أكد أيمن الصياد مستشار الرئيس المصري أن مصر تدفع حاليا ثمن ارتباك المرحلة الانتقالية التي أدارها العسكريون عقب تنحي الرئيس السابق حسني مبارك، معتبرا أن المرحلة الانتقالية الحقيقية «التي يمكن البناء عليها» بدأت عقب تولي الرئيس محمد مرسي الحكم في 30 يونيو (حزيران) الماضي.
وقال الصياد في حوار مع «الشرق الأوسط» لم نتفق منذ البداية على ما إذا كنا نعتمد الشرعية الثورية أم الشرعية القانونية. وأضاف أنه عندما يسير مجتمع ما وإحدى ساقيه في طريق والساق الأخرى في طريق آخر فإن خطواته تصبح عرجاء.
واعتبر الصياد، وهو كاتب صحافي يرأس تحرير مجلة «وجهات نظر»، أن تقييم أداء القوى السياسية كلها في أعقاب ثورة 25 يناير 2011، سيكون محلا لحكم التاريخ، وقال: «الكل أخطأ بشكل أو بآخر، ولكن تبقى أخطاء الإخوان المسلمين الأكبر، لسبب واحد فقط أنهم الجماعة الأكبر. أخفق الإخوان في الحفاظ على وحدة رفاق الميدان، فكان أن دفعوا الثمن باهظا».
وعن عمل الجمعية التأسيسية لوضع الدستور الجديد، قال الصياد: «إذا وجد مشروع الدستور طريقه للاستفتاء، أخشى ألا تأتي نتيجة الاستفتاء بأغلبية مرضية. وعلينا أن نتحسب لذلك»، مضيفا: أن «حالة الاستقطاب التي تحكم المجتمع الآن ليست مواتية لكتابة دستور» وعن تطورات الأوضاع في سيناء قال: «على الذين ينادون بتعامل أكثر حزما، أن يدركوا حقيقة أن سيناء أرض مصرية، والتعامل معها له حساباته. فمن غير الوارد مثلا أن نقصفها بالطائرات»، مضيفا: أنه «لا يمكن معالجة الموقف عسكريا فقط».
واعتبر الصياد أن السبب الوحيد الذي يجعله يستقيل من منصبه كمستشار للرئيس هو أن يشعر بأن هناك من يحجر على رأيه، وقال «سأستقيل حين يقول لي أحدهم قل أو لا تقل». وهنا أهم ما جاء في نص الحوار.
* كيف تقرأ المشهد السياسي الراهن في مصر؟
- عامان تقريبا على الثورة، ندفع ثمنا غاليا لارتباك المرحلة التي أدارها العسكريون لأنها لم تكن بمقاييس التعريفات السياسية مرحلة انتقالية كما كان ينبغي لها أن تكون، أنا أعتبر أن المرحلة الانتقالية الحقيقية لم تبدأ إلا في 30 يونيو الماضي عندما تولى رئيس منتخب الحكم في البلاد، المشكلة القائمة حاليا أننا ابتعدنا عن الحدث (الثورة) أشهرا طويلة، وترتب على ذلك أن البعض يتصرف وكأن المرحلة الانتقالية قد انتهت، وأننا صرنا دولة مستقرة الأركان، في حين أن واقع الحال أننا من الناحية العملية كأننا عشية 25 يناير، ولكن من ناحية الاستعداد الشعبي فترت الهمة ووقعنا في براثن استقطاب حاد يجعل الموقف شديد الصعوبة.
العنصر الآخر الحاكم للمشهد السياسي العام في مصر، ربما يتمثل فيما يمكن تسميته بالتأرجح بين شرعيتين، منذ الحادي عشر من فبراير (شباط) 2011 (يوم تخلي الرئيس السابق حسني مبارك عن السلطة) ونحن لم نستقر بشكل قاطع على اعتماد الشرعية الثورية أو الشرعية القانونية. كنا تارة نسير في هذا الاتجاه وتارة نسير في الاتجاه الآخر، وعندما يسير مجتمع ما وإحدى ساقيه في طريق والساق الأخرى في طريق آخر فإن خطواته تصبح عرجاء.
