منتدى عالمي للوسطية بالقاهرة يثير خلافات بين قيادات التيار الديني

منظر الجماعة الإسلامية يحذر من «الانحدار للتشدد» وتكرار تجربة طالبان بمصر

TT

حذر منظر الجماعة الإسلامية بمصر الدكتور ناجح إبراهيم من «الانحدار للتشدد» وتكرار تجربة طالبان أفغانستان في البلاد، داعيا إلى ضرورة تربية أبناء الحركة الإسلامية على الحياة الحزبية. وأظهرت كلمات ألقتها أمس قيادات للتيار الديني من مصر ودول عربية في مؤتمر بالقاهرة عن «الوسطية» تباين الرؤى بشأن دعوات «الحكم بالشريعة الإسلامية».

وشهدت القاهرة أول من أمس مظاهرة حاشدة رفعت فيها تيارات إسلامية متشددة الرايات السوداء المشابهة لرايات تنظيم القاعدة، وطالبوا بتطبيق الشريعة الإسلامية، ضمن تحركات تصعيدية من المتشددين، منذ سقوط نظام الرئيس السابق حسني مبارك. وعلى الرغم من انتماء الرئيس الحالي محمد مرسي لجماعة الإخوان، وهيمنة التيار الإسلامي على الجمعية التأسيسية لصياغة الدستور الجديد، فإن قطاعا من الإسلاميين يطالب بالتشدد في نصوص الدستور لتطبيق «حكم الله»، ويعلن جانب منهم رفضه للديمقراطية والدولة المدنية والعلمانية والليبرالية باعتبارها «كفرا».

وأثارت الكلمة التي ألقاها الدكتور إبراهيم في مؤتمر المنتدى العالمي للوسطية جدلا في الأوساط السياسية والدينية، خاصة بعد أن قال إن «الإسلاميين يزايدون على الرئيس مرسي بضرورة تطبيق الشريعة الآن والنص على ذلك في الدستور الجديد للبلاد»، وقوله إنه «لا قيمة لإقرار الشريعة في الدستور لو لم تسكن النفوس والقلوب لأنها ستكون حينئذ حبرا على ورق».

وحذر ناجح إبراهيم من تكرار تجربة طالبان في مصر. وطالب بضرورة تربية أبناء الحركة الإسلامية على الحياة الحزبية، قائلا إن الوطن قبل الجماعة وقبل الفصيل. وشدد إبراهيم على ضرورة تجنب تكرار تجربة طالبان التي قالت إن «عقلية الدولة بعقلية الجماعة»، مضيفا أن «الفكر الوسطي هو المنقذ، فمصر ستنحدر بسبب الفكر التكفيري، الذي انتشر بعد ثورة 25 يناير (كانون الثاني)».

وأطلق المنتدى العالمي للوسطية مؤتمره تحت عنوان «الإسلاميون وتحدي السلطة» أمس ولمدة يومين بحضور دعاة وعلماء دين من تركيا والأردن واليمن وتونس والكويت، بينهم راشد الغنوشي زعيم حركه النهضة الإسلامية بتونس، والدكتور طلعت عفيفي وزير الأوقاف المصري، القادم من التيار السلفي. ويهدف منظمو المؤتمر إلى طرح الرؤى الإسلامية في ظل الأحداث الراهنة في بلدان الربيع العربي وموقف الحركات الإسلامية من المعارضة السياسية والفكرية، بالإضافة إلى طرح رؤية انتقال الإسلاميين من فكر الدعوة إلى مفهوم الدولة.

وقال ناجح إبراهيم، خلال كلمة له في المؤتمر «يجب على الحركات الإسلامية أن تنزل من عالم النظرية إلى عالم التطبيق، ومن دنيا الشعارات إلى عالم الواقع»، لافتا إلى أن تطبيق الشريعة يأتي بالتدرج، والتدرج يكون بالتطبيق وليس بالحلال والحرام، مشيرا إلى أن تطبيق الحدود يكون آخر ما يطبق في الشريعة، حيث إن معظم الشريعة مسؤولية المجتمع، وبعضها يتبع على الحاكم مثل الأحكام السيادية ومنها الحدود.

واعتبرت قوي وطنية وليبرالية أن كلام ناجح إبراهيم يكشف عن عدم وجود توافق بين الأطراف داخل التيار الإسلامي الواحد حول مسألة تطبيق الشريعة، فضلا عن الانشقاق الواضح بين الإسلاميين داخل الجمعية التأسيسية وفي الشارع؛ لكن قياديا في الجماعة الإسلامية (فضل عدم ذكر اسمه) رفض التعليق على كلام ناجح إبراهيم، وقال لـ«الشرق الأوسط»، إن «هذا هو رأيه ولا يعبر عن رأي الجماعة بالكامل».

وأثير خلاف بين القوى السياسية المصرية على مدار الشهور الماضية ومنذ بداية الجمعية التأسيسية المنوط بها إعداد أول دستور للبلاد في عملها حول المادة الخاصة بالشريعة في الدستور التي تنص في الدستور السابق على أن «مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع»، حيث طالبت قوى سلفية والجماعة الإسلامية بضرورة تغيير كلمة «مبادئ» في الدستور الجديد إلى «أحكام»؛ إلا أن الأزهر الشريف وقوى ليبرالية اعترضت على ذلك وأصرت على الإبقاء على نص المادة كما هو.

وقال الدكتور إبراهيم في كلمته إن «هناك عدة تحديات يتوجب على الإسلاميين القيام بها، بعد وصولهم إلى السلطة الآن، وعلى رأسها ضرورة أن ينتقلوا من الدعوة إلى الدولة، ومن الجماعة إلى الدولة أيضا، ففي الجماعة تستطيع أن تطرد أحد المعارضين لك، لكن في الدولة لا تستطيع طرده». وأضاف إبراهيم «يجب أن يقدم الإسلاميون نموذجا حسنا للحوار مع شركاء الوطن من كل الفئات والتيارات الأخرى، وأن يبتعدوا عن الاستعلاء والتعصب»، مشيرا إلى أن معظم الحركات الإسلامية تميل إلى التحريم والتشدد قبل التحليل، مضيفا أنه «لا قيمة لإقرار الشريعة في الدستور لو لم تسكن النفوس والقلوب لأنها ستكون حينئذ حبرا على ورق».

وقال الدكتور عبد الخالق الشريف، عضو مجلس شورى «الإخوان»، إن «الجماعة تعتبر التيار الإسلامي الوحيد الذي يمتلك تصورا كاملا للدولة الإسلامية، وأنها تهتم بإعادة الأخلاق إلى المجتمع». وفي كلمته، قال الدكتور عبد الفتاح مورو، أحد مؤسسي حركة النهضة في تونس، إن «مصر دولة وطنية ذات حدود ولا فضل لإخواني أو سلفي عليها».

من جانبه، أوضح الدكتور حسن الحيوان، الأستاذ بالجامعة الأميركية بالقاهرة، خلال كلمته، أن «الإسلاميين بالأغلبية والقوى العددية لن يستطيعوا إلغاء الأطراف الأخرى المشاركة في الدولة»، مطالبا التيارات الإسلامية باستبدال كلمة مرجعية شعبية بمرجعية إسلامية، قائلا «التيار الديني الإسلامي الوحيد الذي لديه مرجعية شعبية، لأنه ممثل الأغلبية، وعليه أن يطالب بها بدلا من كلمة المرجعية الدينية حتى يكون لديه المنطق في مطالبته وحتى لا ينتقده أحد».