تضارب المبادرات في لقاء توحيد المعارضة السورية يؤجل النتائج

داوود أوغلو دعاهم إلى تجاوز «الخلافات الصغيرة من أجل الهدف الكبير».. وبن جاسم إلى «تغليب مصلحة الوطن»

رئيس الوزراء القطري الشيح حمد بن جاسم آل ثاني متوسطا وزير خارجية الإمارات الشيخ عبدالله بن زايد ونظيره التركي أحمد داوود أوغلو خلال افتتاح أعمال مؤتمر المعارضة السورية في الدوحة أمس (أ.ف.ب)
TT

لم يخرج مؤتمر توحيد المعارضة الذي بدأ أعماله أمس في العاصمة القطرية، تحت اسم «من أجل سوريا»، بنتائج ملموسة بعد ساعات من النقاشات المطولة بين ممثلين عن المعارضة السورية ومسؤولين عرب ودوليين سعوا إلى توحيد صفوف المعارضة وتحديد خطة لإسقاط النظام السوري والترتيب لمرحلة ما بعد سقوطه.

وبرزت خلافات عدة بين المجتمعين في الدوحة، على رأسها إذا كان العمل سيركز على تشكيل «حكومة في المنفى» أو «حكومة انتقالية»، أم اعتماد «مبادرة رياض سيف» التي أعدها المعارض السوري البارز رياض سيف. والمبادرة الأخيرة هذه تنص على تشكيل «هيئة المبادرة الوطنية السورية» وتشمل ما بين 60 و80 شخصية تدير جهود المعارضة إلى حين سقوط النظام السوري، بالإضافة إلى تنسيق أعمال كل أطياف المعارضة من أجل تقديم المساعدات إلى الشعب السوري وخاصة في المناطق التي فقد النظام السوري السيطرة عليها. وأبلغت دول مانحة عدة حضرت اجتماع الدوحة ممثلين عن المعارضة أمس أن تلك الدول مستعدة لتقديم المزيد من المساعدات الإنسانية وبشكل أسرع من أجل مساعدة المعارضة على كسب «المصداقية» أمام الشعب السوري. إلا أن تلك الجهود معطلة بينما استمرت الخلافات بين أطياف المعارضة خاصة المجلس الوطني السوري الذي يسعى للإبقاء على دوره النافذ بين الجهات المعارضة المتعددة.

وقال سيف للصحافيين وهو في طريق الخروج من الاجتماع: «لقد تمت مناقشة المبادرة (التي يقودها) بالتفصيل ويبدو أن لها الآن حظوظ نجاح كبيرة». وأضاف أنه «يجب الآن الاتفاق حول قيادة سياسية أو هيئة عامة وطنية تتولى بعد ذلك درس كل الخيارات».

إلا أن المجلس الوطني السوري كشف أول من أمس عن مبادرة خاصة به لتوحيد المعارضة من خلال إقامة «مؤتمر وطني» في «الأراضي المحررة» يضم 300 عضو يمثلون المجلس الوطني والتنسيقيات المحلية والجيش الوطني الحر والشخصيات المنشقة.

وقال رئيس المجلس الوطني عبد الباسط سيدا «سنناقش المبادرتين وربما مبادرات أخرى، وسنطرح أفكارنا للوصول إلى صيغة ترضي الجميع».

واستبعدت مصادر في المعارضة السورية أمس التوصل إلى اتفاق حول قيام «حكومة انتقالية» خلال مؤتمر الدوحة بسبب «التباينات الكبيرة» التي حتمت تأجيل إعلان اختتام اللقاء. ويذكر أن الولايات المتحدة وبريطانيا غير متحمسة لفكرة إنشاء حكومة في المنفى بينما أكدت فرنسا تكرارا دعمها لهذا التوجه.