كانت هناك مطالبات في أعقاب ثورة يناير بإنشاء محاكم تحاسب على إفساد الحياة السياسية، كان هناك مطالبات بتفعيل قانون العزل السياسي الصادر في الخمسينات من القرن الماضي، وكان هناك مطالبات عدة باعتماد «الشرعية الثورية» كمفهوم متعارف عليه في العلوم السياسية في أعقاب الثورات، ولكن لم يرق هذا لمن بأيديهم مقاليد الأمور وقتها (المجلس الأعلى للقوات المسلحة)، كما لم يرق للجماعة السياسية الأكبر (جماعة الإخوان المسلمين)، البعض اعتقد أن نقاء الثورة في عدم اعتمادها «شرعية ثورية» اعتبروها عنيفة، وكان هذا بعيدا عن المنطق، ومتنكرا للتاريخ. والآخرون كانوا أسرى ثاراتهم القديمة مع ثورة 1952م، وتحفل مواقع الإنترنت بكثير من الحوارات بيني وبين رموز من الإخوان المسلمين حول ذلك. فرفضوا كل ما من شأنه تذكيرهم بها من إجراءات لا تنجح الثورات إلا بها. ومن ذلك مثلا رفض فكرة «محاكم الثورة» التي تحاسب على إفساد الحياة السياسية، بل ورفض تفعيل «قانون الغدر» رقم الصادر في م، والمعدل بالقانون رقم الصادر في م، والذي يحاسب على إفساد الحياة السياسية في مصر من رشوة ومحسوبية وتزوير انتخابات.. إلخ.
* ألا ترى أن الإخوان أخطأوا حين انفصلوا عن مسار الثوار، وكانت لهم حسابات أخرى للوصول للحكم؟
- تقييم أداء القوى السياسية كلها في أعقاب 25 يناير، بالتأكيد سيكون محلا لحكم التاريخ.. هناك تفاصيل كثيرة لم تذع بعد، ولكن الظاهر حتى الآن هو أن هناك أخطاء كثيرة وأن الكل أخطأ بشكل أو بآخر. الموصوفون بالليبراليين مثلا أخطأوا حين تنكروا لأولى مبادئ الليبرالية المتمثلة في الاحتكام لصندوق الاقتراع، وأيضا من يوصفون بأنهم يساريون كان من بينهم أيضا من أخطأ بتعاليه على خيارات الجماهير، ولكن يبقى الخطأ الأهم هو خطأ الإخوان المسلمين، لسبب واحد فقط أنهم الجماعة الأكبر. وكان عليها أن تدرك أن معركتها الحقيقية تتمثل في الحفاظ على وحدة رفاق الميدان. كان ينبغي ألا تخرج المعركة عن توصيفها الطبيعي. الذين مع الثورة، مهما كانت تبايناتهم في ناحية، والذين ضدها، أو يحاولون إعادة إنتاج النظام السابق في الناحية الأخرى. تحسب الجماعة الإخوان المسلمين أكثر من اللازم لحركة الشارع، وبدا هاجس 1954م (أزمة الديمقراطية) عبء ثقيل على قرارات 2011. وكان أن نجح المتربصون في شق الصف الوطني بأسلوب أو بآخر، ولكن إنصافا يتحمل الكل جزءا من المسؤولية.
* ينتهي عمل الجمعية التأسيسية لوضع الدستور الشهر المقبل بموجب الإعلان الدستوري، وعلى الرغم من ذلك تسود الجمعية خلافات تكاد تعصف بعملها، كيف تقيم عمل الجمعية حتى الآن؟
- ما يجري في التأسيسية وما نقرأه نصوصا في مسودة أو غيرها ليس أكثر من انعكاس للحال التي وصلنا إليها؛ الاستقطاب والتشرذم والارتباك، حتى إن بعض العبارات لو حكمت عليها من زاوية «اللغة» ستلحظ ما بها من ارتباك، ورحم الله طه حسين صاحب المقولة الشهيرة «هذه العبارة قلقة في موضعها».
* هدد نحو ثلث أعضاء الجمعية التأسيسية بالانسحاب اعتراضا على رفض ممثلي التيار الديني تعديل صياغة بعض المواد الخلافية.. كيف تتوقع أن ينتهي الأمر هل سيسود التوافق أم أن الاختلاف سيظل سيد الموقف؟
- لا أحد يستطيع أن يقطع بما تحمله الأيام المقبلة، فهذا المناخ ليس الأنسب لكتابة دستور. فكلنا نخشى ألا تنجح الجمعية التأسيسية في تمرير مشروع الدستور، أو أن يمر، ولكن بأغلبية غير مرضية، وفي هذه الحال نخشى أيضا إذا طرح للاستفتاء، وحظي بالموافقة، أن لا يكون ذلك بأغلبية يستحقها دستور ما بعد ثورة «شعبية» بامتياز. نحن في الحقيقة أمام وضع متأزم لا نحسد عليه، فحسبما فهمنا من المظاهرات الأخيرة (جمعة تطبيق الشريعة) أن البعض سيرفض الدستور لأنه «علماني» ينكر الشريعة أو على الأقل يتنكر لها. وسمعنا أيضا من سيرفضه لأنه «إسلامي» يؤسس لدولة مدنية غير معاصرة، هل هناك استقطاب أكثر من ذلك. أنا أعرف الجهد الكبير الذي قامت به التأسيسية وآمل في أن تنجح في نهاية المطاف في إخراج منتج يحظى بالتوافق ويحوز على الأغلبية.
