الفلسطينيون يفرضون «السيادة» مؤقتا على شوارع الضفة في يوم «الاستقلال»

مظاهرات تقطع الطرق على الاحتلال ومستوطنيه في رسالة «تغيير قواعد الصراع»

TT

استعاد آلاف الفلسطينيين أمس السيطرة على شوارعهم في الضفة الغربية من المحتل الإسرائيلي، وقلبوا المشهد رأسا على عقب، بعدما كانت السيطرة مطلقة للجيش ومستوطنيه على هذه الشوارع، وكانوا يقطعونها وقتما شاءوا أمام الفلسطينيين. وهذه المرة قطع الفلسطينيون الطرق أمام الجيش ومستوطنيه، وسيطروا عليها لبعض الوقت.

وخرج آلاف من الشبان في الذكرى الـ24 لإعلان الاستقلال في الجزائر، تحت عنوان «مليونية الاستقلال وإنهاء الاحتلال»، من كل مدن الضفة الغربية إلى الشوارع «الالتفافية» بين المدن، وهتفوا لحرية فلسطين، واشتبكوا مع الجيش الإسرائيلي ومستوطنيه، وشعارهم الأول «الأرض الفلسطينية مغلقة في وجه الاحتلال ومستوطنيه».

ولأول مرة منذ إنشاء السلطة الفلسطينية قبل 19 عاما، يسيطر الفلسطينيون على الشوارع المصنفة «ج»، أي الخاضعة بالكامل للجيش الإسرائيلي، وفق اتفاق أوسلو، وهي شوارع مستخدمة من قبل الفلسطينيين بين المدن، والإسرائيليين بين المستوطنات، وبعضها يمنع الفلسطينيون أصلا من استخدامه لأي غرض، ويتم تخصيصها فقط للمستوطنين.

واجتاز الفلسطينيون، أمس، معظم الحواجز الإسرائيلية التي تفصل بين المدن الفلسطينية والشوارع الرئيسية في رام الله وقلقيلية ونابلس والخليل وأريحا وبيت لحم.

وسجلت مواجهات عنيفة، عند حاجز عطارة شمال رام الله، وأمام مستوطنة «كريات سيفر» قرب نعلين، وعند حاجز سنجل أيضا، وفي منطقة «عيون الحرامية» بين نابلس ورام الله، وأمام مستوطنة «آدم» القريبة من قرية جبع شرقا. كما سجلت مواجهات عنيفة عند مدخل قلقيلية شمال الضفة، وقرب مستوطنة «بيت حاجاي» في الخليل جنوب الضفة، وعلى مدخل مخيم الفوار هناك، وفي حلحول ومنطقة النبي يونس، وعلى مدخل الحرم الإبراهيمي الشريف.

وتفجرت مواجهات كذلك على حاجز حوارة، وهو المدخل الجنوبي الرئيسي لمدينة نابلس، وعند المدخل الشمالي لمدنية أريحا على شارع «90» وقرب شارع «60» بين بيت لحم والخليل.

وقال رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض، وهو يشارك في مسيرة انطلقت على طريق بير زيت «من حق شعبنا التعبير عن رفضه للاحتلال وتجسيد سيادته الوطنية على أرضه». وأضاف «نحن متمسكون بكل حقوقنا، وفي مقدمتها الحق في تقرير المصير، والعيش بحرية وكرامة في كنف دولة مستقلة عاصمتها القدس الشريف على حدود عام 1967».

ونظمت هذه المسيرات بمبادرة من اللجنة الوطنية العليا لأسبوع الشباب الوطني، وبدعم كبير ومباشر من حركة فتح، وتستمر إلى يوم 29 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي الذكرى الـ65 لقرار تقسيم فلسطين الذي يصادف أيضا اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني. وتعتبر هذه المسيرات، التي جسدت إلى حد ما مبدأ «فرض السيادة»، رسالة للاحتلال الإسرائيلي على أبواب التوجه الفلسطيني إلى الأمم المتحدة لطلب وضع «دولة مراقب»، وهو الأمر الذي تهدد معه إسرائيل بإسقاط الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) وجعل السلطة على حافة الإفلاس المالي، وتفكيكها أيضا.

وتبدو المقاومة الشعبية أحد الخيارات المفتوحة أمام القيادة الفلسطينية، وهو واحد من بين خيارات أخرى موضوعة على الطاولة. وقالت حركة فتح في بيان «هذه أرضنا وسنبسط سيادتنا عليها، ولن نقبل بأن يشاركنا فيها أحد من جنود الاحتلال ومستوطنيه». ووصف أحمد عساف، الناطق باسم فتح، المظاهرات، أمس، بالمكملة لمعركة القيادة الفلسطينية في الأمم المتحدة، وبأنها تأتي «دعما لها من أجل إنهاء الاحتلال وتثبيت حق الشعب الفلسطيني في دولته المستقلة». وأضاف «إننا على أبواب مرحلة سياسية جديدة تستند إلى تفعيل المقاومة الشعبية التي تهدف إلى تحرير الأرض والإنسان وإقامة الدولة المستقلة». وأردف «هذه المرحلة سوف تشهد تغييرا لقواعد الصراع».

وشارك شبان ونساء وطلاب ومسؤولون في المظاهرات، التي علا فيها الصوت بهتافات لم تسمع من فترات طويلة، من بينها «ع الرباعية ع الرباعية وإحنا ما بنّام على غلوبية» و«نادي يا منادي يوم استشهادي.. فوق أرض بلادي تحلى المنية»، ورد الجيش الإسرائيلي بقوة على المظاهرات، فأطلق أعيرة نارية وقنابل غاز، ورش المياه العادمة أيضا على المتظاهرين، كما انهال بالضرب المبرح على بعضهم، في الوقت الذي شهدت فيه بعض المناطق تدخلات من قبل مستوطنين اشتبكوا مع المتظاهرين أو حاولوا دهسهم.

ويحيي الفلسطينيون في الـ15 من نوفمبر من كل عام ذكرى «استقلال دولة فلسطين» التي أعلن الرئيس الراحل ياسر عرفات، في الجزائر عام 1988، «قيامها» في خطوة رمزية. ويسعى الفلسطينيون الآن للحصول على «استقلال» حقيقي على الأرض. ودعت منظمة التحرير الفلسطينية، أمس، الجماهير والفصائل السياسية والفعاليات المجتمعية إلى «مواصلة النضال الشعبي السلمي ومساندة القيادة في معركتها الدبلوماسية». وقال المجلس الوطني الفلسطيني، الذي أعلن الاستقلال عام 88، إن «الوقت قد حان الآن لتجسيد الاستقلال الفلسطيني قانونيا وسياسيا من خلال الأمم المتحدة بالحصول على عضوية دولة فلسطين فيها، وإنفاذ كل قرارات الشرعية الدولية التي أصدرتها الهيئة الأممية لحماية الحقوق الفلسطينية، التي لم تطبق حتى الآن بسبب التعنت والتنكر الإسرائيلي لها». وأضاف في بيان أن «الإصرار الفلسطيني على تجسيد هذا الإعلان الذي تلاه الشهيد أبو عمار أثناء انعقاد الدورة التاسعة عشرة للمجلس الوطني الفلسطيني (دورة الشهيد أبو جهاد) في 15 نوفمبر عام 1988، يُعد وفاء لا بد من الالتزام به لدماء آلاف الشهداء ومعاناة مئات آلاف الأسرى من أبناء شعبنا الفلسطيني الذين ما بخلوا يوما في تقديم التضحيات لتحقيق حلمنا في العودة وإقامة الدولة المستقلة بعاصمتها القدس».