قضايا إيران النووية والصراع في سوريا تهيمن على محادثات أوباما في رحلته لجنوب شرقي آسيا

يزور ميانمار وكمبوديا وتايلاند ليقول للصين «نحن هنا»

TT

هيمنت القضايا الاقتصادية على سباق الرئاسة الأميركية وتراجعت إلى حد ما قضايا السياسة الخارجية. وفيما انتهى السباق بفوز الرئيس الأميركي باراك أوباما بفترة ولاية ثانية في البيت الأبيض - بشق الأنفس - فإنه يواجه عددا من القضايا القديمة الملتهبة منذ سنواته الأربع السابقة، إضافة إلى عدد من التحديات الاستراتيجية الجديدة. ويأتي إعلان الرئيس أوباما أول زيارة خارجية له بعد فوزه إلى جنوب شرقي آسيا، لتظهر أهمية معالجة عدد من قضايا السياسة الخارجية.

وتبدأ رحلة أوباما يوم السبت المقبل حتى العشرين من الشهر الجاري. يزور الرئيس الأميركي ثلاث دول صغيرة نسبيا، هي ميانمار وكمبوديا وتايلاند، وهي دول تدور في فلك الصين التي طالما تسببت سياساتها العسكرية في صداع للولايات المتحدة. هذه الزيارة للنمور الصغيرة تنطوي على إيماءة سياسية موجهة لبكين تريد بها الولايات المتحدة أن تقول: «ها نحن هنا».

ويفسر خط سير رحلة أوباما أكثر من مركز أبحاث يعج بالخبراء، موقع التركيز الجديد للسياسة الخارجية الأميركية، وهو أن أوروبا لم تعد تمثل أولوية قصوى بالنسبة لواشنطن؛ فالولايات المتحدة صارت ترى نفسها بشكل متزايد واحدة من قوى الباسفيك. والتحديات الأكثر إلحاحا بالنسبة للسياسة الخارجية الأميركية تتمثل في إيران وإسرائيل وسوريا، والمشاكل المتعلقة بكيفية تحقيق السلام.

والأمر الذي سبب قدرا أكبر من القلق لواشنطن هو ادعاء الصين أحقيتها في الموارد الطبيعية ببحر الصين الجنوبي. ويرى بوناي جلاسر، وهو خبير في الشؤون السياسية، أن «خطر اندلاع صراع في بحر الصين الجنوبي يعد كبيرا. ويشير الخبير في الشؤون الآسيوية إلى أن السياسة العسكرية لبكين يمكن أن تمثل خطرا على القوات الأميركية في حال نشوب صراع بالمنطقة».

لكن المشكلة الأكثر إلحاحا التي تواجه السياسة الخارجية الأميركية في الوقت الراهن هي إيران، إذ تتصاعد المخاوف من احتمال توجيه إسرائيل ضربة عسكرية ضد منشآت إيران النووية، ربما مطلع العام المقبل. لذلك يسعى أوباما الآن إلى أن يحول دون إصدار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمرا باستخدام القوة، في وقت يعتلي فيه الفتور العلاقة بين الرجلين.

وخلال زيارة وفد من كبار المسؤولين الإسرائيليين واشنطن الاثنين الماضي، أعلن البيت الأبيض أن المحادثات بين الجانبين تركزت حول إيران وسوريا وقضايا إقليمية أخرى، وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي تومي فيتور إن مستشار الأمن الأميركي توم دنيليون تحدث مع الوفد الإسرائيلي برئاسة ياكوف أميدور، مؤكدا التزام الولايات المتحدة بأمن إسرائيل، وأن الإدارة الأميركية ترى أن العقوبات لها أثر كبير على إيران، وأن هناك مجالا للتوصل إلى حل سلمي من خلال نهج ذي مسارين للضغط والدبلوماسية. ورفض الرئيس أوباما تحديد خط أحمر لتوجيه ضربات عسكرية ضد إيران.

من جانبها، لا تتوقف وسائل الإعلام الإيرانية عن الترويج للقدرات الدفاعية والقتالية الإيرانية والمناورات العسكرية واسعة النطاق التي تقوم بها. وأعلنت إيران أمس عن تدشين ثلاثة أنظمة صاروخية في مناوراتها الجوية التي أطلق عليها اسم «المدافعون عن سماء الولاية 4». ويقول المسؤولون الإيرانيون إنها تهدف إلى توجيه إنذار لمن يهدد الجمهورية الإيرانية.

وتوحي تقارير إعلامية في الولايات المتحدة بأن وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) تخطط بالفعل لمواجهة سيناريوهات قد تشهد استدراج واشنطن إلى أتون الصراع. يذكر أن الولايات المتحدة هي البلد الوحيد الذي يملك أسلحة قادرة على اختراق المواقع النووية الإيرانية الحصينة.

