الجيش الأفغاني يعود للحمير بعد رفض الأميركيين منحه مروحيات

القوات الأجنبية تستعد للرحيل ويصعب عليها ماليا توفير معدات متطورة لنظيرتها الأفغانية

مع اقتراب موعد رحيل الأميركيين وانخفاض عدد الطائرات عاد الجيش الأفغاني إلى الحمير لنقل ما يحتاجه جنوده
TT

قبل وصول القوات الأميركية إلى هذه المنطقة الجبلية الواقعة شرق أفغانستان، كانت أدوات الحرب بدائية، مثل المواقع المبنية من الطوب اللبن والأسلحة المتهالكة من طراز «كلاشنيكوف». وجاء الغزو الأميركي حاملا معه ترسانة متقدمة من الأسلحة التي تعد ثمرة تكنولوجيا القرن الحادي والعشرين، مثل المروحيات المتقدمة التي تستخدم في التحليق فوق المناطق الخطيرة. لكن مع استمرار خفض عدد القوات الأميركية بدأت السماء الأفغانية تخلو من الطائرات الأجنبية التي كانت تزود مواقع التمركز البعيدة بالماء والطعام والأسلحة. وتم تسليم هذه المواقع إلى القوات الأفغانية، لكن دون تسليمهم المروحيات المتقدمة التي تحلق عاليا فوق رؤوسهم وتنقل المؤن.

أثناء بحث الأفغان عن بديل وجدوا حلا قديما، وهو الحيوان المجتهد الدؤوب الذي يسير ببطء وتثاقل وسط هذه الممرات الجبلية المرتفعة شديدة البرودة منذ قرون.

ويقول العقيد عبد النصيري، قائد كتيبة أفغانية في إقليم كونار «إن الحمير هي المروحيات الأفغانية». وتحافظ مئات الحمير بالفعل على بقاء القواعد التي بناها الأميركيون واستماتوا في الدفاع عنها قبل أن يتركوها في النهاية. ويسلط هذا التحول الضوء على الهوة الشاسعة التي تفصل القوات الأميركية عن القوات الأفغانية، والتأخر التكنولوجي الذي سيحدث حتما بمجرد مغادرة القوات الأميركية.

يأمل المسؤولون الأميركيون أن تستمر هذه الطريقة الأفغانية، رغم عدم مثاليتها، حتى مع توقف التمويل الغربي. ومع ذلك لا يشعر القادة الأفغان بالرضا، فبعد عقد من العمليات المشتركة مع القوات الأميركية واستخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة، يريدون أن يكون جيشهم مثل الجيش الأميركي الذي تعاملوا معه عن كثب.

ويقول مسؤولون أميركيون إن هذا أمر غير عملي وغير واقعي من الناحية المالية. وقد أنفقت الولايات المتحدة ما يزيد على 50 مليار دولار على قوات الأمن الأفغانية على مدى العقد الماضي، وأدخلت واحدا من أفقر الجيوش على مستوى العالم إلى الحياة العصرية، واشترت بالمال سيارات وأسلحة جديدة للجيش الأفغاني. ومع ذلك، وفي الوقت الذي تتجه فيه القوات الأميركية إلى الخروج من الحرب ضد المتمردين وترك المهمة لأفراد الجيش الأفغاني والشرطة الأفغانية، يعتزم مسؤولون أميركيون تحديد القواعد العسكرية والموارد التي سيتم تسليمها إلى قوات الأمن الأفغانية، وتلك التي سيتم تدميرها أو تفكيكها وشحنها إلى الولايات المتحدة. إنه أمر مثير للجدل إلى الحد الذي يجعل القادة الأفغان يناقشونه مع المستشارين الأميركيين يوميا.

ويريد الأفغان نظارات الرؤية الليلية، وأسلحة ومعدات أثقل للكشف عن المتفجرات. ويقول قادة أميركيون إن هذه الطلبات مكلفة للغاية وغير ضرورية لتنفيذ المهام. ولعل المروحيات تكون هي أكثر ما يرغب فيه الجنود الأفغان. ولديهم حتى هذه اللحظة 31 طائرة مروحية، وهو عدد أبعد ما يكون عن العدد اللازم لتكوين الأسطول الكبير الذي تحافظ عليه القوات الأميركية. وفي ظل عدم وجود أي تأكيد من قبل الأميركيين على منح المزيد، هدد الرئيس الأفغاني حميد كرزاي بالحصول على طائرة من دول خارج حلف شمال الأطلسي.

