إقصاء المرأة من تشكيلة المجلس الوطني السوري يقوض مساعي التنوع

إحداهن قالت: «النساء قد خدعن» وأخرى ترجعه لنفوذ الإخوان.. وسيدا يؤكد أنه «حزين للغاية»

TT

يشكل العنصر الذكوري كامل أعضاء المجلس الوطني السوري الجديد، وهي جماعة المعارضة السورية الرئيسية في المنفى، بعدما فشلت الانتخابات الأخيرة في ضم أي امرأة إلى تشكيلة المجلس الذي يضم 41 عضوا.

وعقب إعلان نتيجة الانتخابات في الساعات الأولى من صباح يوم الخميس الماضي، هرعت بعض المندوبات اللاتي حضرن مؤتمر المجلس الوطني السوري الذي عقد في العاصمة القطرية الدوحة إلى المنصة ليعبرن عن احتجاجهن، مؤكدات أن القيادة الجديدة للمجلس لا تعكس الدور الرئيسي الذي تقوم به المرأة في المساعي الرامية للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد.

وفيما يتعلق بهذه النقطة على الأقل، يبدو أن المجلس الوطني السوري قد فشل في محاولة تقديم تشكيلة جديدة في مواجهة الانتقادات الدولية التي تنهال عليه بأنه لا يمثل كل أطياف المعارضة السورية بالشكل الكافي. وعقب تصويت أكثر من 400 من أعضاء الهيئة العامة للمجلس الوطني السوري، حاول المجلس معالجة مشكلة النقص في عدد النساء في تشكيلته الجديدة، حيث أكد رئيس المجلس عبد الباسط سيدا أنه «حزين للغاية»، مشددا على أنه سيحاول إضافة 4 نساء إلى الأمانة العامة للمجلس بموجب مرسوم سيقوم بإصداره.

وتقول المندوبة منى جندي، 37 عاما وهي محامية مهاجرة تعيش في فلينت بولاية ميشيغان: «خلاصة القول، هناك اعتراف بأن النساء قد خدعن، وأنه يجب معالجة هذا الأمر»، مضيفة: «لن يؤدي هذا الأمر إلى علاج المشكلة الرئيسية والتي أعتقد أنها تكمن في عدم الاعتراف بأهمية صوت المرأة على طاولة صنع القرار».

تعرض المجلس الوطني السوري، الذي تم تشكيله في العام الماضي من مجموعة من السوريين المنفيين إلى الخارج منذ فترات طويلة والأكاديميين، لانتقادات متزايدة، سواء من الداخل السوري أو من المجتمع الدولي بأنه ليس لديه أي قنوات اتصال مع هؤلاء الذين يخاطرون بحياتهم في الصفوف الأمامية داخل سوريا. وإلى حد كبير، كان المجلس يهدف من وراء انعقاد هذا المؤتمر في الدوحة إلى دحض مثل هذه المزاعم والتأكيد على أنه يتمتع بقاعدة عريضة من الأعضاء.

وعلى الرغم من ذلك، ربما تكون هذه الجهود قد جاءت بعد فوات الأوان، حيث تروج الولايات المتحدة الأميركية وغيرها من الدول الأجنبية الداعمة للثوار في سوريا لفكرة عقد منتدى للقيادة الجديدة لا يلعب فيه المجلس الوطني السوري سوى دور صغير.

ويأتي تهميش دور المرأة في تشكيلة المجلس الوطني السوري في تناقض صارخ مع مشاركتها المؤثرة في الصراع الدائر في سوريا والذي دخل شهره التاسع عشر.

وفي الأيام الأولى للثورة السورية، قامت النساء بتنظيم المظاهرات الحاشدة وظهر دورهن واضحا في التنظيمات الشعبية المحلية، حيث كن يخاطرن باحتمال تعرضهن للاعتقال والتعذيب تماما مثل الرجال. ولكن بعد تحول الثورة إلى صراع مسلح، تراجع دور النساء إلى حد ما، على الرغم من أن الرجال والنساء يعانون، على حد سواء، من مرارة وويلات الحرب الأهلية التي تدور رحاها في المناطق المأهولة بالسكان.

وفي محاولة لتحسين صورته أمام العالم، قام المجلس الوطني السوري بمنح المرأة 15 في المائة من إجمالي أعضاء الهيئة العامة الجديدة والموسعة للمجلس، البالغ عددهم 420 مندوبا، الذين حضروا مؤتمر الدوحة يوم الأحد الماضي. تؤكد منى جندي، المحامية التي تقيم في ميتشغان، أنه جرى اختيارها كمندوبة على عجل، مشددة على اعتقادها بأن الأمر كان مجرد محاولة لاستيفاء الحصة الخاصة بالنساء.

ومع ذلك، يبدو أن المرأة قد تعرضت للتهميش بصورة كبيرة في هذا المؤتمر، حيث كان بهو الفندق الرئيسي يكتظ بالرجال من أعضاء المجلس الوطني السوري الذين كانوا يدخنون السجائر ويحتسون القهوة، بينما كانوا يعقدون الصفقات ويتحدثون عن الاستراتيجيات.

قال جورج صبرا، المتحدث الرسمي باسم المجلس الوطني السوري، إن المرأة كانت تشكل نحو 5 في المائة فقط في الاجتماعات السابقة للمجلس، مؤكدا أن الحصة الجديدة التي تم تخصيصها للنساء كانت ضرورية لمساعدتهن على العثور على موطئ قدم داخل المجلس.

