سيدات الإخوان يسعين لمواقع أكثر تقدما داخل الجماعة

ليبراليون: وصولهن للسلطة أخطر من عدم وصولهن

سيدتان من الأخوات المسلمات يهنئن بعضهن بعيد الأضحى المبارك (واشنطن بوست)
TT

إن اعتلاء جماعة الإخوان المسلمين سدة الحكم في مصر جلب معه مجموعة جديدة من السياسيات اللاتي يقلن إنهن عازمات على زيادة تولي المرأة للأدوار القيادية، ويرغبن في الوقت نفسه في إيجاد رؤية إسلامية شديدة المحافظة تجاه المرأة في مصر. وقد قفزت حقوق المرأة إلى واجهة الجدل الدائر في مصر في ظل كفاح أعضاء جمعية يغلب عليها التيار الإسلامي من أجل كتابة دستور جديد للبلاد. وأثارت قوة الإسلاميين، الذين سيطروا على الانتخابات البرلمانية الشتاء الماضي وأمسكوا بالرئاسة من خلال انتخاب الإخواني محمد مرسي هذا العام، قلق العلمانيين والليبراليين المصريين الذين يخشون من أن يفرضوا قيودا على حقوق المرأة والأقليات.

وتقول سيدات الإخوان إن الجماعة تفعل أكثر مما تفعله أي حركة سياسية أخرى في مصر من أجل تعزيز دور المرأة، وسط مشهد سياسي كان الرجال فيه دوما يمارسون احتكارا شبه تام، بحسب وكالة «أسوشييتد برس».

وتشير هؤلاء السيدات في ثقة ووضوح إلى أنهن يسعين إلى أن يكون لهن صوت أكبر داخل جماعة الإخوان نفسها وذراعها السياسية المتمثلة في حزب الحرية والعدالة، حيث القيادة بالكامل من الذكور. وما زال عدد السيدات اللاتي يتمتعن بمناصب بارزة في الحياة السياسية المصرية ضئيلا، مثلما كان الوضع في عهد الرئيس العلماني المخلوع حسني مبارك، ولكن في ظل العهد الجديد الذي تعيشه مصر، إذا كانت هناك سيدة تحتل منصبا عاليا، فهي على الأرجح عضوة في جماعة إسلامية، فقد عين الرئيس محمد مرسي 3 سيدات — 2 منهن إسلاميات — في فريق مستشاريه ومساعديه المكون من 21 عضوا، ومن بين 6 سيدات معينات في الجمعية التأسيسية للدستور التي تضم 100 عضو، هناك 3 عضوات من الإخوان.

وهؤلاء الإخوانيات تختلف رؤيتهن تماما عن رؤية الناشطين الليبراليين المدافعين عن حقوق المرأة، الذين يخشون أن تكون الإسلاميات الموجودات في السلطة أدوات لتنفيذ الأجندة الإخوانية المتمثلة في تطبيق تفسيرها المحافظ للشريعة. وقد ذكرت عزة الجرف، وهي واحدة من سيدات الإخوان داخل الجمعية التأسيسية للدستور، أن الدور «الأول» للمرأة في مصر هو «داخل البيت كزوجة وأم»، أما السياسة أو العمل فتأتي في المرتبة الثانية. وقالت في تصريحات إلى «الأسوشيتد برس»: «المرأة مسؤولة عن تربية الجيل الجديد... وهذا يعني أن مستقبل مصر في أيدينا». وأضافت السيدة، التي تبلغ من العمر 47 عاما وهي أم لـ 7 من الأبناء، أن دور المرأة في بيتها لا يتناقض بالضرورة مع مشاركتها في العمل السياسي، موضحة أنها توازن بين هاتين المسؤوليتين.

وقد انضمت عزة الجرف إلى الإخوان حينما كانت في الخامسة عشرة من عمرها، ومارست العمل الاجتماعي والتنظيم المجتمعي مع الجماعة، وهي ترى أن الحركات النسائية العلمانية منبوذة من المجتمع المصري المحافظ ذي الأغلبية المسلمة. ومضت السيدة المحجبة كمعظم المصريات المسلمات تقول: «نحن نتحدث نيابة عن الشارع. الشعب المصري شعب متدين ومؤمن جدا. إذا استمر (الليبراليون) في فصل الدين عن الحياة العادية، فإن الشعب لن يستمع إليهم».

وقد كانت عزة الجرف واحدة من بين 3 سيدات من حزب الحربة والعدالة الإخواني تم انتخابهن في أول برلمان تشكل بعد الثورة، والذي ضم أقل من 12 نائبة بين أعضائه الذين يقترب عددهم من 500 عضو. وقد تم حل هذا البرلمان، إلا أنها تنوي الترشح في الانتخابات البرلمانية الجديدة التي من المقرر أن تجري بمجرد التصديق على الدستور الجديد.

ويسابق الإسلاميون الذين يشكلون الأغلبية في جمعية صياغة الدستور الزمن في محاولة للانتهاء من إعداده خلال الأسابيع القادمة من أجل طرحه للاستفتاء، وإحدى أكبر المعارك الدائرة حوله تتعلق بمادة تحظى بدعم الإسلاميين تدعو إلى المساواة بين الرجال والنساء بما لا يخالف الشريعة، حيث يقول الليبراليون إن ذلك التناقض سوف يسمح للمحافظين المتشددين ذوي النفوذ بالتضييق بشدة على حقوق المرأة. وقد استقالت سيدة سابعة من أعضاء الجمعية — وهي الناشطة غير الإسلامية منال الطيبي في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي احتجاجا على تلك المادة وغيرها من المواد التي تخص المرأة.

