بترايوس عاش جزءا كبيرا من حياته على البريد الإلكتروني.. وبسببه انتهت حياته المهنية

مثلت قدرته الواضحة على التواصل ومهاراته في استخدام الإنترنت إحدى أبرز مميزاته

ديفيد بترايوس
TT

قام المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية ديفيد بترايوس بعقد اجتماع غير رسمي مع المراسلين الصحافيين في مكاتب الوكالة في إحدى الليالي في أواخر عام 2011، أي قبل عام تقريبا من تقدمه باستقالته من منصبه على خلفية الدخول في علاقة غير شرعية التي تم الكشف عنها عقب قيام مكتب التحقيقات الفيدرالي بالتحقيق في البريد الإلكتروني الخاص بعشيقته الذي قادهم إليه.. وفي ذلك الوقت، كان بترايوس قد تولى حديثا منصب مدير الوكالة وكان الاجتماع بمثابة الفرصة للصحافيين للتعرف عليه في منصبه الجديد. وعقب انتهاء العشاء، سار بترايوس مع المراسلين الصحافيين نحو مكتبه الآمن في الطابق السابع من مبنى الوكالة.. وهناك، حسب ما يؤكد أحد المراسلين الصحافيين الذي حضر هذه المناسبة، أعلن الجنرال الأميركي المتقاعد، الذي يبلغ من العمر 60 عاما تقريبا، بمنتهى الفخر أنه أول مدير لوكالة الاستخبارات المركزية يقوم بتركيب وصلة إنترنت مفتوحة في مكتبه.

عاش بترايوس، سواء بصفته قائدا عسكريا أولا أو مديرا لوكالة الاستخبارات المركزية بعد ذلك، لفترات طويلة على البريد الإلكتروني، وذلك حسب ما يؤكد بعض المراسلين الصحافيين الذين قاموا بتغطية أنشطته أثناء توليه كلا المنصبين. وعلى غير العادة، كان من الممكن الوصول إلى بترايوس، الذي كان يبدي استعدادا للحديث في كثير من الأحيان، ما دامت الشروط واضحة والأسئلة غير حساسة، حيث كان يقوم بإرسال الملاحظات السريعة والخطابات المطولة في وقت متأخر من الليل أو وقت مبكر من صباح اليوم التالي. وخلال الأعوام التي قضاها في الجيش الأميركي، مثلت قدرته الواضحة على التواصل ومهاراته في استخدام الإنترنت إحدى أبرز مميزاته، حيث كان يقوم بالمساعدة في حملته الدءوب الرامية إلى صياغة التغطية الإعلامية وجذب الانتباه إلى النجاحات التي يحققها وتلميع صورته العامة. من المثير للسخرية أنه على الرغم من أن بترايوس يبدو حذرا للغاية في الرسائل الإلكترونية التي يقوم بإرسالها للصحافيين، فإن هذه الرغبة نفسها في الحياة على البريد الإلكتروني كانت هي التي ساعدت على كشف علاقته غير الشرعية، وأدت في النهاية إلى إنهاء مسيرته المهنية الحافلة.

وفي شهر مايو (أيار) الماضي، أي بعد مرور بضعة أشهر على دخول بترايوس في علاقة غير شرعية مع ضابطة الاستخبارات العسكرية السابقة بولا برودويل، وهي زوجة وأم لطفلين، قامت برودويل باستخدام حساب مجهول على خدمة «جيميل» الشهيرة، التابعة لشركة «غوغل»، بإرسال رسائل تهديد لامرأة أخرى تدعى جيل كيلي. من المحتمل أن تكون كيلي قد تعرفت على بترايوس أثناء الفترة التي قضاها في قيادة القيادة المركزية الأميركية في ولاية فلوريدا، حيث كانت موظفة هناك للتخطيط للفعاليات الاجتماعية. كان لكيلي أيضا صديق في مكتب التحقيقات الفيدرالية قامت بإخباره بشأن رسائل التهديد التي كانت تتلقاها. من المحتمل أنه نظرا لحساسية الرسائل التي كانت تحمل اسم بترايوس، الذي كان يشغل وقتها منصب مدير وكالة الاستخبارات المركزية، وإمكانية تعرض مسؤولي الوكالة للابتزاز أو غيرها من الأخطار، قام مكتب التحقيقات الفيدرالية بمتابعة تحقيقاته في هذه القضية بمنتهي القوة.

