تسليح المعارضة السورية بين حماس بريطاني و«حذر» أميركي

مراقبون: تأجيل الحسم سمح بتسلل التطرف.. والجبهة التركية قد تكون خيار الحل

TT

على مدار الأيام الماضية، احتلت بريطانيا بصورة متسارعة صدارة الدول الغربية الداعمة لزيادة المساعدات «اللوجيستية» للمعارضة السورية المسلحة، والتي أشارت تقارير غربية متعددة إلى أنها قد تشمل التسليح الفعلي للثوار، في محاولة لسطر نهاية للأزمة العالقة منذ نحو 20 شهرا.

ورغم تعدد الأصوات المطالبة بدعم المعارضة السورية المسلحة بالسلاح أو بالتدخل العسكري المساعد، فإن هذه النداءات لم تشهد أبدا إجماعا منذ بدء الأزمة، حيث نادت عدد من الدول العربية بذلك سابقا، كما أشارت إليها دول مثل تركيا وفرنسا، إلا أن الفيتو الثنائي لحلفاء النظام السوري روسيا والصين، إلى جانب عدم تفضيل الولايات المتحدة لخيار التسليح، أدت إلى إطالة أمد الصراع السوري لأكثر من عام ونصف العام.

وذكرت صحيفة الـ«صنداي تلغراف» البريطانية أمس أن نداءات رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون بفتح الباب أمام تسليح المعارضة السورية «شطرت الحفاء الغربيين، وبخاصة بعد الحذر والقلق المتزايد للولايات المتحدة جراء تزايد نفوذ الجناح الإسلامي المتطرف بين الثوار، وكذلك ارتفاع وتيرة الانتهاكات التي يمارسها المعارضون المسلحون تجاه الموالين للنظام السوري».

ويشير مراقبون إلى أن التلكؤ الغربي في دعم المعارضة المسلحة ساهم بقدر كبير في زيادة التصدعات في جسم تلك المعارضة، والتي كانت منذ نحو عام ممثلة بصورة كبيرة في كيان سياسي واحد هو المجلس الوطني، وكيان عسكري واحد هو الجيش الحر.. إلا أن يأس الثوار أنفسهم من قدرة أي من هذين الكيانين على حسم الأمور مع الجهات الدولية، أسفر جزئيا عن تشكيل مجالس موازية (سواء عسكرية أو سياسية)، مما زاد من بث الفرقة بين أطياف المعارضة من جهة، وفتح الباب واسعا أمام تكوين جبهات «متطرفة أو شبه متطرفة» في الداخل السوري.

ويوضح عدد من الخبراء أن المخاوف الغربية من وصول الأسلحة - في حال إمداد الثوار بها - إلى يد متطرفين، هي مخاوف بات لها قدر من المصداقية بالفعل، وبخاصة بعد زيادة نشاط وبروز عدد من الكتائب التي تتبنى خلفيات أصولية متطرفة، مثل جبهة «أهل النصرة في الشام» والتي تنتسب إلى «القاعدة». ولكن هؤلاء الخبراء يذكرون أن بيان الإعلان عن تأسيس الجبهة ظهر إلى النور في مطلع عام 2012، وأن أول العمليات التي تبنتها بوضوح كان في منتصف مارس (آذار) من العام الحالي، حين أعلنت الجبهة مسؤوليتها عن تفجيرين استهدفا منشآت أمنية بالعاصمة السورية دمشق.

ويقول أحد المراقبين لـ«الشرق الأوسط»، طالبا عدم الكشف عن اسمه، إن «النظام السوري منذ بدء الأزمة طالما استخدم فزاعة الإرهاب الديني والإرهاب لحث الغرب على الابتعاد عن دعم المعارضة.. وقد نجح النظام - مدعوما بتراخي الغرب - في إيجاد بيئة مناسبة لإنبات تلك البذور في داخل سوريا. ولو كان التحرك الدولي أسرع لما سمح الوضع بظهور تلك الجبهات».

وعلى مدار الأشهر الماضية، تعددت التقارير الغربية التي تشير إلى وجود كتائب مقاتلة ذات نزعات متطرفة على الأراضي السورية، في حين أشارت تقارير عدة إلى أن بذور الجبهات المتطرفة التي تقاتل نظام الأسد حاليا، نشأت وترعرعت في سوريا وبرعاية من نظام الأسد ذاته.

ويوضح المصدر قائلا، إن «تنظيم القاعدة في العراق، والمعروف أيضا بجبهة التوحيد والجهاد في بلاد الرافدين أو قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين، والذي كان يقوده أبو مصعب الزرقاوي حتى مقتله في عام 2006، كان مدعوما من النظام السوري، بحسب تقارير ومعلومات استخباراتية، والتي توضح أن النظام السوري كان يقوم بتدريب وتهريب كوادر التنظيم إلى العراق، بتدبير ودعم إيراني، في إطار حرب بالوكالة مع الولايات المتحدة الأميركية». ويتابع: «إن إطالة أمد النزاع السوري، أسهمت في إيجاد الوسط المناسب لهؤلاء (الجهاديين) وغيرهم للعودة إلى الداخل السوري، ومقاتلة النظام ذاته الذي طالما دعمهم، فيما يشبه انقلاب السحر على الساحر». ولا يدرك المراقبون سر الحماسة البريطانية المفاجئة لجهة تسليح الثوار، إلا أنهم يؤكدون أنها تزامنت مع زيارة رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون للمنطقة العربية خلال الأسبوع الماضي، كما أنها واكبت انتهاء الانتخابات الرئاسية الأميركية وفوز الرئيس الأميركي باراك أوباما بفترة ولاية ثانية - وأخيرة بحسب الدستور الأميركي - وهو عامل ربما فسره كاميرون - كما الكثير من الخبراء - على أنه الوقت المناسب للضغط بقوة على المجتمع الدولي للسماح بفتح باب التسليح للمعارضة السورية، كون أوباما قد يصبح أكثر تحررا في اتخاذ مثل تلك القرارات، غير عابئ بنتائج قد تؤثر على مسيرته بانتخابات مقبلة.

وتتزامن التصريحات البريطانية مع تحركات تركية لتأمين حدودها، وأشارت معلومات الأسبوع الماضي إلى سعي أنقرة لنشر منظومات صواريخ «باتريوت» الدفاعية على حدودها مع سوريا عبر حلف شمال الأطلسي (الناتو).. وهو ما يراه المراقبون كخطوة «محتملة» لفرض منطقة آمنة أو محظورة الطيران في الداخل السوري، استعدادا لتنفيذ خطة مبدئية لتشكيل المناطق المحررة في الشمال السوري لتكون نواة لدولة الثوار، الأمر الذي قد يسهل مستقبلا من خطوة التسليح الفعلي للمعارضة.