وقالت المصادر السورية لـ«الشرق الأوسط» إن تمسك «المجلس الوطني» بغالبية المقاعد في أية هيئة قد نتج عن لقاء الدوحة، بالإضافة إلى عدم قبوله أن تكون «بديلا عنه» عرقلت التوصل إلى اتفاق حول «المرحلة الانتقالية»، فيما كان المجلس نفسه يواجه «مشاكل داخلية» إثر موجة من الانسحابات منه بعد يومين على توسيعه نتيجة لاعتراض عدد من الأعضاء على انتخابات أمانته العامة التي أتت بأعضاء «من لون واحد» في إشارة إلى جماعة الإخوان المسلمين التي تسيطر على غالبية مقاعده. ويذكر أنه لم يتم انتخاب أية سيدة أو ممثلين عن العلويين أو المسيحيين في الأمانة العامة.

وكان ممثلون لمعظم أطياف المعارضة السورية بدأوا أمس اجتماعا موسعا في الدوحة بهدف توحيد صفوفهم وبحث إنشاء قيادة سياسية موحدة تقود المرحلة المقبلة من المواجهة مع النظام.

وانطلق الاجتماع بحضور شخصيات عربية ودولية بدعوة من قطر والجامعة العربية تحت اسم «من أجل سوريا». ودعا رئيس الوزراء القطري الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني في مستهل الاجتماع المعارضة السورية إلى توحيد صفوفهم، مطالبا المجتمعين بـ«تغليب مصلحة الوطن والشعب السوري على المصالح الشخصية». وأكد أن «المسؤولية التاريخية الملقاة على عاتق المعارضة تتطلب منها العمل على توحيد صفوفها». وقالت مصادر دبلوماسية تركية لـ«الشرق الأوسط» إن وزير الخارجية التركية أحمد داود أوغلو طالب المعارضين السوريين بـ«تحمل مسؤولياتهم التاريخية» ودعاهم إلى «تجاوز الخلافات الصغيرة من أجل الهدف الكبير»، أي إسقاط النظام. وحض الوزير التركي السوريين على «تقديم التنازلات من أجل مصلحة بلادهم»، مشيدا بما تم إنجازه من قبل أبناء الشعب السوري الذين وقفوا أمام جيش منظم استخدم بكامله في محاربة انتفاضة شعب يريد الحرية لمدة 20 شهرا. وقالت مصادر سورية معارضة إن داود أوغلو قال إن اجتماع المعارضة «يمثل نقطة تحول حاسمة من حيث مستقبل سوريا»، مشيرا إلى دعم دولي غير مسبوق من أجل توحيد صفوفهم. وإذ أقر أن المجتمع الدولي يجب أن يفعل المزيد لدعم سوريا، قائلا: «يجب أن تدار عملية الانتقال من الشعب السوري، وليس اللاعبين الخارجيين». وأشار إلى أهمية مشاركة جميع مكونات الشعب السوري في العملية الانتقالية.

ويصر قادة «المجلس الوطني» على عدم حصول «تغيير جذري» في قواعد اللعبة، مؤكدا أنه «هيئة منتخبة تمثل معظم فئات الشعب السوري». وأتى رد المجلس عنيفا على الضغوط الأميركية التي تمارس ضده لحضه على القبول بمبادرة رياض سيف التي أطلق عليها أعضاء في المجلس اسم «مبادرة سيف - فورد» في إشارة إلى السفير الأميركي في دمشق روبرت فورد الذي كان موجودا في عداد وفد أميركي رفيع في الدوحة لمتابعة أعمال المؤتمر. وتمثل الرد بإسقاط سيف في انتخابات «الأمانة العامة» للمجلس، المؤلفة من 41 عضوا، بالإضافة إلى جورج صبرا الناطق السابق باسم المجلس وهو مسيحي كان مرشحا في وقت سابق لرئاسة المجلس وكذلك الرئيس السابق للمجلس برهان غليون.