وقبل أن يتم الإعلان عن نتائج الانتخابات، قال صبرا: «لو لم يتم اتخاذ هذا القرار، كان الرجال سيقومون بكل شيء بأنفسهم إلى الأبد».

وفي الساعات الأولى من صباح يوم الخميس، تجمع مندوبو المجلس الوطني السوري في قاعدة الفندق لسماع تشكيلة المجلس الجديدة. وبعد أن بات واضحا أن النساء قد تم إقصاؤهن من المجلس، قام البعض من مقاعدهم اعتراضا على هذا الأمر.

وبصوت عال امتد عبر صفوف الحضور، قالت فريزه جهجاه، وهي مدرسة رياضيات من محافظة السويداء في جنوب سوريا: «أين النساء؟».

أعقب ذلك مناقشة حامية الوطيس، بعد أن أكد الكثير من المندوبين على ضرورة تمثيل المرأة في قيادة المجلس الوطني السوري، بينما شدد عدد قليل من الرجال على أن النساء ينبغي عليهن تقبل النتائج، حيث ظل البعض يردد: «هذه هي الديمقراطية».

وأرجعت ريما فليحان، الكاتبة المسرحية والناشطة الحقوقية السورية، حقيقة سيطرة الرجال على المعارضة السورية الموجودة في المنفى للنفوذ الكبير الذي تتمتع به جماعة الإخوان المسلمين الأصولية في المجلس الوطني السوري، ولكنها أكدت أن النساء أيضا ينقصهن الخبرة السياسية.

أكدت فليحان، وهي عضو في لجان التنسيق المحلية قامت بمغادرة سوريا منذ عام تقريبا، أنها تركت المجلس الوطني السوري لأنها تعتقد أنه غير فعال.

ولعبت بعض النساء اللاتي حضرن المؤتمر دورا نشطا في الثورة السورية، وفررن من سوريا مؤخرا فقط بسبب خوفهن من الاعتقال.

وأكدت رنا إبراهيم، وهي إحدى المندوبات اللاتي حضرن مؤتمر المجلس الوطني السوري، أنه تم اعتقالها على مدار ثلاثة أيام في وقت سابق من العام الجاري بسبب قيامها بتنظيم مظاهرات مناهضة للنظام السوري بالاشتراك مع زملائها من المحامين في محافظة الرقة شمال شرقي سوريا. فرت إبراهيم من سوريا منذ تسعة أشهر بعدما تزايدت التهديدات الحكومية الموجهة لها، بينما غادرت جهجاه سوريا منذ أربعة أشهر فقط، وسط مخاوف من احتمال تعرضها للاعتقال لدورها في تنظيم المظاهرات.

لقد لعبت النساء دورا نشطا للغاية في الثورة السورية منذ بدايتها.

وفي العام الماضي، حصلت رزان زيتونة، وهي محامية في مجال حقوق الإنسان والتي قامت بالاختباء بعد وقت قصير من اندلاع الثورة، على جائزة آنا بوليتكوفسكايا لمخاطرتها بحياتها في كسر التعتيم الإعلامي الذي تفرضه الحكومة والإبلاغ عن عمليات القمع الوحشي التي تجري في سوريا. يتم منح هذه الجائزة، التي تحمل اسم الصحافية الروسية التي تعرضت للقتل، بشكل سنوي إلى إحدى النساء المدافعات عن حقوق الإنسان والضحايا في مناطق الصراعات.

واعتادت فدوى سليمان، وهي الممثلة السورية التي تنتمي إلى الأقلية العلوية التي ينتمي إليها الأسد، على قيادة المظاهرات المناهضة للأسد في مدينة حمص التي تقع وسط سوريا، وفي كثير من الأحيان كانت تلقي خطابات تلهب حماسة المتظاهرين. غادرت سليمان سوريا إلى باريس في أوائل العام الجاري. وفي كثير من الأحيان، كانت النساء في مدينة بانياس الساحلية يقمن بقطع الطريق السريع لإبقاء قوات الأمن والميليشيات التابعة للأسد بعيدا عن المدينة.

وحتى في ظل أربعة عقود من ديكتاتورية عائلة الأسد، كانت المرأة السورية أكثر نشاطا في الحياة العامة مقارنة بالكثير من شقيقاتها في بلدان العالم العربي الأخرى، حيث تشغل المرأة السورية منصب نائب الرئيس الأسد، علاوة على عدد من الحقائب الوزارية والمقاعد البرلمانية.

وفي بداية مؤتمر المجلس الوطني السوري، كان سقف الآمال لا يزال مرتفعا عند جهجاه نظرا لنسبة الـ15 في المائة المخصصة للنساء في المجلس، لذا أكدت أنها تتوقع زيادة نسبة تمثيل المرأة في المجلس إلى 30 في المائة.

وأكدت فليحان أن المرأة ينبغي أن تكون أكثر حزما في المطالبة بحصة أكبر، مضيفة: «تقوم النساء بالكثير من الأعمال الرائعة في الثورة، لذا ينبغي أن يحصلن على أماكن إلى جوار الرجال في الكفاح ضد النظام».

* ساهم في كتابة هذا التقرير زينة كرم من بيروت.

* خدمة «واشنطن بوست».