زعيم سابق للصين يسعى لفرض نفوذه في مرحلة انتقالية حرجة

جيانغ فاجأ الجميع بعودته المعنوية القوية.. وبات من أكثر المنتقدين لسلفه هو جينتاو

زيمين ينظر إلى ساعته في جلسة افتتاح مؤتمر الحزب الشيوعي في بكين أمس (أ.ف.ب)
TT

في عام من الفضائح واتهامات بالفساد على أعلى مستويات القيادة في الحزب الشيوعي الصيني، أقحم رئيس متقاعد للحزب، كان البعض قد استبعده بوصفه قوة مهدرة، نفسه مجددا في أهم القرارات السياسية في البلاد، وظهر كشخصية مهيمنة على عملية تشكيل القيادة المستقبلية.

وتبدو عودة جيانغ زيمين، الزعيم السابق البالغ من العمر 86 عاما، الحدث الأكثر إثارة للدهشة، لأنه قيل في العام الماضي إنه على شفا الموت. لكن على مدار الأشهر الأخيرة، عمل جيانغ بجد وراء الكواليس، معبرا عن إحباطه من سجل سلفه، الرئيس الحالي، هو جينتاو، ومنفذا مناورات من أجل جعل من هم خاضعين لوصايته يسيطرون على المجموعة القادمة التي ستدير الحزب، حتى إنه أثار موضوع كيفية التعامل مع بو شيلاي، الشخصية السياسية الشعبية الذي تورط في فضيحة كبرى وتم التحقيق معه بعد اتهام زوجته بقتل رجل أعمال بريطاني.

وعلاوة على ذلك، سعى جيانغ إلى صياغة السياسة، على حد قول مطلعين على بواطن أمور الحزب، باقتراح إدخال تغييرات على تقرير وضع أجندة العمل الذي تم تقديمه يوم أمس مع بدء انعقاد المؤتمر الثامن عشر للحزب، الاجتماع الذي سيمتد على مدى أسبوع ويسبق تحديد اسم من سيخلف هو، وجيل جديد من القادة. وصل جيانغ وهو معا إلى قاعة الشعب الكبرى، قبل آخرين من كبار قيادات الحزب، في إشارة أخرى دالة على نفوذ جيانغ.

بيد أن هدف جيانغ، على حد قول هؤلاء المطلعين على بواطن أمور الحزب، هو وضع الصين مجددا على الطريق نحو سياسات اقتصادية موجهة للسوق والتي يرى، جنبا إلى جنب مع حلفائه، أنها تجمدت في ظل عقد من القيادة الحذرة لهو، زعيم الحزب صاحب الشخصية الباهتة الذي فضل البرامج الاشتراكية التقليدية وسمح للشركات العملاقة المملوكة للدولة بجمع ثروات طائلة والتمتع بنفوذ هائل. وينظر كثيرون لجيانغ، الذي أدخل الصين في منظمة التجارة العالمية وأعاد بناء العلاقات مع الولايات المتحدة بعد انهيارها في عام 1989، بوصفه يفضل توطيد علاقات أقوى مع الغرب وتوفير المزيد من الفرص للقطاع الخاص في الصين.

وكان جيانغ قادرا على التفوق على هو من أجل تشكيل قائمة جديدة للجنة الدائمة للمكتب السياسي، أعلى هيئة لصناعة القرار، والتي يبدو أنها قد جعلت حلفاء جيانغ يتم اختيارهم لشغل خمسة من المقاعد السبعة، بحسب مطلعين على بواطن أمور الحزب. ويعتبر القيادي الأبرز هو تشي جينبينغ، هو الوريث المعين لهو كرئيس للحزب ورئيس للصين.

وقال محرر بإحدى المؤسسات الإعلامية التابعة للحزب «انظر إلى آخر سبعة أشخاص وستعرف من هو الرابح الأكبر: جيانغ أو جيانغ وتشي. أما الخاسر، فإنه هو».

وتشير قدرة جيانغ على التعبير عن نفسه بجرأة شديدة إلى مدى الضعف الذي آلت إليه السلطة في أعلى مستويات الحزب الشيوعي، مثلما يقول صناع السياسة والمثقفون من شتى البقاع إن الدولة بحاجة لقيادة قوية لتوجيهها عبر فترة من تباطؤ النمو الاقتصادي وارتفاع نسبة السخط الاجتماعي.

ويقول بعض أنصار جيانغ إن اقتحامه مجال السياسة ربما يمنح مزيدا من الثقة لصناع السياسة الذين يمكن أن يثبت كونهم أكثر عرضة من هو لفقدان السيطرة على اتحادات الشركات المملوكة للدولة في بعض القطاعات الحيوية، مثل التمويل والنقل، وأيضا أكثر رغبة في وضع نظام قانوني جدير بالثقة يعمل بشكل مستقل عن الحزب.

ومن شأن مثل تلك الخطوات أن تضخ الحيوية في الاقتصاد، كما تشير أيضا إلى اتخاذ خطوات متواضعة باتجاه المساءلة، استجابة لمطالب الطبقة المتوسطة المتنامية في الصين. وحتى في تلك الحال تكشف عودة جيانغ إلى محور سياسات الحزب عن أوجه ضعف أساسية في نظام يرتكز على ائتلافات من فصائل سياسية ومؤسسين قدامى للحزب في اتخاذ القرارات الحاسمة.

