الصين: قبضة حديدية في قفاز مخملي

سيدات مسنات ضمن 1.4 مليون متطوع لإحباط أي احتجاج أو تعكير للأمن

سيدات متقدمات في السن تطوعن بقوة للمشاركة في الحفاظ على الأمن العام خلال مؤتمر الحزب في بكين
TT

للديكتاتورية الصينية وجوه كثيرة، ولكن نادرا ما تظهر في ثوب الود والحب التي ظهرت به خلال الأسبوع الماضي عندما نزل الآلاف من النساء المتقدمات في العمر إلى شوارع العاصمة الصينية بكين وعيونهن اليقظة حريصة كل الحرص على كشف أدق التفاصيل التي قد تؤدي إلى إثارة القلاقل في المجتمع الصيني.

تعد هؤلاء السيدات المسنات المبتسمات والمليئات بالحيوية والنشاط أبرز المتطوعين اللذين وصل عددهم إلى 1.4 مليون شخص لسحق الاحتجاجات والكشف عن الجرائم أو أي شيء قد يعكر صفو الحياة ويحرج الحزب الشيوعي الحاكم خلال مرحلة انتقال السلطة الحرجة التي يشهدها الحزب مرة واحدة كل عشر سنوات.

وقد بدأت الاستعدادات الأمنية منذ عدة أشهر لتأمين مؤتمر الحزب، مع الوضع في الاعتبار أنه نادرا ما يشهد الحزب عملية انتقال سلسة وسلمية للسلطة، وإذا ما تم انتقال السلطة بسلام ستكون هذه هي المرة الثانية في تاريخ البلاد التي تنتقل فيها السلطة دون إراقة دماء أو حدوث أزمات.

ونتيجة لذلك، بدت بكين وكأنها مدينة خاضعة للأحكام العرفية خلال الأيام الماضية، حيث أحكمت السلطات قبضتها على وسط المدينة، ويتواجد الجنود كل بضعة أقدام حول «المدينة المحرمة»، في حين تتواجد سيارات الشرطة على الأرصفة والأزقة مثل الأسود التي تنتظر الانقضاض على فريستها، ويسير الحراس من خلال ميدان تيانانمين وهم يحملون طفايات الحريق، ويسعون إلى منع الرهبان التبتيين من إشعال النار في أنفسهم احتجاجا على حكم بكين في المنطقة.

ومع ذلك، لا تعكس هذه الإجراءات الأمنية المشددة كل أساليب القبضة الحديدية التي يفرضها الحزب الحاكم، حيث يشهد كل شبر من تلك المدينة ما يمكن وصفه بأنه «قبضة حديدية في قفاز مخملي»، إذ يمكن رؤية ذلك في سيارات الأجرة التي طلب من سائقيها أن يقوموا بخلع مقابض نوافذ الركاب وغلق الأبواب عندما تمر هذه السيارات في وسط المدينة لمنع المنشقين من قذف المنشورات أمام المطارات ومحطات القطار في بكين – أو قذف كرات البينغ بونغ التي تحمل رسائل معينة، بعدما أشارت إحدى الشائعات إلى إمكانية حدوث ذلك.

ويمكن رؤية ذلك على شبكة الإنترنت أيضا، حيث تعطلت خدمة البريد الإلكتروني «جي ميل» وأية تطبيقات تتعلق بموقع «غوغل» تماما قبل أيام قليلة من انعقاد مؤتمر الحزب الشيوعي. وعلاوة على ذلك، تم إغلاق الطرق التقليدية التي يستخدمها البعض للالتفاف على قيام السلطات الصينية بغلق المواقع، مثل موقعي «فيس بوك» و«تويتر».

اختفت سكاكين المطبخ من على أرفف المحلات التجارية، وتم تأجيل سباق الحَمَام للهواة، الذي كان مقررا في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) دون الإعلان عن أية أسباب، والذي كان يعتقد أنه سيكون بمثابة طريقة أخرى لنقل الرسائل المناهضة للحكومة. واعترفت السلطات في بعض الأقاليم بمحض إرادتها بأن المخبرين قد انتشروا في جميع القرى بهدف «المساعدة في حل الصراعات».

ولكن هذه القبضة الحديدية في قفازها المخملي قد تجسدت في السيدات كبار السن اللاتي جئن الأسبوع الماضي وهن حريصات على تأدية اليمين بوصفهن «متطوعات للحفاظ على الأمن العام». وعلى أية حال، بات هناك نحو 1.4 مليون متطوع للعمل في بكين خلال مؤتمر الحزب، وفقا لوسائل الإعلام التي تديرها الدولة.

وقالت تشانغ يلينغ، وهي سيدة تبلغ من العمر 68 عاما تقف مع بعض السيدات الأخريات لمشاهدة الشارع الذي سيراقبنه على الجانب الشرقي من العاصمة بكين: «تتمثل مهمتنا في حماية منازلنا وشوارعنا وإيجاد رادع يمنع أي شخص من محاولة ارتكاب أي جريمة».

وبعد قضاء صباح أحد الأيام مع تشانغ وغيرها، يصعب عدم الاعتراف ببراعة الفكرة المتمثلة في استغلال حالة الفضول المتأصلة بين بعض أعضاء هذه المجموعة السكانية. بعد تقاعدهن من العمل وتفرغهن، أصبح هؤلاء السيدات يأتين إلى العمل ولديهن ميل كبير للقيل والقال وعدم التردد في طرح أي أسئلة تطفلية. وما إن ترمي السلطات بالسترات المجانية والشارات الحمراء التي توضع على الأذرع، حتى يصبح لديها جيش كبير من العيون والآذان التي تخبرها بكل شيء.

وقالت باو ميانفينغ، وهي مدرسة سابقة وعضو في الحزب الشيوعي تبلغ من العمر 62 عاما: «أشعر أنه من واجبي أن أشارك في هذه المهمة. لم يجبرني أي شخص أو يجبر أي منا على القيام بذلك، ونحن سعداء للغاية لقيامنا بذلك».

وأضافت باو أن نجاح مؤتمر الحزب يعني «دولة أكثر قوة وأكثر ازدهارا»، وأن دولة أكثر قوة تعني «خطوة أقرب نحو مجتمع رغيد». وكانت باو تقول ذلك بشيء من العنف يعكس مدى اقتناعها بما تقول، ولكن الأمر المحير حقا هو حديثها بحب عن مناقشة المهمة الحيوية للحفاظ على الأمن العام.

وفي الحقيقة، كان هذا الأسبوع مليئا بالتناقضات والتجاوزات الصارخة – الأسبوع الذي يتحدث فيه قادة الحزب عن الديمقراطية في الوقت الذي يتم فيه تضييق الخناق على الحريات في البلاد؛ الأسبوع الذي يتم التعامل فيه مع الإصلاح على أنه الأولوية القصوى في الوقت الذي تأتي فيه الشكوك المثارة حول تلك الإصلاحات في المرتبة الثانية مباشرة؛ الأسبوع الذي يشهد نزول الجدات إلى الشوارع بابتساماتهن العريضة على وجوههن وهن يمثلن جهاز أمن لا يمت للأمن بأي صلة.

* شارك ليو ليو في إعداد هذا التقرير

*خدمة «واشنطن بوست» - خاص بـ«الشرق الأوسط»