البقاء في الظل مصير السيدة الأولى للصين رغم شهرتها كمغنية

لا تحظى بالأضواء ولا تقدم الدعم لزوجها على طريقة ميشيل أوباما

المغنية بينغ ليوان تغيب عن المشهد السياسي (واشنطن بوست)
TT

من المرجح أن تغيب بينغ ليوان عن المشهد السياسي خلال الأسبوع المقبل، وهو الموعد المتوقع لتقديم زوجها بصفته الزعيم الجديد للصين. ولن تتصدر صورها الصحف، ولن يذكر أحد اسمها أثناء التغطية المثيرة التي يقوم بها تلفزيون الدولة للتحول في قيادة البلاد الذي لا يحدث سوى مرة واحدة كل عشر سنوات. هذا هو قدر السيدة الأولى في الصين، حيث لا تقدم الدعم لزوجها على طريقة ميشيل أوباما، ولا تحظى بالبريق على طريقة جاكلين كنيدي؛ بل من المتوقع أن يضرب عليها ستارا من السواد مثل الذي يضرب على كل شيء يتعلق بالقادة في الصين. مع ذلك إذا كان بمقدور أحدهم كسر هذا التقليد، ستكون بينغ، إحدى أشهر مغنيات الأغاني الشعبية في الصين. لقد غطت شهرة بينغ خلال أكثر سنوات زواجها من نائب الرئيس الصيني الحالي، زي جينبينغ، على شهرته. وحظيت بإعجاب مئات الملايين بأدائها السنوي في عرض رأس السنة على شاشة تلفزيون الدولة بوصفها عضوا مدنيا في الفرقة الموسيقية التابعة للجيش الصيني. ويقول من قابلها إنها مهذبة وتتحدث الإنجليزية بطلاقة، وتمتلك قلبا صادقا محبا وداعما للقضايا الخيرية. وقال أحد مفكري الحزب الذي رفض ذكر اسمه حتى لا يعرض مستقبله المهني للخطر حيث يعمل في مدارس الحزب: «إذا كنا في الغرب، كان يمكن القول إنها تمتلك كل ما يؤهلها لأن تكون زوجة قائد، حيث تمتلك الجمال والحضور والقبول الشعبي، لكن الأمور مختلفة في الصين».

لا تظهر أسماء زوجات القادة البارزين في البلاد على محركات البحث ولا المدونات، بل يتم حذف أي مقالات عنهن. ينبع كل هذا من الخوف الصيني التقليدي من دخول النساء عالم السياسة، على حد قول هانغ هوانغ، رئيسة تحرير مجلة أزياء عملت أمها معلمة لغة إنجليزية لماو تسي تونغ، أول زعيم صيني شيوعي. وقالت: «مع الأسف النساء والسلطة في الصين مثل الزيت والماء لا يختلطان. تحذر بعض الأمثال الشعبية لدينا من خطر المرأة الجميلة والرجل ذي النفوذ».

وتعد زوجة ماو، جيانغ كينغ، أكبر مثال على هذه المخاوف، حيث أصبحت قصة حرمانها من السلطة وطردها من الحزب وموتها منتحرة تدرس في المدارس الإعدادية في كل أنحاء الصين كتحذير. ويأتي أحدث مثال على هذه المخاوف العام الحالي مجسدا في غو كايلاي، زوجة الزعيم الشيوعي الذي طرد من الحزب، بو زيالي، التي وصفت خلال محاكمتها بتهمة القتل بأنها امرأة ماكرة عاطفية مصابة بالبارانويا سممت رجل أعمال بريطانيا.

لا يوجد في مقابل هذا النموذج في عالم السياسة بالصين، الكثير من النماذج الإيجابية لسيدات يتسمن بالحيوية والنشاط. لا يعلم الكثيرون اسم ليو يونغكينغ، زوجة الرئيس الصيني، هو جينتاو، وأقلهم من يستطيعون التعرف عليها وسط مجموعة من الناس. وكان سلف «هو»، جيانغ زيمين، يصطحب زوجته وانغ يبينغ، معه في رحلات إلى الخارج، لكن لا يعرف عنها سوى بعض التفاصيل القليلة التي تتمكن وسائل الإعلام الأجنبية من الإفلات بها بعيدا عن أعين الرقباء.

وسيرا على هذا النهج بدأت بينغ، التي تبلغ من العمر 49 عاما، تحد من ظهورها كمغنية عام 2007 بعد زيادة احتمالات ترشيح زوجها للرئاسة. وبعد أن كانت مشهورة بترنمها بلهفة بالأغاني الوطنية الشعبية التي تعود لفترة الثمانينات والتسعينات، لن تشارك في عرض ليلة رأس السنة تماما العام المقبل، ولن تغني سوى في بعض الفعاليات الخيرية وتلك الخاصة بالحزب الشيوعي. ونادرا ما تظهر حاليا مع زي، الذي يبلغ من العمر 59 عاما، ولا تتحدث علنا أبدا عن زوجها الذي ترتبط به منذ ما يزيد على 20 عاما.