وما زالت مطامح الصين في الصعود لتصبح قوة عالمية حديثة مقترنة بنظام سياسي تكمن فيه السلطة الحقيقية في فجوات خفية. ويمكن أن يسبب ذلك مشكلات بالنسبة لتشي، الخليفة المفترض لهو، الذي ما زال يتعين عليه ترسيخ أهليته بوصفه صاحب السلطة المطلقة للحزب. ومع انتهاء المؤتمر الوطني للحزب الأسبوع المقبل، سيكون هناك 20 عضوا متقاعدا في اللجنة الدائمة، يتوقع السواد الأعظم منهم أن تكون لهم كلمة في إدارة البلاد وتعيين الحلفاء.

ولا يمتلك جيانغ سلطة كبيرة من وراء الكواليس، على عكس دينغ شياو بينغ الذي شرع في القيام بإصلاحات سوقية عقب وفاة ماو تسي تونغ، لكن حالة الانقسام وعدم اليقين التي استمرت لعام كامل قد منحت جيانغ فرصة كبيرة لاتخاذ قرارات مهمة.

ويقول كريستوفر جونسون، وهو محلل سابق بوكالة الاستخبارات الأميركية (سي آي إيه) ويعمل الآن في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، والذي قام بزيارة الصين في الآونة الأخيرة «الأجواء تبدو مشحونة ومتوترة للغاية. تكمن المشكلة في عدم وجود شخصية بارزة في قيادة الحزب - لا يوجد هناك زعيم ثوري كبير في السن يقوم بمهمة الوساطة ويدير المجموعات المختلفة. وأعتقد أن جيانغ يقول لنفسه: هذه هي المرة الأخيرة، وأعتقد أنه يتعين علي أن أُظهر أنني ما زلت مهما».

كان جيانغ قد استقال من عمله كأمين للحزب في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2002، كما استقال من منصب رئيس الصين الشعبية في شهر مارس (آذار) التالي، لكنه ظل يشغل منصب قائد الجيش الصيني حتى أواخر عام 2004، وهو ما أثار حفيظة العديد من مسؤولي الحزب. وكانت علاقته مع خلفه حساسة للغاية، ويعود السبب في ذلك إلى حقيقة أن هو كان قد وضع على طريق قيادة الحزب من قبل أحد مؤسسي الحزب وهو دينغ، وهو ما جعل جيانغ لا يملك قرارا مستقلا بشأن من سيخلفه في الحزب.

وتعرضت فترة حكم الرئيس الحالي هو ورئيس الوزراء وين جياباو التي دامت لعقد من الزمان إلى انتقادات شديدة، وهي الفترة التي شهدت قيام زعماء الصين، على الرغم من النمو الاقتصادي القوي معظم هذه الفترة، بدعم المشروعات المملوكة للدولة وتقوية الأجهزة الأمنية والحد من الحماية القانونية الأساسية. ويعد جيانغ أقوى الأصوات التي تنتقد السياسيات التي تتبعها إدارة هو.

وقال أحد المسؤولين «ينطلق هجوم جيانغ من منطلق أن هو جينتاو ووين جياباو لديهما حذر شديد في ما يتعلق بالإصلاحات، وأنه كان يمكن التخفيف من حدة تباطؤ النمو الاقتصادي لو تم اتخاذ إجراءات إصلاحية أقوى في وقت مبكر».

وتنطوي أي دعوات للإصلاح في الصين على مجموعة واسعة من الاحتمالات، في الوقت الذي يسعى فيه بعض المفكرين والمستشارين السياسيين إلى تهدئة النظام السياسي الاستبدادي في الصين، ولكن لا توجد هناك أي إشارة على أن جيانغ يدعم أي تحول من هذا النوع. وبدلا من ذلك، يبدو أنه يركز في المقام الأول على القضايا الاقتصادية.

وقال أشخاص مطلعون من داخل الحزب إن جيانغ تمكن من إثارة مخاوفه بشأن الاتجاه السياسي للحزب عندما طلب منه التعليق على مشروع التقرير السياسي الذي قدم إلى مؤتمر الحزب. ويهدف هذا التقرير إلى تلخيص الإنجازات التي تحققت تحت قيادة الرئيس هو، لكنه يحاول أيضا رسم الأولويات المستقبلية. وبعدما ألقى هو خطابا لمدة 100 دقيقة عن التقرير يوم الثلاثاء الماضي، صفق النواب لثوان عديدة، لكن جيانغ لم يصفق إلا في مرات قليلة للغاية.

وقال أشخاص مطلعون من داخل الحزب إن مشاركة جيانغ في تشكيل اللجنة الدائمة الجديدة، والتي يتوقع أن يتم الإعلان عنها بنهاية المؤتمر الأسبوع القادم، تعكس بوضوح نفاد صبره من السياسات التي يتبعها هو. وخلال الأشهر الماضية، كان المحللون يتوقعون أن تكون اللجنة القادمة متوازنة بين حلفاء هو وجيانغ، لكن كل هذا قد تغير تماما بسبب ألاعيب السلطة التي يتبعها جيانغ، والفضائح التي أثيرت خلال العام الحالي.

* خدمة «نيويورك تايمز»