التحقيقات: رسائل إلكترونية تتضمن تهديدات بدافع الغيرة كانت وراء سقوط بترايوس

تزايد تشعبات المؤامرة المحيطة باستقالة مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية

صورة التقطت في العام 2011 للجنرال بترايوس مع كاتبة قصة حياته بولا برودويل
TT

جاء انهيار مسيرة الحياة المهنية الرائعة لمدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، ديفيد بترايوس، مدفوعا بقيام امرأة ربطته علاقة عاطفية بها بإرسال رسائل بريد إلكتروني تهديدية لامرأة أخرى مقربة منه، بحسب ثلاثة مسؤولين في تطبيق القوانين لديهم معلومات عن الحادثة.

أصيبت متلقية رسائل البريد الإلكتروني بحالة من الذعر الشديد، إلى حد أنها توجهت لمكتب التحقيقات الفيدرالي طلبا للحماية والمساعدة في تعقب السيدة التي بعثت بالرسائل، بحسب المسؤولين. وتوصل التحقيق الذي أجراه مكتب التحقيقات الفيدرالي إلى أن التهديدات موجهة من بولا برودويل، المسؤولة العسكرية السابقة وكاتبة السيرة الذاتية لبترايوس، وكشف عن رسائل بريد إلكتروني صريحة متبادلة بين برودويل وبترايوس، بحسب المسؤولين.

حينما كشف النقاب عن اسم بترايوس ساورت المحققين بمكتب التحقيقات الفيدرالي مخاوف من أن يكون قد تم اختراق حساب البريد الإلكتروني الشخصي لمدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، وأن يكون هناك تهديد للأمن القومي. وقال المسؤولون إن المزيد من التحقيقات، التي شملت مقابلات مكتب التحقيقات الفيدرالي مع برودويل وبترايوس، قد قادت إلى اكتشاف أن الاثنين كانا مرتبطين بعلاقة عاطفية.

لم يتم الإفصاح عن هوية السيدة التي تلقت رسائل البريد الإلكتروني، كما أنه ليس من المعروف طبيعة علاقتها ببترايوس. وقال المسؤولون إن المرأة لم تعمل بوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، كما أنها ليست هولي، زوجة بترايوس. وأوضح مسؤولو تطبيق القوانين أن رسائل البريد الإلكتروني تشير إلى أن برودويل تنظر للمرأة الأخرى بوصفها تهدد علاقتها ببترايوس.

لقد باءت محاولات الوصول لبرودويل وأقاربها بالفشل، كما أنها لم تدل بتصريح عام منذ أن تم الكشف عن ارتباطها ببترايوس يوم الجمعة الماضي. وتحدث المسؤولون الثلاثة الذين وصفوا الدافع لإجراء التحقيق مشترطين عدم الكشف عن هويتهم نظرا لأن التحقيق ما زال جاريا.

وأعلن بترايوس، اللواء المتقاعد الذي يحمل أربع نجوم والذي كان مرشحا رئاسيا محتملا، يوم الجمعة استقالته من منصبه كرئيس لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية بسبب إقامته علاقة غير شرعية خارج إطار الزواج. يذكر أن بترايوس متزوج منذ 38 عاما، ولديه ابن وابنة، على الرغم من أنه ذكر في بيان استقالته الذي تقدم به لزملائه في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية أنه متزوج منذ «أكثر من 37 سنة».

وفي رسالة بريد إلكتروني أرسلها إلى صديق قديم عشية يوم الجمعة، أعرب بترايوس عن أسفه لأنه قد خيب أمل أسرته وبلده. وقال الصديق، الذي وصف محتويات رسالة البريد الإلكتروني مشترطا عدم الكشف عن هويته، إن بترايوس قد أعرب عن أسفه العميق في الرسالة. قال الصديق «كان يشعر بأسف شديد بسبب الألم الذي سببه لأسرته. وذكر أيضا أنه كان يحب وظيفته بالوكالة. وقال إنه استمتع بحق بالتحدي الكبير الذي خاضه هناك».

ظهرت تفاصيل أخرى يوم السبت تشير إلى أن الاتهامات الموجهة لبترايوس أصبحت دراما سرية عشية الانتخابات بالنسبة لإدارة أوباما. في ذلك المساء، أخطرت وزارة العدل مدير جهاز الاستخبارات الوطنية، جيمس كلابر، بأن التحقيق الذي أجرته قد كشف عن معلومات مخزية تتعلق بمدير وكالة الاستخبارات المركزية، بحسب مسؤول استخباراتي أميركي رفيع المستوى.