في الوقت ذاته، بدأت تضطلع بأدوار جديدة تسمح لها بالظهور وإن كان ذلك في نطاق محدود يمكن التحكم به، فقد تطوعت للمشاركة في أنشطة الحكومة لمكافحة مرض نقص المناعة المكتسبة (الإيدز) عام 2006، وأصبحت سفيرة مكافحة التدخين عام 2009. وتم تعيينها خلال العام الماضي سفيرة لدى منظمة الصحة العالمية لمكافحة مرض السل والإيدز.

وقال زانغ ينغ، رئيس منظمة غير حكومية تساعد الأيتام المصابين بالإيدز في إقليم أنهوي: «إنها لا تبقي مسافة بينها وبين الناس». وعمل زانغ على هذا الأمر مع بينغ في سبتمبر (أيلول) ووصفها بأنها قريبة من الواقع كثيرا وتتحدث بحرية وأريحية مع متطوعين آخرين عن ابنتها وتسألهم عن أسرهم. ويقول زانغ إنها كانت دوما امرأة صبورة تسري عن الأيتام بالأغاني خلال تصوير إعلانات الخدمة العامة. يتذكر طاهي في إقليم زيجيانغ، كانت بينغ تزور مطعمه عندما كان زي أمين الحزب في الإقليم، كيف اضطرت بينغ للانتظار خلال زيارتها الأولى حتى تدخل المطعم؛ لأنها لم تحجز مسبقا. ويذكر أنها لم تكن ترتدي ملابس أنيقة لافتة للنظر مما جعل من الصعب التعرف عليها. وقال رافضا ذكر اسمه حيث لا يحبذ الحديث عن أسر القادة في الصين: «إنها لم تكن تعرف أن الحجز أمر ضروري، لذا لم تجد لها طاولة شاغرة. وكانت تستطيع بكلمة واحدة منها للنادل الحصول على طاولة عندما تخبره بأنها زوجة أمين الحزب في الإقليم. مع ذلك لم تفعل ذلك». وأضاف: «وكانت كذلك تأتي مع والديها وابنتها، لكنها لم تأت أبدا بصحبة زوجها».

ولم تتناول الكثير من المقالات علاقتها بزي، وكثيرا ما كانت تصف المقالات التي نجت من مقص الرقيب، العلاقة على طريقة رسوم كاريكاتير الحزب الشيوعي التي تصور زي كزوج مجتهد في عمله ممزق بين مسؤولياته كرجل دولة ودوره كرب أسرة، وبينغ كزوجة محبة مخلصة تتوق لقضاء الوقت مع زوجها، لكنها تدرك أن البلاد بحاجة إليه أكثر منها. ونشرت المقابلة التي تعد الأكثر عمقا حتى هذه اللحظة فيما يتعلق بهذا الموضوع، على الإنترنت عام 2006 على يد مجموعة إعلامية صغيرة محلية تديرها الدولة من دون تصريح من السلطات المركزية بحسب مسؤول إعلامي داخل الحزب رفض ذكر اسمه، للحديث بالتفصيل عن القرارات الداخلية. ووصفت بينغ في ذلك المقال الذي حذف من مواقع إلكترونية كثيرة، لقاءها الأول بزوجها عام 1986، وكيف تعمدت ارتداء بنطال جيش قبيح لتعرف ما إذا كان زي سينجذب إلى شخصيتها لا مظهرها أم لا.

وتروي أنه بدلا من أن يسألها عن أغانيها الشعبية أو الأموال التي تجنيها من العمل كمغنية، طرح عليها سؤالا فلسفيا هو: «كم عدد أساليب الغناء المختلفة؟». وقالت: «لقد تحركت مشاعري في تلك اللحظة وسألت نفسي ما إذا كان هو الرجل الذي أريده أن يسكن قلبي. إن له قلبا بسيطا، لكنه ذو فكر عميق». وأشارت إلى قول زي لها لاحقا إنه اكتشف أنها الزوجة المناسبة له بعد أقل من 40 دقيقة من لقائه بها. وتستطيع بينغ أن تكون عونا لزوجها خلال رحلاته الخارجية بفضل هذا الإقبال الإعلامي عليها والألفة التي تشعر بها في التعامل مع الأضواء بعد عقود من عملها كمغنية على حد قول الخبراء.

وأوضح روبرت كوهن، مؤلف كتاب «How China’s Leaders Think» (كيف يفكر القادة الصينيون) قائلا: «إنه لأمر رائع بالنسبة للصين أن يكون لديها شخصية تتمتع بهذا البريق والثقافة تمثلها في الخارج. إنها تستطيع إضفاء قليل من الطابع الإنساني على الصين وتحريرها قليلا من نموذج أصحاب البزات السوفياتية الرمادية المتصلبة الذين يلقون الكلمات فوق المنصات». ولم يتضح بعد كيف ستضطلع بينغ بدور مؤثر على المستوى المحلي. وقال أحد مسؤولي الحزب السابقين: «للأمانة لا أعلم إلى أي مدى ستتمكن من مقاومة ضغط التقاليد والاضطلاع بدور أكثر وضوحا كسيدة أولى. ربما يعتقد القادة أن الخطر كبير، والفائدة محدودة على المستوى المحلي. ولأن القادة غير منتخبين، فالوضع عندنا يختلف عن الغرب، حيث هناك حاجة إلى زوجة تدعم شعبية زوجها».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»