ويقول ستيفن والت، خبير الشؤون السياسية بمجلس العلاقات الخارجية وهو مركز أبحاث مقره واشنطن: «أشك في أننا سنرى محاولة جديدة في اتجاه الدفع باتجاه صفقة دبلوماسية مع إيران». ويقترح والت أن تعمل الولايات المتحدة على «تكيف نفسها تدريجيا مع إيران ذات قدرات نووية»، ولكنها لا تملك أسلحة نووية بالفعل، وأنه سيتعين على الولايات المتحدة تحمل واقع حيازة طهران كميات كبيرة من اليورانيوم المخصب مع إحجام النظام الإيراني عن صنع قنابل نووية أو صواريخ تحملها إلى إسرائيل.

ويتمثل الموقف الرسمي لواشنطن حتى الآن في إجبار إيران على التخلي عن برنامجها النووي عبر تشديد العقوبات، لكن دبلوماسيا غربيا في واشنطن قال مؤخرا: «صفقة مريحة لا يمكن أن تعتمد على تراجع إيراني أحادي». وبحسب ما ذكرته صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، يعد إجراء مفاوضات مباشرة بين الولايات المتحدة وإيران أمرا محتملا في المستقبل القريب.

ويعتقد المحللون أن مفتاح الحل في أي محادثات هو السماح لإيران بإجراء مستوى منخفض من تخصيب اليورانيوم للأغراض السلمية كما هو مسموح وفقا للمعاهدات الدولية، لكن مع توفير ضمانات دولية مشددة، وعمليات رصد قوية لضمان عدم استخدام البرنامج النووي لإحراز تقدم نحو إنتاج سلاح نووي. وقد تحدثت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون وغيرها من كبار مسؤولي الإدارة بشكل إيجابي عن هذه الفكرة، لكن البيت الأبيض فضل عدم طرح تلك الفكرة أو مناقشتها خلال الحملة الانتخابية.

ويقول المحللون إن تصاعد القوة النووية الإيرانية ينطوي على خفض جذري في حرية الولايات المتحدة على العمل في المنطقة، وينطوي على مخاطر للدول المجاورة لإيران التي سيكون عليها أن تواجه الطموح الإيراني ورغبات فرض نفوذها على المنطقة، بامتلاك روادع نووية خاصة بها، مما سيؤدي إلى سباق تسلح نووي إقليمي.

أما المشكلة المشتعلة الثانية التي تواجه أوباما، فهي سوريا. لم يبحث البيت الأبيض حتى الآن القيام بأي دور عسكري في الأزمة السورية، إذ يقول الجيش الأميركي إن مثل هذه الخطوة تنطوي على خطر هائل، وإن التدخل في سوريا أعقد كثيرا من فرض منطقة حظر جوي فوق ليبيا بقيادة الولايات المتحدة، وهي الخطوة التي ساهمت في إسقاط نظام القذافي في عام 2011. وقد أنهى أوباما الحرب في العراق ويرغب في الانسحاب من أفغانستان، لذا فإن الانزلاق إلى مستنقع عسكري جديد سيكون كابوسا، ولكن قد تتصاعد الضغوط على الولايات المتحدة لكي تتخذ تحركا.

ويقول مارك لينش أستاذ الشؤون الدولية بجامعة جورج واشنطن «إن المقترحات بمغادرة الرئيس بشار الأسد سوريا لا تعني القدرة على إنهاء الحرب الأهلية المشتعلة الآن في سوريا». وسيكون على الإدارة الأميركية صياغة سياسة احتواء فعالة، والحفاظ على نطاق العنف من الانتشار إلى بقية دول المنطقة، فضلا عن معالجة تفاقم مشكلة اللاجئين السوريين إلى الدول المجاورة.

ويقول مسؤولون في الإدارة الأميركية إنهم بدأوا في محاولات للمساعدة في إعادة تشكيل حركات المعارضة السورية حتى تتمكن من الدفاع عن نفسها. وخلال الولاية الأولى لأوباما رفضت إدارته إرسال أسلحة لمقاتلي المعارضة السورية، وحذر المسؤولون الأميركيون من خطورة سقوط تلك الأسلحة في يد إرهابيين، لكن انتصار الأسد في معركته ضد المعارضة السورية من شأنه أن يعزز قوة حلفائه الإيرانيين.

ويواجه أوباما مشكلة داخلية خطيرة وهي «الهاوية المالية» بنهاية العام الجاري، مع الحاجة لزيادة الضرائب وخفض الإنفاق العام، ورفع سقف الدين، مما يشير إلى خطر دخول الولايات المتحدة إلى حالة ركود ما لم يتفق الحزبان الجمهوري والديمقراطي على صفقة لتجنب الهاوية المالية. وتأثر ميزانية وزارة الدفاع الأميركية بالوضع المالي، حيث تم خفض نفقات الدفاع إلى نسب مئوية من الناتج المحلي الإجمالي، وبالتالي الإنفاق الدفاعي للولايات المتحدة إلى السنوات التي سبقت هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001.