مساعدو بتريوس السابقون يتساءلون عن السبب الحقيقي وراء استقالته

رافقوه في جولاته في العراق وأفغانستان على مدار العقد الماضي

ديفيد بتريوس وصديقته بولا برودويل (رويترز)
TT

لم يحظ أي جنرال في الجيش الأميركي بطاقم ضباط أكثر ولاء مما حظي به الجنرال المتقاعد ديفيد بتريوس، المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية.

قام كثير من هؤلاء الضباط بمرافقة بتريوس خلال جولاته المتعددة في العراق وأفغانستان على مدار العقد الماضي، لذا أدى انهيار حياته المهنية الحافلة، بعدما اعترف بإقامة علاقة خارج نطاق الزواج، إلى قيامهم بطرح نفس الأسئلة: كيف يمكن لهذه العلاقة غير الشرعية أن تحدث؟ وكيف يقوم الجنرال الذي أعجبوا به وأحبوه كثيرا بمثل هذا الأمر؟

وفي بعض الحالات، يتم طرح السؤال الأول حرفيا. ففي أفغانستان، كان من المستحيل تقريبا إقامة مثل هذه العلاقة غير الشرعية بعيدا عن أعينهم؛ حيث كان بتريوس يمتلك مكتبا صغيرا في مقر حلف شمال الأطلنطي الضيق، بينما كان ينام في مقطورة صغيرة تم وضعها في وسط مقر إقامة طاقم موظفيه الذي لا يهدأ أبدا. وفي الحقيقة، أخبر الجنرال السابق الأشخاص المقربين منه أنه على الرغم من أنه كان قريبا للغاية من كاتبة سيرته الذاتية بولا برودويل في أفغانستان، إلا أنه لم يبدأ في إقامة علاقة معها إلا بعد خروجه من الجيش الأميركي في العام الماضي.

ولكن السؤال الأهم بالنسبة للكثير من أفراد طاقم العمل السابق الخاص بديفيد بتريوس هو كيف يمكن لجنرال يدرك جيدا أهمية الانضباط الذاتي والنزاهة ولم يفقد أبدا السيطرة على مشاعره خلال عقد كامل من الضغوط والقتال المتواصل أن يتعثر في حياته الشخصية والمهنية بهذا السوء.

يقول أحد ضباط الجيش، الذي كان جزءا من الدائرة المقربة من بتريوس والذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته حتى يتمكن من مناقشة هذا الموضوع بصراحة: «أنا مصدوم من هذا الموضوع حقا؛ لأنه مختلف تماما عن بتريوس الذي عرفته على مدار ثلاث رحلات إلى العراق. نحن نقوم بإرسال واستقبال كثير من رسائل البريد الإلكتروني مع بعضها حول هذا الأمر، وهذا آخر شيء أتصور حدوثه في العالم. لقد قام هذا الرجل بكثير من الأشياء الجيدة للبلد ولنا أيضا».

ومنذ جولته القتالية الأولى في العراق عام 2003، تمكن بتريوس من اجتذاب مجموعة من ضباط الجيش الموالين له، والذين كان معظمهم حاصلين على شهادات الدكتوراه من أعرق الجامعات وقاموا بالتدريس في الأكاديمية العسكرية الأميركية في ويست بوينت. وفي العادة، كان بتريوس يقوم شخصيا باختيار موظفي طاقمه من الرجال والنساء.

وفي أفغانستان، زاد عدد موظفي طاقمه بعدما تولى كثير من الأشخاص الذين انجذبوا إلى سمعته الطيبة بعض المناصب الخاصة به في العاصمة الأفغانية كابل. يقول أحد الضباط الذي أمضى 40 شهرا في العمل مع بتريوس في العراق وأفغانستان: «إنه لم يحاول اصطياد هؤلاء الأشخاص، ولكنه لم يدر ظهره إليهم أيضا».

حصل الأعضاء البارزون في المؤسسات البحثية الدفاعية المحافظة التي يقع مقرها في واشنطن على بعض المساحات المكتبية الدائمة في مقر عمل بتريوس، فضلا عن إمكانية الحصول على طائرات حربية للقيام بجولات في ساحات المعارك. قام هؤلاء الأشخاص بإسداء المشورة إلى القادة الميدانيين، والتي تعارضت في بعض الأحيان مع الأوامر التي كان القادة يتلقونها من رؤسائهم المباشرين.

يقول عدد من ضباط الطاقم الخاص ببتريوس إن الجنرال المتقاعد والبعثة الأميركية في أفغانستان قد استفادا من وجهات النظر الواسعة النطاق، ولكن البعض اشتكى من أن الغرباء يتسببون في تشتيت الانتباه، وهو ثمن الشهرة المتزايدة التي كان يتمتع بها. حصلت برودويل، التي التقت بتريوس للمرة الأولى عندما كانت تدرس للحصول على درجة الدكتوراه في جامعة هارفارد، على معاملة مميزة كما لو كانت فردا من الدائرة الداخلية المقربة من بتريوس، فضلا عن حصولها على سكن خاص بكبار الشخصيات في مقر القوات الأميركية وقوات حلف الناتو في كابل.

