مدير مركز الدراسات حول العالم العربي والمتوسط في جنيف: الجزائر ترفض أن تكون باكستان الساحل الأفريقي

حسني عبيدي لـ«الشرق الأوسط»: واشنطن وباريس مقتنعتان بأن الحرب دون موافقتها يمكن أن تتحول إلى كابوس

TT

قال حسني عبيدي، مدير مركز الدراسات والأبحاث حول العالم العربي والمتوسط في جنيف، والأستاذ المحاضر بـ«المعهد الأوروبي» هناك، إن العملية العسكرية الجاري التحضير لها بشمال مالي لانتزاعه من سيطرة الجماعات الجهادي ستؤدي إلى أزمة إرهاب عالمي إن لم تكن مقنعة ومضمونة.

وذكر عبيدي، وهو جزائري، في حوار مع «الشرق الأوسط» أن الجهاديين بأوروبا يستعدون لنقل صراعهم مع الحكومات الغربية إلى مالي، مشيرا إلى أن ثروات هامة بالساحل تحفز قوى غربية على شن حرب بالمنطقة.

وفي ما يلي نص الحوار:

* قال المبعوث الأممي إلى منطقة الساحل، رومانو برودي عندما زار الجزائر الخميس، إنه يريد إبعاد شبح الحرب عن مالي، بكل ما أوتي من قوة.. ألا يتعارض ذلك، في نظرك، مع رغبة فرنسا في الاحتكام إلى الخيار العسكري؟

- برودي على دراية كافية بالتداعيات الخطيرة للنزاع المسلح في مالي، وهو يترجم موقف جزء مهم من المجتمع الدولي ساهم في عدم اندفاع مجلس الأمن للموافقة على مشروع الحرب في مالي في صيغته الأولى، مما جعل بان كي مون، الأمين العام للأمم المتحدة يوفده إلى الجزائر، وهو مؤشر على رغبة مجلس الأمن في ترجيح دينامية دبلوماسية مكثفة على المقاربة العسكرية رغم نجاح باريس في فرض مسودتها أمميا. لكن الأمم المتحدة في الوقت الحاضر لا تريد إضفاء تغطية قانونية وشرعية لعملية عسكرية غير مقنعة ومحفوفة بالمخاطر، ومن شأنها أن تشكل سابقة خطيرة في القانون الدولي والعلاقات الدولية. ويبدو أن برودي يريد تسويق مقترح يلاقي ترحيبا فرنسيا، ويعتبر كحل وسط، مفاده أن القرار الأممي سيكرس مبدأ التفاوض مع أطراف الصراع، وبناء قدرات الجيش الحكومي، وهو ما تلح عليه الجزائر. لكن تبقى مسألة تحديد هوية الأطراف الفاعلة والمهلة الزمنية المعطاة لمرحلة التفاوض ودعم الجيش الحكومة، مسألة خلافية بين باريس والجزائر.

* كتبت الصحافة في مالي أن حكومة باماكو تلقت إمدادات بالسلاح من الجزائر تحسبا لحسم المواجهة المرتقبة مع الجماعات المسلحة. هل تعتقدون أن الحكومة الجزائرية ستخوض الحرب بعتادها العسكري، بعدما أعلنت رفضها المشاركة فيها بأي شكل من الأشكال؟

- بناء جيش قوي في مالي يحترم المؤسسات، شرط أساسي لاستعادة الحكومة أراضيها الواقعة تحت سيطرة الجماعات المسلحة. ولذا لا تناقض في الموقف الجزائري. الحكومة الجزائرية رأت أن من مصلحتها أن تبقي على علاقات وثيقة مع نظيرتها المالية على جميع الصعد، إضافة إلى أن المقاربة المعتمدة من قبل الدبلوماسية الجزائرية تعتمد على ضرورة مساعدة الحكومة المالية المركزية في بسط سيادتها على مالي، والتنسيق مع الأطراف الفاعلة في شمال مالي.

وتحاول الجزائر في آن واحد إقناع فرنسا والمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، بأن سنوات كثيرة من الغياب الأمني والاستقالة الإدارية والسياسية في شمال مالي، لا يمكن حلها بعملية عسكرية لن تنجح في إقصاء الأسباب التي أدت إلى تنامي الحركات المسلحة في المنطقة، والدفع بالطوارق إلى الانفصال عن مالي.

* لماذا تحرص باريس وواشنطن على مشاركة الجزائر في الحرب المنتظرة؟

- موقف واشنطن غير متطابق مع باريس، و زيارة هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية الأميركية الأخيرة للجزائر جاءت للاطلاع على التحفظ الجزائري، ومن ثم التوسط بين باريس والجزائر لحث الرئيس بوتفليقة على تليين موقفه. واشنطن وباريس مقتنعتان بأن الحرب في مالي دون موافقة الجزائر بخبرتها المميزة في محاربة الجماعات المسلحة، ووزنها الإقليمي وقربها الجغرافي، يمكن أن تتحول إلى مغامرة عسكرية بل إلى كابوس. الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند لا يريد الفشل في أول قرار له على المستوى الدولي، ومن هنا جاءت فكرة الحياد الإيجابي لدى زيارة كلينتون إلى الجزائر. فمن الصعب على باريس شن عملية عسكرية في منطقة متاخمة للجزائر دون موافقتها.

