حصار بلدة حارم.. اختبار لوحدة المعارضة السورية وتنظيمها

الأساليب التكتيكية الجديدة قللت من معدل الخسائر في صفوف الثوار

رجال يتحدثون إلى عائلات سورية في مخيم بلدة سيلانينار التركية (رويترز)
TT

في خيمة وسط أشجار الصنوبر وتحت مياه الأمطار الغزيرة عكف رجلان على رسم خريطة على الأرض الموحلة وربما استخدما عقب سيجارة وحجرا وعلبة تونة في تحديد بعض الأهداف وسط علامات متناثرة على الخريطة.

كان الرجلان أشبه بمدربي كرة قدم يعدان خطة اللعب في إحدى المباريات. ولكن في سوريا هما يخططان للحرب.

ركض مقاتلون إلى داخل الخيمة للاحتماء بها من الأمطار الغزيرة وصاحوا يطلبون ذخيرة ووسيلة لنقل الجرحى. وعلى بعد امتزج صوت الرعد بأصوات قذائف المورتر.

رفع القائدان صوتيهما ليتغلبا على الضجيج المحيط بالخيمة، وهما يبحثان بعض الأساليب التكتيكية للسيطرة على بلدة حارم التي تحاصرها قواتهما من مقاتلي المعارضة. ونجاحهما ينطوي على مكاسب كبيرة ليس فقط لأن هذه البلدة الواقعة على الحدود التركية تتحكم في طريق استراتيجي إلى حلب، ولكنه بمثابة اختبار لجهود المعارضة من أجل تنظيم أفضل لصفوف المتطوعين غير المدربين.

وصاح أبو أسامة، أحد الرجلين الجالسين في وحدة القيادة التي أغرقتها الأمطار قائلا لزميله باسل عيسى وهما يعدان خطة منسقة لألويتهما المقاتلة: «اسمع يا باسل، ظلت هذه الثورة غير منظمة وعشوائية لما يزيد على عام حتى الآن. حان الوقت للبدء في توحيد استراتيجياتنا».

كان ذلك منذ أسبوعين تقريبا عندما بدأ فريق من «رويترز» في رصد الحصار المفروض على حارم والذي بدأ في منتصف أكتوبر (تشرين الأول). وفي الوقت الحالي تتحصن قوات الرئيس السوري بشار الأسد في القلعة التي يرجع تاريخها إلى العصور الوسطى في حارم، بعد أن أخرجها مقاتلو المعارضة من باقي أنحاء البلدة بعد قتال في المنازل والشوارع. وتواصل نيران القنص والهجمات الجوية التي تشنها القوات السورية في أحداث خسائر بصفوف المعارضين المحاصرين للبلدة وعددهم 500 تقريبا، والذين يتعاملون بدورهم بلا هوادة مع بعض الأسرى الذين شاهد فريق «رويترز» أحدهم وهو يسقط قتيلا بنيرانهم.

وفي الوقت الذي التقى فيه معارضو الأسد ومؤيدوهم من الغربيين والعرب والأتراك في قطر الأسبوع الماضي سعيا وراء تحقيق وحدة الصف الصعبة، كان قياديو مقاتلي المعارضة في حارم يكافحون من أجل تشكيل قوة واحدة مدربة ومنضبطة يمكن أن تقلل مخاوف القوى الأجنبية من أن يؤدي إمداد جماعات مغمورة بالسلاح إلى مزيد من إراقة الدماء أو إشهار الأسلحة في وجه مانحيها.

ولم يتضح بعد ما إذا كانت المعارضة ستنجح في توحيد الصف. وبدا قادتها السياسيون منقسمين كعادتهم في الدوحة مما أحبط حلفاء مثل وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون التي دعت لتوحيد المعارضة وإعطاء صوت أقوى «لمن يحاربون ويموتون على الجبهة».

وقد أظهر القتال في حارم أن مقاتلي المعارضة تحت قيادة منشقين عن جيش الأسد أمثال أبو أسامة، هم أكثر براعة في المناورة من قوات الجيش السوري الأفضل تسليحا. غير أنه يظهر أيضا مدى قوة السلاح خاصة القوة الجوية التي يستعين بها الأسد للدفاع عن حكمه في مواجهة الانتفاضة التي اندلعت ضده قبل 19 شهرا وتحولت الآن إلى حرب أهلية. وانضم أبو أسامة وهو ضابط مدفعية إلى معركة حارم ممثلا للقيادة المشتركة للمجالس العسكرية، وهي مجالس ذات هيكل قيادي معقد، لكنها تقول إنها تهدف إلى استخدام التمويلات والأسلحة التي يأتي معظمها على ما يبدو من دول الخليج للسيطرة على الانتفاضة برمتها. وفي ظل الافتراض بأن القيادة ليست سهلة لاقت تلك المجالس العسكرية تشككا من بعض مقاتلي المعارضة، بينما رفضها آخرون رفضا تاما. ومن قبل لم يكن من شأن المحاولات الرامية إلى اقتحام دفاعات بلدة - مثل حارم التي كانت ذات يوم ثكنة للفرسان الصليبيين - سوى إحداث مزيد من الخسائر في أرواح المعارضين الذين قتل منهم عشرات الآلاف في صراع بدأ مع احتجاجات الربيع العربي العام الماضي. ولكن مع وضع خطة جديدة الآن يشرف عليها ضباط جيش مدربون من المجالس العسكرية المشتركة يتم فرض حصار محكم. ويقول مقاتلو المعارضة إن الأساليب التكتيكية الجديدة قللت من معدل الخسائر في صفوفهم، حتى وإن كان رجال الأسد يقاتلون من أجل النجاة بحياتهم في القلعة التي يتحصن بها نحو 400 جندي وفرد من ميليشيات الشبيحة الموالية للأسد.

كانت معظم شوارع حارم خاضعة لسيطرة مقاتلي المعارضة بحلول الأيام الأولى من نوفمبر (تشرين الثاني) حيث أعلنوا تحرير البلدة وبدأوا في توزيع الأرز والزيت والمعكرونة والمياه على الأسر التي تقطعت بها السبل في منازلها أثناء القتال.

ولا تعتمد المجالس العسكرية المشتركة على خبرتها فقط‘ بل تقول إنها تملك المال أيضا بما يكفي لدفع 150 دولارا في الشهر لمقاتلين في وحدات تعترف بقيادتها.

وقال برهان غليون، وهو من زعماء المعارضة السورية في المنفى لـ«رويترز» في الدوحة إن التمويل يجيء من دول عدة تؤيد المعارضة. وفي بداية الصراع السوري كان كثير من السوريين يتفاخرون بإعلان ولائهم لأحد الطرفين. ولكن معظم سكان حارم اليوم لا يتحدثون سوى عن المعاناة والرغبة في انتهاء الصراع. وتساءل رجل يدعى أبو خالد كان جالسا في منزله مع ثلاث فتيات من أقاربه يراقب مقاتلي المعارضة من النافذة في صمت «هل أتذكر حتى إلى أي جانب أنحاز.. أريد أن يرحل بشار حتى يمكننا إنهاء هذا الوضع. إنها حرب أهلية حيث نرى أشقاءنا يقتلون بعضهم البعض في الشوارع». وشكت الفتيات الثلاث من الفوضى التي أحدثها مقاتلو المعارضة المتحصنين في الغرفة. ولكن أبو خالد رد على انتقاداتهن قائلا: «هذه خسائر بسيطة. انظرن من النافذة. نشاهد جيلا بأكمله يزول».