صدمة في واشنطن بعد استقالة بترايوس بسبب علاقة عاطفية مع كاتبة سيرته

تحقيقات المباحث حول اختراق محتمل في «سي آي إيه» وراء كشف الفضيحة

بترايوس يؤدي القسم أمام زوجته هولي ونائب الرئيس بايدن بوصفه مديرا جديدا لـ«سي آي إيه» في البيت الأبيض في 6 سبتمبر 2011 (أ.ف.ب)
TT

صدم نبأ استقالة مدير وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) ديفيد بترايوس واشنطن أمس بسبب علاقة خارج إطار الزواج، مما ينهي حياته المهنية الناجحة ويجعل بريق بطل حرب العراق يخبو.

وقد قبل الرئيس باراك أوباما استقالة بترايوس خلال اتصال هاتفي بينهما بعد ظهر الجمعة قبل أيام من جلسة للجنة الاستخبارات في مجلسي الشيوخ والنواب للاستماع لإفادته في مسألة الهجوم على القنصلية الأميركية في بنغازي. وقال الجنرال بترايوس في رسالة بعث بها إلى العاملين في الوكالة: «بعد ظهر (الجمعة) توجهت إلى البيت الأبيض وطلبت من الرئيس قبول استقالتي من منصب مدير الـ(سي آي إيه) لأسباب شخصية». وأشاد أوباما في بيان بعمل ديفيد بترايوس الذي «خدم الولايات المتحدة منذ عقود بشكل رائع» و«جعل البلاد أكثر أمانا وقوة».

وأكد مسؤول أميركي أن قرار الاستقالة اتخذه بترايوس شخصيا. وقال بترايوس في رسالته إلى الموظفين: «بعد زواج استمر أكثر من 37 سنة، تصرفت بسوء تقدير هائل عبر إقامتي علاقة خارج إطار الزواج»، مؤكدا أنه «تصرف غير مقبول لا كزوج ولا كمسؤول في مؤسسة مثل مؤسستنا».

ولم تكشف رسميا هوية المرأة التي أقام معها بترايوس هذه العلاقة، لكن وسائل الإعلام الأميركية نقلت عن مصادر في مكتب التحقيق الفيدرالي (إف بي آي)، طلبت عدم الإشارة إلى أسمائها، أن بولا برودويل، الصحافية في الاحتياطي العسكري التي كتبت كتابا عن حياة بترايوس، هي المرأة التي أقام معها علاقة تسببت في استقالته. وكشف هؤلاء المسؤولون عن أن مكتب «إف بي آي»، وفي نطاق مهامه، يراقب العاملين لديه ولدى مؤسسات خاصة وحكومية، بما في ذلك وكالة «سي آي إيه». وحسب المصادر نفسها، فإن هذه المراقبة قد كشفت العام الماضي عن تبادل رسائل إلكترونية بين بترايوس وبرودويل. في البداية، ركز مكتب «إف بي آي» على احتمال تسرب معلومات سرية من «سي آي إيه»، وعلى الرسائل التي كتبتها برودويل نفسها إلى آخرين، غير بترايوس، بمن فيهم أصدقاؤها ومعارفها. ثم إن برودويل، بسبب كتاباتها في المواضيع الاستخباراتية، كانت تحت مراقبة «إف بي آي» منذ سنوات، وإن التحقيقات زادت بعد تسرب معلومات سرية عن الحرب في أفغانستان عندما كان بترايوس قائدا للقوات الأميركية هناك.

وحسب هؤلاء المسؤولين، فإنه لم يظهر موضوع العلاقة الجنسية بين بترايوس وبرودويل إلا لاحقا، وإن قلق مكتب «إف بي آي» لم يكن عن العلاقة الجنسية بقدر ما كان عن احتمال اختراق «سي آي إيه». ويبدو أن قلق مكتب (إف بي آي) كان أيضا من احتمال حدوث اختراق حتى من أصدقاء ومعارف برودويل.

وأفادت مصادر إخبارية أميركية بأن استقالة بترايوس كانت مفاجأة للرئيس أوباما نفسه، رغم أن العلاقة بين الرجلين ظلت متوترة منذ أن صار أوباما رئيسا سنة 2009.

وباستقالته، سيكون الجنرال بترايوس الذي تنحى من الجيش ليتولى إدارة وكالة الاستخبارات المركزية، قد أمضى سنة ونصف السنة مديرا لوكالة «سي آي إيه». وتأتي استقالة بترايوس بينما يفترض أن تستمع لجنة الاستخبارات في مجلسي الشيوخ والنواب لإفادته في مسألة الهجوم على القنصلية الأميركية في بنغازي، وخصوصا حول ما كانت وكالة الاستخبارات تعرفه، وفشلها في ضمان أمن الدبلوماسيين رغم وجودها الكبير هناك. لكن هذه الإفادة سيقدمها بعد استقالة بترايوس، مايكل موريل الذي سيتولى إدارة الـ«سي آي ايه» بالنيابة. وأكد أوباما ثقته في موريل.

وقال بروس ريدل المسؤول السابق في «سي آي إيه» الذي يعمل حاليا محللا في مركز «بروكينغز إنستيتيوت»، إن المستشار الحالي لأوباما لمكافحة الإرهاب جون برينان من الشخصيات المطروحة لتولي الإدارة العامة لوكالة الاستخبارات خلفا لبترايوس. وأوضح ريدل أن برينان الذي طرح اسمه في السابق لهذا المنصب «صاحب خبرة ويتمتع بثقة الرئيس».

وقال رئيس الإدارة الوطنية للاستخبارات جيمس كلابر إن «قرار ديفيد الاستقالة يشكل خسارة لأحد موظفينا الذين يتمتعون باحترام كبير في البلاد». وتشرف الإدارة الوطنية للاستخبارات على 16 وكالة للاستخبارات في البلاد بينها «سي آي إيه».

ويخشى محللون من أن استقالة بترايوس تهدد الاستقرار الذي تريده وكالة «سي آي إيه»، ومهام التنسيق والاتصال الجارية بينها وبين وكالات الاستخبارات الأخرى، كما تهدد باحتمال تخفيض ميزانيتها في ظل الأزمة الاقتصادية. وظلت ميزانية وكالة الاستخبارات المركزية ثابتة ولا تتغير إلا بالزيادة، منذ عشر سنوات تقريبا.

كان بترايوس وصل إلى مقر «سي آي إيه» في لانغلي وقد سبقته سمعته كبطل في الحرب في العراق وقائد التحالف الدولي في أفغانستان، وهو يتمتع بشعبية كبيرة واهتمام إعلامي. وقد اعتبر تعيينه على رأس وكالة الاستخبارات نتيجة طبيعية للتقارب في السنوات الأخيرة بين المهمات التي كان يعهد بها تقليديا إلى القوات الخاصة والمهمات السرية التي تكلف بها «سي آي إيه». ورأى مراقبون عدة يعتقدون أنه كانت لديه طموحات سياسية مع أنه نفى ذلك مرارا، أن تعيينه على رأس «سي آي إيه» كان وسيلة لدى البيت الأبيض لإجباره على التزام الصمت. ومع أنه لم يمض أكثر من سنة ونصف في منصبه الأخير، قال ريدل إن بترايوس «بدأ يجعل (سي آي إيه) تعيش في عالم ما بعد 11 سبتمبر (أيلول)» بمواصلة مهمتها في مكافحة الإرهاب، لكن مع العودة إلى مهامها التقليدية.