* هناك حديث عن منح فرصة لحل سلمي سياسي قائم على التفاوض بين الحكومة الانتقالية في شمال مالي، والجماعات المسلحة هناك. هل ترون أن حظوظ ذلك متوفرة في ظل التحضيرات المتسارعة للحرب؟

- الجزائر تذهب أبعد من اقتراح فرنسا التنسيق معها في الحرب، وتتمسك بمقاربة ثلاثية الأبعاد هي: إعطاء فرصة كافية للدبلوماسية وليس الحرب؛ التعامل مع أطراف الأزمة دون استثناء، ومساعدة الحكومة بكل الوسائل لملء الفراغ الأمني في شمال مالي، ولذلك عملت الجزائر على إقناع بوركينا فاسو بأهمية تكثيف المفاوضات مع جماعة أنصار الدين، قبيل الانسياق في مسار الحرب. بمعنى آخر إنشاء جبهة داخلية لدعم الحكومة المالية، وتحييد الجماعات المسلحة بدلا من تكوين تحالف دولي لشن حرب غير مضمونة النتائج. وفي غياب حكومة مركزية قوية وفي ظل تساؤلات حول قدرات الجيش المالي الذي أصبح جيشا انقلابيا، لا تريد الجزائر أن تكون باكستان الساحل الأفريقي.

* الملاحظ أن فرنسا تتعامل مع جماعة أنصار الدين على أنها تنظيم موال لـ«القاعدة». والجزائر تعتبرها جماعة طرقية أعضاؤها من أبناء البلد، ولهم مطالب مشروعة، واستقبلت وفودا عنها عدة مرات. فما هو في نظرك دور هذه المنظمة في المعادلة الأمنية بشمال مالي؟

- على خلاف التنظيمات الأخرى الدخيلة على مالي، فإن جماعة أنصار الدين لها خلفية دينية ومطالب سياسية، وامتداد قبلي ومناطقي في طوارق مالي، وبالتالي فإن التعامل معها يفرض نفسه. أن منطقة الساحل هي عمق الجزائر الأمني، وعملت منذ سنوات على رعاية المفاوضات بين حكومات الساحل والطوارق، وربطت اتصالات بالأطراف التي تتمتع بشرعية محلية بما فيها «الحركة الوطنية لتحرير إزواد» التي أنهكت الدولة. فحركة أنصار الدين يعول عليها من قبل الجزائر في تشكيل جبهة داخلية لصد ومحاربة التنظيمات القريبة من «القاعدة».

* ذكرت تقارير استخباراتية أوروبية مؤخرا أن جهاديين من أوروبا يتطلعون إلى القتال في مالي. ما مدى صحة ذلك؟

- نعم، توجد معلومات موثوقة حول استعداد بعض الجهاديين من الخلايا النائمة نقل صراعهم مع الحكومات الغربية وخاصة فرنسا وبريطانيا، إلى منطقة الساحل لقربها من أوروبا ووجود مصالح فرنسية حساسة هناك كشركة «أريفا»، أول مصدر لليورانيوم وشركة «ساتوم فينسي». كما تخشى الدول الغربية وعلى رأسها فرنسا أن تصل المجموعات المسلحة دولا أخرى لتجنيد أتباع لها، وامتداد عمليات خطف الأجانب إلى دول أفريقية تعرف استقرارا نسبيا.

* هل توافقون الطرح الذي يقول إن الساحل بصدد التحول إلى «أفغانستان أفريقيا»؟

- لمنطقة الساحل خصوصيتها وتركيباتها الاجتماعية المعقدة، وتتميز في العموم بغياب تام للدولة. لكن أي عملية عسكرية غير مقنعة وغير مضمونة ستؤدي بالمنطقة إلى أزمة إرهاب عالمية، مع توفر كمية هائلة من السلاح المتطور تم تهريبه من ليبيا. إن جاذبية منطقة الساحل استراتيجيا، ومساحتها الكبيرة والفراغ الأمني، يجعل منها مقصدا مفضلا، وملاذا آمنا لمنظمات إرهابية عدة. كما أن قرب مالي من دول تعاني من عدم استقرار سياسي مزمن وانفلات أمني، يسهل تغلغل الجماعات المسلحة ويجعلها ثكنة مفتوحة، خاصة أن فرنسا تعتبرها منطقة نفوذ واستمرار لعلاقة استعمارية سابقة، إلى جانب احتوائها على ثروات معدنية حيوية مثل اليورانيوم والذهب. فكل هذه العوامل ترفع أسهم منطقة الساحل في ميزان القوى الأجنبية.

* وكيف تنظرون إلى قمة أبوجا اليوم (أمس)؟

- قمة أبوجا هي تكريس لأهمية حل أفريقي بغطاء أوروبي، وليس فرنسيا بحتا قبل رفعه إلى مجلس الأمن. لذلك وافقت المفوضية الأوروبية على إرسال 200 ضابط عسكري إلى مالي، والتركيز على الحل الدبلوماسي مع الاحتفاظ بحق التدخل العسكري في حال فشل خيار التفاوض.