يقول العقيد المتقاعد بيتر منصور، الذي عمل كضابط تنفيذي في إدارة بتريوس: «في العراق، كان الجنرال بتريوس يصر على عدم اندماج المراسلين الصحافيين داخل مقره بأي شكل من الأشكال»، مضيفا: «ولكن ما أقلقني حقا هو ما دفعه لتغيير توجيهاته الشخصية والسماح لها بإقامة طويلة الأجل وغير مقيدة». يتمثل أحد الأسئلة المهمة التي أثيرت عقب سقوط بتريوس فيما إن كانت شهرته الكبيرة وحبه لذاته والتملق الذي كان يحصل عليه أحيانا من وسائل الإعلام والسياسيين قد قاده إلى الدخول في علاقة مع برودويل، التي تصغره بـ20 عاما.

يقول مسؤول أميركي عمل مع بتريوس في العراق وأفغانستان: «على مدار الأعوام التي عرفته فيها، كان يركز بصورة كبيرة على صوره الشخصية». ولكن الأشخاص المقربين من الجنرال المتقاعد يؤكدون أن الإطراء لم يغير من طريقة قيادته للقوات أو تفاعله مع طاقم عمله. بدا بتريوس مرتاحا للغاية من الشهرة التي حققها في حرب العراق؛ حيث شغل منصب كبير المساعدين لثلاثة من كبار الجنرالات في البنتاغون وأوروبا، فضلا عن علاقاته الجيدة مع المراسلين الصحافيين؛ حيث امتدت علاقته ببعضهم لأكثر من عقد من الزمان.

يقول منصور: «من الصعوبة بمكان أن أصدق أنه واجه صعوبات في التعامل مع شهرته، فأنا أعتقد أنه كان يتوقع هذه الشهرة حقا. لم يكن أحد في الجيش الأميركي في موضع أفضل للتعامل مع سوء السمعة» مثلما كان بتريوس.

ولكن هناك نظرية أخرى يسوقها أكثر أعضاء طاقم بتريوس ولاء مفادها أن تقاعده من الجيش لتولى منصب مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية ربما يكون هو ما أدى إلى سقوطه. كانت مسيرة بتريوس العسكرية هي الطابع المميز لحياته منذ أن كان طالبا بأكاديمية ويست بوينت وارتباطه بزوجته هولي، ابنة أحد الجنرالات الأميركيين، ولكن في الحياة العامة، بدا واضحا أنه كان يفقد الراحة والثقة اللتين كانا يشعر بهما في زيه العسكري.

ظهر بتريوس مؤخرا في حفل عشاء في واشنطن لإلقاء كلمة بينما كان يضع صفوفا من الميداليات العسكرية على صدر السترة التي كان يرتديها، وهو ما أثار دهشة الحاضرين، وبخاصة رجال الجيش الذين كانوا يرتدون الزي العسكري ويضعون ميدالياتهم على صدورهم.

نصح وزير الدفاع الأميركي السابق روبرت غيتس، ذو الخبرة العريضة في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، بتريوس بعدم جلب حاشيته من ضباط الجيش السابقين إلى الوكالة، لذا ظهر الجنرال السابق وحده في أول أيامه في منصبه الجديد في الوكالة.

وفي وكالة الاستخبارات المركزية، حصل بتريوس على طاقم كبير من الموظفين وبعض المزايا الأخرى المتعلقة بمنصبه الرفيع، بما في ذلك موظف لمرافقته في جولات الركض الصباحية أثناء السفر وآخر لضمان حصوله على شرائح الأناناس الطازجة في طريقه قبل دخوله إلى السرير.

ولكنه فقد اتصاله اليومي والمباشر مع الجيش، الذي احتفظ به على مدار عقد كامل من الحروب.

وبينما تم نقل أعضاء طاقمه السابق من الضباط للقيام بمهمات أخرى في الجيش، ظلت برودويل قريبة منه؛ حيث كانت تركض إلى جواره لمسافات طويلة وتساعده على انتقاء الحلل التي كان يرتديها في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية.

يقول أحد المقربين من بتريوس: «في الجيش، كان لديه مجموعة كبيرة من الزملاء للركض والمزاح معه والبقاء إلى جواره، ولكنه فقد هذا الأمر عندما ترك الجيش. ربما كان يتوجب عليه تعيين بعض الضباط في وكالة الاستخبارات المركزية لهذا الغرض».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»