أصحاب «المعاطف السوداء» الباكستانيون يتحولون من أبطال إلى رجال عصابات

مسؤولو الشرطة والقضاة والمتقاضون والشهود يشعرون بالخوف من المحامين

مجموعة المحامين سيئي السمعة في لاهور («واشنطن بوست»)
TT

ذهب مفتش الشرطة الشاب إلى المحكمة لتقديم الأدلة في إحدى قضايا التعدي بالضرب، ولكنه أكد أنه غادر المحكمة والدماء تسيل من رأسه وشفتيه وزيه الرسمي ممزق بعدما تعرض للاعتداء من قبل مجموعة من المحامين الذين يرتدون الملابس السوداء.

تؤكد الشرطة وبعض شهود العيان أن مجموعة المحامين سيئي السمعة في لاهور قد قاموا بتنفيذ علمية تعد أخرى، وهو ما يمثل حلقة أخرى من حلقات العنف التي يقوم بها المحامون والتي أصبحت شائعة في هذه المحاكم الواقعة شرقي باكستان؛ حيث تقوم المحكمة بالنظر في جميع القضايا التي تحدث في مقاطعة البنجاب.

وفي بلد تعتبر فيه سيادة القانون أمرا هشا للغاية على كثير من المستويات، يؤكد مسؤولو الشرطة والقضاة والمتقاضون والشهود أنهم أصبحوا يشعرون بخوف متزايد من المحامين الذين يقومون بأعمال العنف أثناء ارتداء زيهم الشهير، السراويل والمعاطف وربطات العنق السوداء.

يقول صدقات الله، وهو محقق الشرطة الذي يبلغ من العمر 28 عاما والذي زعم أن مجموعة من المحامين قد قاموا بالاعتداء عليه بالضرب في أواخر شهر سبتمبر (أيلول) الماضي لأنه رفض اطلاع محام على تقرير المستشفى السري في قضية الاعتداء الأصلية: «إذا لم يرضخ رجال الشرطة لضغوطهم، يقومون بالتعرض لهم بالإساءة والضرب. إنهم يتصرفون مثل رجال العصابات».

يؤكد المحامون الذين كانوا موجودين في الموقع في ذلك اليوم أنه جرى تبادل الكلمات النابية فقط، وأن مجلس نقابة المحامين في المقاطعة يحقق في الأمر. وفي العام الحالي وحده، تم الإبلاغ عن 15 حالة على الأقل قام بها محامون، تصفها وسائل الإعلام والضحايا بأنها أعمال «بلطجة» و«عنف»، وهو ما يقوض السمعة الأسطورية التي اكتسبها هؤلاء المحامون من دورهم الكبير في الأزمة الدستورية التي دارت منذ خمس سنوات.

وفي بلد يحكم فيه المسلحون مساحات شاسعة من الأراضي ويتوطن فيه الفساد وتقوم الأجهزة الأمنية بـ«إخفاء» الأشخاص، ظهر أصحاب «المعاطف السوداء» كمدافعين عن سيادة القانون بعدما قام الرئيس الباكستاني السابق برويز مشرف بتعليق العمل بالدستور وإلقاء القبض على الخصوم السياسيين وإقالة القضاة. يحمل العالم صورا متناقضة لهؤلاء الرجال الذين كانوا يرتدون السترات السوداء متحدين صفوف الشرطة والقنابل المسيلة للدموع في العاصمة الباكستانية إسلام آباد، للمطالبة بعودة افتخار محمد شودري، رئيس المحكمة العليا في باكستان، إلى منصبه.

كانت لاهور مسرحا لما يعرف بـ«الثورة السوداء» التي حدثت بين عام 2007 و2009. ففي إحدى حملات المداهمة التي استهدفت نقابة المحامين في المحكمة العليا، قامت قوات الشرطة بإلقاء القبض على ما يزيد على 800 من المحامين المشاركين في الحركة من أجل استقلال القضاء.

وفي نهاية المطاف، خسر مشرف كل سلطاته وتحول شودري إلى شخص مثير للجدل يتمتع بنفوذ واسع ويقوم باستدعاء كبار القادة المنتخبين وجنرالات الجيش بصورة دورية لسؤالهم عن إساءة استخدامهم للسلطة. ولكن منذ هذه الأيام المثيرة، يؤكد المنتقدون أن غطرسة وعدوانية المحاميين قد محت كل الأعمال الإيجابية التي قاموا بها.

