقع بين أفكار الواقعية وأفكار المحافظين الجدد، لكن من المرجح أن يكون رومني أكثر استعدادا لاستخدام القوة ضد إيران».

ويقول جيمس ليندسي نائب مدير الدراسات بمركز السياسات الخارجية بواشنطن إن «المناظرات الثلاث بين أوباما ورومني كانت فرصة لإخراج أفضل ما لديهما للوصول إلى الجمهور قبل يوم الانتخابات، لكن وجهات نظر أوباما ورومني متشابهة في رؤى السياسة الخارجية للولايات المتحدة، ولا توجد اختلافات جوهرية. وتوافق أوباما ورومني إلى حد كبير في الاتفاق على النقاط الأساسية والتحديات في المنطقة، مثل منع إيران من امتلاك سلاح نووي، ودعم إسرائيل، وتحول المسؤوليات الأمنية إلى الأفغان بحلول عام 2014، وتشجيع الإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد، وضرورة تفكيك تنظيم القاعدة والجماعات المنتمية له».

ويقول ليندسي إن «الاختلافات بين المرشحين هي في التكتيكات والتفاصيل إضافة إلى اختلافات في طريقة تناول المرشحين للتجارة مع الصين وقوة الصين العسكرية المتنامية في آسيا، وقضية الإنفاق على الدفاع والعلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا».

ويؤكد كريستوفر بريبل نائب الرئيس لدراسات الدفاع والسياسة الخارجية بمعهد «كاتو» تشابه استراتيجيات المرشحين في ما يتعلق بقضايا السياسة الخارجية، لكنها تختلف في رؤية كل منهما لضرورة الخيار العسكري، ويقول: «الحاكم رومني هو الأكثر وضوحا في إثارة التهديد العسكري.. وبخلاف ذلك، فإن استراتيجيتيهما متماثلة».