قام محققو مكتب التحقيقات الفيدرالية بتعقب مسار البيانات من على هذا الحساب، حيث اكتشفوا أن ملكية هذا الحساب تعود إلى برودويل وزوجها، بعدما قاموا بتحليل البيانات الوصفية المتعلقة بالرسائل الإلكترونية، التي يمكن أن تساعد في تحديد موقع المرسل. تطابقت مواقع المرسل مع جدول سفريات برودويل، ومن هنا تمكن مكتب التحقيقات الفيدرالية من تحديد هوية حسابات البريد الإلكتروني الأخرى التي تم الدخول عليها عن طريق استخدام عنوان بروتوكول الإنترنت نفسه (IP Address)، ثم قام المكتب بالحصول على تصريح لمراقبة هذه الحسابات. تضمنت هذه الحسابات أحد الحسابات المجهولة الأخرى، التي ربما تعود ملكيتها لبرودويل، التي كانت تستخدمه لتبادل رسائل البريد الإلكتروني الجنسية الصريحة مع حساب آخر مجهول على خدمة «جيميل» أيضا. اكتشف مكتب التحقيقات الفيدرالية أن هذا الحساب تعود ملكيته إلى بترايوس، وهو الاكتشاف الذي قاد عملاء المكتب لمواجهة كل من بترايوس وبرودويل بهذا الأمر.

كان الخوص في الحياة الشخصية على البريد الإلكتروني والاهتمام النسبي بهذا الأمر من بين سمات بترايوس. وصف المراسلون الصحافيون الذين تبادلوا معه رسائل البريد الإلكتروني، سواء عندما كان يشغل منصب جنرال في الجيش أو عندما ترأس وكالة الاستخبارات المركزية، رسائله بالكثيرة والسريعة - نظرا لأن الرد كان يأتي غالبا في غضون دقائق قليلة - والحذرة في الوقت نفسه، حيث لم تقم هذه الرسائل بالكشف عن أية معلومات حساسة أو بتشويه صورته العامة التي أولى لها الكثير من الاهتمام سواء عندما كان في الجيش أم في الوكالة. يؤكد قيام بترايوس بفصل هذا الجزء من حياته الشخصية في حساب بريد إلكتروني منفصل، على مدى درايته بمثل هذه الأمور التي لم يشتهر عن العديد من نظرائه في الوظائف العليا في الحكومة معرفتهم أو إجادتهم لها بشكل خاص.

كان من الممكن الوصول إلى بترايوس عبر الإنترنت في الليل أو النهار، سواء أكان في الولايات المتحدة الأميركية أو في طريقه إلى أي مكان آخر في العالم أو حتى أثناء تنقلاته. وفي أثناء قيادة سيارة الدفع الرباعي المصفحة الخاصة به في واشنطن، اشتهر عن بترايوس حرصه على إبقاء منفذين مفتوحين: الأول للمعلومات السرية، والثاني للاتصال المفتوح عبر الإنترنت. عرف موظفوه عنه قيامه بكتابة بعض رسائل البريد الإلكتروني بصورة منتظمة أثناء اليوم، وهو ما كان يدعوه بـ«الوقت التنفيذي». وخلال زيارته مكاتب صحيفة «واشنطن بوست» عندما كان لا يزال جنرالا في الجيش، تساءل طاقم موظفي بترايوس عما إذا كان رئيسهم يستطيع تشغيل الكومبيوتر في غرفة فارغة بين الاجتماعات.

وحتى من الناحية المهنية، من الممكن تعقب انتصاراته وانتكاساته في مسيرته المهنية من خلال رسائل البريد الإلكتروني، حيث يؤكد أحد المراسلين الصحافيين أنه كان يتلقى ملاحظات بين الحين والآخر من الحساب الشخصي للجنرال - وهو حساب على موقع «إيه أو إل» - منذ سنين طويلة وقبل أن يحظى بترايوس بمثل هذه الشهرة في واشنطن. وعقب انتقاله من الجيش، حيث رافق حبه للأضواء وقدرته على التعامل مع الصحافة صعوده إلى الشهرة في الساحة السياسية، بدا واضحا أنه كان يتكيف ببطء مع ثقافة وكالة الاستخبارات المركزية الأكثر سرية، بعد أن أكدت إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما على ضرورة تشديد السيطرة على الرسائل في ما يتعلق بمسائل الأمن القومي. يؤكد الصحافيون أنه بعد بضعة أشهر من توليه منصب مدير وكالة الاستخبارات المركزية، تناقص عدد الرسائل الإلكترونية التي كان بترايوس يقوم بإرسالها، وذلك نظرا لانشغاله في مهام منصبه الجديد، ولكنه حتى بعد تقاعده من الجيش، كان يمكن الوصول إلى الجنرال السابق في كثير من الأحيان عبر حساب البريد الإلكتروني الخاص به على موقع الجيش الأميركي.

ولكن في الوقت الراهن، يبدو أن حسابات البريد الإلكتروني الخاصة ببترايوس، التي كانت نشيطة للغاية في الماضي، قد خبت الآن، أو على الأقل الحسابات العامة منها.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»