وفي أحد الأعمدة التي كتبها في شهر يونيو (حزيران) الماضي، وصف المعلق والسياسي الشهير عياض أمير المحامين بلقب «قوات العاصفة»، مضيفا: «لقد ولى ذلك الوقت الذي استخدم فيه المحامون ألسنتهم للجدال، ففي الوقت الحالي، يبدو أنهم يقومون بعمل أفضل بقبضات أيديهم».

وفي إحدى المقابلات، صرح ذو الفقار علي، رئيس نقابة المحامين في لاهور، بنبرة صوت يعتريها الخجل: «هذا صحيح. ينبغي علينا أن نصلح من سلوكنا»، ولكنه عزا هذا العنف إلى عدم التشديد على أخلاقيات وسلوكيات قاعات المحاكم في كليات الحقوق.

أكد علي أن النقابة، التي يصل عدد أعضائها إلى 20.000 تقريبا، قد بدأت في تنظيم محاضرات أسبوعية تهدف إلى الارتقاء بقواعد اللياقة والكفاءة بشكل عام. أضاف علي، الذي يمارس مهنة المحاماة منذ 24 عاما: «ينبغي علينا أن نقوم بتدريبهم، إنهم إخوتنا وأخواتنا الصغار».

يقول القضاة، على وجه الخصوص، إن المحامين قد أصبحوا مدمني سلطة، ولا يشعرون بالخوف من سب موظفي السلطة القضائية وسحبهم من قاعات المحاكم وغلق الأبواب عليهم.

يقول أحمد سعيد، وهو القاضي الذي ضرب أحد المحامين بثقالة ورق على رأسه في قاعة محكمته بلاهور في العام الماضي، بعدما شعر بالغضب مما وصفه باللغة البذيئة التي كان يستخدمها المحامي: «القضاة يشعرون بالرعب من هذه الغوغائية». ومنذ هذه الواقعة، تم نقل سعيد إلى محكمة أخرى.

صرح قاض آخر، والذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، أنه لا يرغب في عيش حياة يملأها الخوف من أصحاب المعاطف السوداء في لاهور، مشددا على أنه يرحب بنقله إلى دائرة أخرى تبعد أكثر من 150 ميلا عن هذه المقاطعة.

يعتبر العنف داخل قاعات المحاكم أمرا نادر الحدوث في بعض الأماكن الأخرى، أما في مقاطعة لاهور، أفادت وسائل الإعلام بحدوث ثلاث مشاجرات داخل قاعات المحاكم في يوم واحد من شهر مايو (أيار) الماضي. تضمنت هذه المشاجرات التعدي بالضرب على مفتش الشرطة صهيب أوان، 32 عاما، والذي قال إنه جاء إلى المحكمة للإدلاء بشهادته في قضية نزاع حول ملكية عقار كان أحد أطرافها محام.

يقول أوان: «أعتقد أنه حتى الحكومة وأصحاب الوظائف المرموقة يخشون أيضا من المحامين، فلا يوجد أي سياسي أو موظف كبير أو قاض يستطيع وقف هذه البلطجة».

يقوم كثير من المحامين في باكستان بكثير من العمل ويجتهدون لربح القضايا، ولكنهم يحصلون على مقابل مادي ضعيف للغاية؛ حيث يصل متوسط دخل المحامين في مقاطعة لاهور، التي يزيد عدد سكانها عن 10 ملايين نسمة، إلى نحو 150 دولارا أميركيا في الشهر. يذكر أن مستويات الدخل الشهري في باكستان تتراوح بين 60 - 100 دولار.

يجتمع المحامون في لاهور في «مكاتب» تقع إلى جوار المحاكم، التي تتكون من مجموعة كبيرة من الكراسي والمكاتب المتهالكة التي يتم وضعها في الهواء الطلق، فضلا عن أكوام متداعية من ملفات القضايا.

وفي قاعات المحاكم، يصر المحامون على التجمهر سويا أمام المقاعد بدلا من الجلوس بهدوء في أماكنهم حتى يطلب منهم القاضي البدء في الحديث.

وفي شتى أنحاء باكستان، لا يحظى رجال الشرطة ولا المحامون ولا حتى المحاكم، وبخاصة المحاكم الأدنى، بكثير من الاهتمام؛ حيث يتقاضى ضباط الشرطة رواتب زهيدة، ويحاولون زيادة دخولهم من خلال المطالبة برشاوى للتحقيق في الجرائم. يعتبر النظام القضائي نظاما غير فعال على الإطلاق، ففي كثير من الأحيان يتم تأجيل القضايا بصورة غير متناهية.

* أسهم في كتابة هذا التقرير محمد رضوان وبربر دوغار من لاهور.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»