بعدها، تحدث كلابر مع بترايوس وحثه على الاستقالة، مخطرا البيت الأبيض في اليوم التالي. لقد أصبح ذلك التسلسل في الأحداث مصدر جدل، مثيرا تساؤلات بين بعض أعضاء الكونغرس حول سبب عدم إخطار لجان استخباراتية رئيسية في وقت سابق وسبب انتظار مكتب التحقيقات الفيدرالي قبل إخطار الإدارة بشأن تحقيق كشف عن تفاصيل محرجة ذات صلة برئيس وكالة الاستخبارات المركزية.

لم يقدم مسؤولو تطبيق القوانين جدولا زمنيا للتحقيق، لكنهم أشاروا إلى أن التحقيق بدأ قبل عدة أشهر. وأشاروا إلى أن المحققين ظنوا أنهم كانوا يتعاملون مع قضية تحرش روتينية إلى أن تم اكتشاف رسائل موجهة إلى حساب البريد الإلكتروني الشخصي الخاص ببترايوس، مما قاد إلى مخاوف تتعلق بانتهاكات محتملة للأمن القومي، بحسب المسؤولين. ومع استمرار التحقيق وظهور المزيد من الأدلة على السطح، من بينها أدلة تتعلق بدور برودويل، أدرك محققو مكتب التحقيقات الفيدرالي أنهم قد أزاحوا الستار عن علاقة غير شرعية بين بترايوس وبرودويل، بحسب المسؤولين.

وأشارت رسائل البريد الإلكتروني التي بعثت بها برودويل إلى أنها تظن أن المرأة الأخرى سوف تصبح على علاقة ببترايوس، بحسب المسؤولين. وذكروا أن رسائل البريد الإلكتروني كانت «تهديدية»، لكنها لم تكن محددة بالدرجة الكافية بحيث تبرر توجيه اتهامات جنائية.

وقال أحد المسؤولين إن متلقية رسائل البريد الإلكتروني تقدمت بشكوى لبترايوس بشأن تلك الرسائل، وإن مكتب التحقيقات الفيدرالية حصل لاحقا على رسائل بريد إلكتروني متبادلة بين بترايوس وبرودويل ناقشا فيها ذلك الأمر. وبحسب المسؤولين، أجرى المحققون مقابلة مع بترايوس قبل نحو أسبوعين، وقاموا بمراجعة الأدلة معه، لكنهم لم يلمحوا إلى أنه يجب أن يستقيل أو أنه ستتم إدانته بإحدى الجرائم.

وقال أحد المسؤولين إن مسؤولي وزارة العدل لم يتوصلوا على وجه التحديد إلى الخطوات التي سيتخذونها بعد أن توصلوا إلى أنه لن توجه أي اتهامات إلى مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية أو برودويل، وأنه لم يكن هناك أي انتهاك للأمن القومي. وتحدث أحد المسؤولين قائلا «ماذا كانت مسؤوليتنا؟ كنا في منطقة لم نذهب إليها من قبل».

أخيرا، جاء الإخطار عشية الثلاثاء، بينما كانت صناديق الاقتراع ما زالت مفتوحة عبر أنحاء الدولة في انتخابات أسفرت عن ترشح الرئيس أوباما لفترة رئاسة ثانية مدتها أربع سنوات. وقال مسؤول استخباراتي أميركي رفيع المستوى «علم المدير كلابر بالموقف من مكتب التحقيقات الفيدرالي عشية الثلاثاء نحو الساعة الخامسة مساء». وأضاف «وفي محادثات لاحقة مع بترايوس، نصحه كلابر بتقديم استقالته».

رفض المسؤول تحديد ما إذا كان بترايوس قد فكر في تقديم استقالته في تلك المرحلة أم لا، لكنه قال إنه كان صريحا جدا مع كلابر، حينما أخبره بأن الاستقالة تعتبر «الإجراء الصائب». وقال المسؤول إنه قد تم إطلاع كلابر بشكل كامل على تحقيق مكتب التحقيقات الفيدرالي، ولم يطالب مكتبه أو وكالة الاستخبارات المركزية بإجراء تحقيق لاحق أو تقييم للخسائر - بما يشير إلى أن كلابر لا ينظر للواقعة بوصفها تهديدا أمنيا.