وبعد صدور النتائج، بدأت حركة تململ واسعة في صفوف أعضاء المجلس تمثلت بإعلان عدد من الأعضاء انسحابهم منه بعد أن وصلت إلى أمانته العامة شخصيات من لون واحد، وغياب التمثيل المسيحي العربي من الأمانة العامة بالإضافة إلى خلوه من العلويين. وقال أديب الشيشيكلي إنه قدم استقالته من المجلس لأن المجلس «فشل في إفراز قيادات جديدة ذات وزن فعلي، كما غاب عنه تمثيل المرأة والأقليات والمسيحيين العرب»، معتبرا أن «الطريقة التي جرت بها الانتخابات أفرزت أمانة عامة من لون واحد». ويشكل الإسلاميون ثلث الأمانة العامة تقريبا، بينهم خمسة أعضاء من الإخوان المسلمين، بحسب تعداد أجرته وكالة الصحافة الفرنسية.

وتحت وطأة هذه الضغوط عمد المجلس إلى تأجيل انتخابات مكتبه التنفيذي وانتخابات الرئاسة إلى اليوم، على أمل أن تثمر الاتصالات تصحيحا للوضع يسمع بإدخال عدد من الشخصيات إلى الأمانة العامة والمكتب التنفيذي. ويفترض أن تتم إضافة أربعة أعضاء إلى الأمانة العامة يمثلون النساء والأقليات. وتتمثل الأقليات العرقية مثل الأكراد والآشوريين في الأمانة العامة الجديدة، إلا أنه لم يتم انتخاب أي امرأة في الأمانة. وقال عضو الأمانة العامة أحمد رمضان «يمكننا بموجب نظامنا الداخلي إضافة أربعة أعضاء، وبالتالي سنقوم بتعيين امرأتين وعضوين آخرين يمثلان الأقليات الدينية».

وأوضح الشيشيكلي أن المشاورات الجارية بين المجلس الوطني وبقية قوى المعارضة لا يمكن أن تنتج توافقا سريعا على مشروع وطني واضح، متوقعا الوصول إلى صيغة توافقية في نهاية المطاف بين النشطاء والمجلس الوطني يفضي إلى إنتاج هيئات قد تتطور في وقت لاحق لتصبح وزارات. معتبرا أن «الموضوع معقد ويحتاج إلى توافقات سياسية».

لكن الرئيس السابق للمجلس الوطني برهان غليون أبدى تفاؤله «رغم كل الضجيج». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن الجميع مطالب بالنجاح لأن «الفشل غير ممكن». ورأى أن كل العقد قابلة للحلحلة حتى لو احتاجت إلى أكثر من يوم. وفي تصريح آخر رأى غليون أنّ «الأمور تسير بشكل إيجابي، أي الكل يطرح ما لديه وما يأمله من هذا الاجتماع، لكن الجميع لديه إحساس بأن الفشل ممنوع». وحول المبادرات التي سيناقشها الاجتماع، قال غليون: «أعتقد أننا سنترك كل المبادرات جانبا وسنركز على إيجاد مبادئ لاتفاق سياسي بين كل الأطراف». وأشار غليون إلى أن «الجميع ممثلون في هذا الاجتماع باستثناء هيئة التنسيق التي رفضت الدعوة للحضور»، مضيفا في هذا السياق أن «المنبر الديمقراطي أيد الاجتماع في بيان أصدره وربما يلتحق بنا إذا حققنا تقدما».

وكان ممثلو لجنة التنسيق الوطنية ومنصة الديمقراطية السورية، قد انسحبوا من الاجتماعات قبول حصولها إذ غادروا ليل أول من أمس، فيما مارس «المجلس الوطني الكردي» ما اعتاده في كل اجتماعات المعارضة السابقة بحضوره إلى الاجتماعات ومن ثم إعلان انسحابه منها. وقال القيادي في تنظيم الإخوان المسلمين صدر الدين البيانوني لوكالة الصحافة الفرنسية لدى خروجه من الجلسة الثانية للاجتماع «كل منا أعطى ملاحظاته ثم صاغت أمانة سر الاجتماع مشروعا يلخص كل الآراء ووزعوه علينا وسنعود لاحقا لإبداء الرأي فيه». وأضاف البيانوني أن «المشروع يتضمن شرحا مفصلا لمبادرة رياض سيف».