ودافعت أميمة كامل التي ربما تكون الأكثر قوة بين سيدات الإخوان، وهي عضوة في فريق مستشاري مرسي وكذلك في التأسيسية عن هذه المادة، حيث ذكرت في لقاء أجري معها مؤخرا في التلفزيون المصري أنه من دون الصياغة، فإنه يمكن إسقاط بعض الحقوق التي تمنحها الشريعة للرجل وليس للمرأة، مثل حق الرجل في الزواج من 4 أو قوانين المواريث التي تعطي الرجل نصيبا أكبر من المرأة. وقد كانت قوانين تعدد الزوجات والمواريث هذه موجودة في عهد مبارك وفي معظم البلدان الإسلامية.

ورفضت أميمة كامل، وهي طبيبة لها من العمر 51 عاما، المخاوف التي تقول بأن المتشددين سوف يستغلون هذه المادة من أجل فرض قيود قاسية على المرأة، مؤكدة أن أحكام الشريعة «الثابتة والتي لا يوجد أي خلاف حولها» فقط، مثل تعدد الزوجات والمواريث، هي ما يمكن تطبيقه، كما أن هذه المادة مطلوبة أيضا لضمان عدم خضوع مصر للاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق المرأة، التي تقول إنها سوف تفرض «مساواة مطلقة» و«تجردنا من هويتنا كشعب متدين ويحترم الإسلام». واستطردت قائلة: «مثلما يخشى المنتمون إلى اليسار من أن يقول شخص منتم إلى اليمين يوما إن المرأة ينبغي أن تبقى في المنزل، فإن هناك أناسا في اليمين, أي المحافظين والإسلاميين, يخشون أن يتم إجبار مصر يوما على تنفيذ ما جاء في الاتفاقيات الدولية، مثل المساواة المطلقة».

وهناك قضايا أخرى تثير مشكلات بالنسبة لسيدات الإخوان، وخاصة قضية تشويه الأعضاء التناسلية للإناث، المعروف في مصر باسم «الختان» والذي ينتشر انتشارا كبيرا رغم صدور قانون بمنعه عام 2008. وقد نقلت وسائل الإعلام المصرية عن كل من عزة الجرف وأميمة كامل أنهما تحدثتا عن السماح بممارسة هذه العملية بدرجة معينة، إلا أن كلتاهما أنكرت لاحقا إصدار مثل هذه التصريحات، وهما الآن تحاذران في الحديث عن هذا الموضوع.

وصرحت عزة الجرف لـ «الأسوشيتد برس»: «لدينا مشكلات في التعليم والصحة والأمن. هذه القضايا (المتعلقة بالختان) لا تقلق أحدا، لدينا قضايا أكبر من ذلك»، وأشارت إلى قانون منع الختان بقولها: «أنا أحترم كل القوانين»، كما وصفت أميمة كامل هذه العملية بأنها «عادة سيئة» ينبغي معالجتها من خلال حملات التوعية. ومثل السياسيات الإخوانيات الأخريات، تقول أميمة كامل إنها مصممة على زيادة تولي المرأة لمناصب السلطة، وذكرت لـ «الأسوشيتد برس» إن جماعة الإخوان «تحاول أن ترسخ أحجار الأساس للطريق السليم نحو الديمقراطية» داخل حزبها السياسي، بما في ذلك إدخال المزيد من السيدات في القيادة. إلا أنها عقبت بأن هذا سوف يستغرق «بضعة أعوام»، لأن هناك حاليا قلة قليلة من السيدات ممن لديهن الخبرة السياسية التي تسمح لهن بالمنافسة على المناصب العليا داخل الحزب.

ويقول الليبراليون إن السيدات الإخوانيات هن مجرد غطاء رمزي لأجندة يعتبرونها تتعارض تعارضا عميقا مع حقوق المرأة، حيث قالت هدى بدران، وهي ناشطة كبيرة في مجال حقوق المرأة ورئيسة «الاتحاد النسائي المصري»، إن وصول الإخوانيات إلى السلطة «أكثر خطورة بكثير من عدم (وصولهن)، بالنظر إلى الأيديولوجية التي تسرن عليها». وأشار بهي الدين حسن، وهو مدير «مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان»، إلى أن عضوات جماعة الإخوان «لا يؤمن بمفهوم الحقوق الأساسية للمرأة... ليس لدينا أي شك في مدى التقدم الذي يمكننا أن نحققه من خلالها». وأكدت سالي ذهني، وهي عضوة مؤسسة بجماعة «بهية يا مصر» المحلية المدافعة عن حقوق المرأة، أن الدستور «قضية خأسرة» بالنظر إلى قدرة الإخوان على حشد الدعم الشعبي، ونبهت إلى ضرورة أن يعمل التيار الليبرالي على نشر رؤية بديلة بين المصريين. وختمت حديثها قائلة: «علينا أن نبدأ في الوصول إلى الناس، وبسرعة».