«لا توجد أي تحقيقات أخرى» بدأها مكتب التحقيقات الفيدرالي، هذا ما قاله المسؤول الاستخباراتي، الذي تحدث مشترطا عدم الكشف عن هويته نظرا لحساسية القضية. ولم يوضح المسؤول سبب عدم إخطار مكتب مدير الاستخبارات الوطنية وآخرين في وقت سابق بالتحقيق الذي يجريه مكتب التحقيقات الفيدرالي وارتباطه ببترايوس.

وتشير التفاصيل التي تم الكشف عنها إلى أن بترايوس لم يكن مقحما في قرار إخطار البيت الأبيض بأنه محور تحقيق يجريه مكتب التحقيقات الفيدرالي. وكان كلابر هو من أخطر البيت الأبيض في وقت متأخر من يوم الأربعاء، مع علم أوباما بالأمر بعد ذلك بيوم. ودافع مسؤول إدارة رفيع المستوى عن قرار عدم إخطار الرئيس في وقت سابق، قائلا إن طاقم العمل «كان بحاجة إلى التحقق من إلمامه الصحيح بتفاصيل الموضوع قبل إخطار أوباما، الذي عاد من جولته الانتخابية في شيكاغو عشية الأربعاء».

استدعى أوباما بترايوس إلى البيت الأبيض يوم الخميس، ثم «اتخذ القرار بمفرده بين عشية وضحاها» بقبول استقالة مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، بحسب المسؤول. «كان بترايوس واضحا في عزمه على الاستقالة»، هذا ما ذكره المسؤول، ولم يكن «يتطلع إلى أن يقنعه أحد بالعدول عن قراره». في صباح يوم الجمعة، أخطر أوباما فريقه رفيع المستوى، ثم أجرى اتصالين، أولا ببترايوس، ثم بالرجل الذي يعمل الآن مديرا لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، مايكل موريل.

رفض مسؤولو وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية مناقشة كيف انكشفت الأحداث داخل مقر الوكالة، غير أن مسؤولا استخباراتيا أميركيا رفيع المستوى قال «إن هذا كان تصريحا مفاجئا على المستويين الداخلي والخارجي».

لقد توقف بترايوس بالفعل عن النهوض بمسؤولياته كمدير وبدأ مرحلة انتقالية سوف تحدد، إلى جانب أشياء أخرى، درجة الأمن الشخصي التي سينعم بها كمواطن من نوع خاص. فيما ذكر البيت الأبيض ومسؤولون استخباراتيون مجددا يوم السبت أنه لم تكن هناك صلة بين استقالة بترايوس والجدل الذي يكتنف حادثة وفاة أربعة أميركيين في ليبيا في سبتمبر (أيلول) الماضي.

غير أن توقيت رحيل بترايوس والقرار الواضح الذي اتخذه مكتب التحقيقات الفيدرالي بالاحتفاظ بالمعلومات المتعلقة بالتحقيق، أصبح موضع تساؤلات وانتقادات من جانب كابيتول هيل. وقال معاونون رفيعو المستوى بمجلس الشيوخ إن لجنة الاستخبارات التابعة لمجلس الشيوخ لم تعلم بالأمر حتى يوم الجمعة، قبل ساعات فقط من إعلان قرار استقالة بترايوس. حتى في ذلك الحين، جاءت الكلمة الأولى من تقارير إخبارية، مما حفز اللجنة على الضغط على البيت الأبيض ووكالة الاستخبارات المركزية بحثا عن تفسيرات.

بموجب القانون، تلزم الوكالات بإخطار اللجان بالتطورات الاستخباراتية المهمة. وقد تساءل البعض حول كيفية عدم توافر الشروط المطلوبة في تحقيق كشف عن معلومات مخزية تتعلق بمدير الاستخبارات المركزية الأميركية.

وقال المسؤول الاستخباراتي الأميركي رفيع المستوى «هذه مسألة شخصية جدا، وليست مسألة استخباراتية. هناك بروتوكولات لهذا. أتخيل أن الأشياء يجب أن تجتاز عتبة محددة قبل أن تكون صالحة للنشر».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»