ومع انخفاض عدد الطائرات الأميركية التي تحلق في سماء أفغانستان، تشهد تجارة الحمير ازدهارا مستمرا، إذ تنقل الحمير، التي تحولت من العمل في الحقل إلى العمل العسكري، كل ما يحتاجه الجنود من الأرز إلى الذخائر. وزارت القوات الأميركية خلال الأسبوع الماضي موقعا في الجبل يشغله جنود أفغان، ورأى الجنود مراهقين اثنين أفغانيين يقودان أربعة حمير. كان كل حمار يحمل 10 غالونات من المياه. ويتم إمداد الموقع القتالي الأساسي بما يحتاجه من مؤن بفضل الحمير فقط، بحسب معلومات الأميركيين.

وقال قمر الدين، أحد قادة الحمير الذي يبلغ من العمر 16 عاما «إنكم أغنى وأقوى دولة في العالم. بالطبع يمكنكم تحمل تكلفة شراء مروحيات. إن جل ما يسعنا فعله هو الاستعانة بالحمير». ولا يكشف عن اسم والده أو جده كعادة الكثير من الأفغان. وأضاف «لولا الحمير، لما بقي ما يسمى بالجيش الأفغاني».

ورغم أن هذا الحل يبدو بسيطا ومستداما، فإن قوافل الحمير لم تنج من الفساد، وشابت العملية بعض مظاهر عدم الفاعلية، وهو ما يشير إلى المشاكل اللوجيستية التي يعاني منها الجيش الأفغاني. ومع استعداد الأفغان إلى وراثة عدد كبير من القواعد، تحتاج جميعها إلى حمير بشكل يومي أو أسبوعي، ولا يوجد المال اللازم لدفع مستحقات أصحاب الحمير. وثبُت أن بيروقراطية الجيش الأفغاني الحديثة نسبيا تحول دون الاستفادة حتى من هذه الوسائل القديمة. ولم يحصل بعض أصحاب الحمير، وأغلبهم من المزارعين المحليين، على مقابل مادي لتأجير حميرهم لأكثر من عام. وظلت الطائرات الأميركية لسنوات تحمل المؤن إلى وادي بيش المضطرب، الذي يضم عددا كبيرا من المواقع الاستراتيجية، على حد قول قمر الدين الذي ينتظر الحصول على أجر توفير الحمير منذ تسعة أشهر ويفكر في التوقف عن ممارسة هذا العمل. وعندما صاح العقيد الأفغاني أشرف عند وصول قمر الدين إلى الموقع مع الحمير الأسبوع الماضي قائلا «نحن بحاجة إلى المزيد من المياه»، أجابه قمر الدين قائلا «حسنا، أنا بحاجة إلى اتفاق جديد». من جانبهم، خصص المستشارون الأميركيون جل وقتهم لحل مشكلة عدم حصول أصحاب الحمير على مستحقاتهم. ويعد هذا لغزا محيرا غير متوقع بالنسبة للقادة العسكريين الذي عادة ما يركزون على آلات الحرب العصرية. وقال المقدم براندون نيوتن، قائد القوة الخاصة للمحاربين حاملي الأسلحة الفتاكة في كونار «من كان يظن أن هذه الحرب ستنتهي باستئجار الحمير؟ أنا لم أتلق تدريبا على ذلك».

وأقر بعض المستشارين العسكريين الأميركيين بمفارقة الانتشار في واحدة من أخطر المناطق في أفغانستان من أجل حل مشكلة استئجار الحمير. ومع ذلك تظل «مشكلة الحمير»، كما تُعرف في بعض الأوساط العسكرية الأميركية، سببا مثيرا للحنق والغيظ وعلى قدر كبير من الأهمية لأن الفشل في حل هذه المشكلة قد يؤدي إلى توقف العمليات في مواقع عسكرية مهمة.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»