* هل نسب التصويت هي كل المخاطر التي تحيط بالمسألة الدستورية حاليا؟
- ليس بالضبط، فالمعلوم أن هناك طعنا في الجمعية التأسيسية ذهبت أوراقه إلى المحكمة الدستورية العليا، ولأن الحكم بالنظر إلى السوابق القانونية يكاد يكون متوقعا، سنصبح حتما إذا عبر مشروع الدستور اختبار الاستفتاء، أمام وضع يزيد الاستقطاب استقطابا. البعض سيقول وقتها إن الوثيقة الدستورية «تحصنت» بالاستفتاء، والآخرون سيتذرعون بأن «ما بني على باطل فهو باطل».. ولكل حجته ومنطقه. والنتيجة، أننا سنكون واقعيا أمام حالة من عدم الرضا.
* إذن كيف ترى الحل؟
- أولا في أن ندرك حقيقة أن المشكلة ليست في نص هنا أو نص هناك، وإنما هي في مناخ الاستقطاب الحاد الضاغط. يقول الإمام الشافعي: «وعين الرضا عن كل عيب كليلة.. وعين السخط تبدي المساويا».. هذا هو جوهر المشكلة. لا بد أن نبحث عن طريقة لتهدئة هذا الوضع الاستقطابي، لا يمكن أن تستمر الأمور هكذا على الإطلاق، فنحن بحاجة إلى الدستور حتى تكتمل مؤسسات الدولة، فمصر الآن بلا سلطة تشريعية مستقلة، هناك حاجة ماسة لوجود دستور. ربما لو أعلنا أن هذا الدستور سيكون انتقاليا، يهدئ ذلك روع المتخوفين، ويساعد على العبور من عنق الزجاجة. وهذا ما دعوت إليه بالفعل في مقال لي قبل أسابيع. أن لا ننظر إلى الدستور بوصفه كتابا مقدسا وإنما هو دستور انتقالي، لمرحلة انتقالية به نص انتقالي، ينص بوضوح قاطع على آلية لتعديله بعد فترة معينة من السنوات، نأمل أن يكون بعدها الوقت أكثر ملائمة وأقل استقطابا.
* ولو لم يفلح هذا الحل؟
- ربما نلجأ في نهاية المطاف إلى دستور 1971 (الذي تم تعليق العمل به بعد تخلي مبارك عن السلطة) مع التنقيحات والتعديلات الجيدة التي أدخلتها عليه لجنة المستشار طارق البشري، والتي استفتى عليها الشعب واستهدفت تنقية دستور م من عيوبه. وقتها سنرتاح من كل الجدل العقيم حول وضع القضاء ووضع القوات المسلحة وهوية الدولة.. إلخ، وربما تكون هذه طريقة يمكن اعتمادها لإطفاء الحرائق. دعونا نبني دولة ثم بعد ذلك ننظر في هذه التفاصيل.
* إلى متى ستظل حالة الاستقطاب موجودة في المجتمع المصري؟
- كل النتائج لها مقدمات، عندما تنتفي المقدمات تنتفي النتائج، هناك مقدمات ذهبت بنا إلى هذه الحال، هل يمكن أن نعالج كل هذا الاستقطاب؟ نعم الشعب المصري شديد الطيبة، دعيني أقول لك إن المواقف الصعبة تحتاج لقرارات صعبة، والأوضاع الاستثنائية تحتاج إلى قرارات مثلها، ربما كنا بحاجة إلى مثل هذه القرارات الصعبة الاستثنائية غير التقليدية.
* بم تفسر خروج أنصار التيارات الإسلامية في مليونية تطبيق الشريعة يوم الجمعة الماضي على الرغم من أن أنصار التيار المدني يتهمونهم بالسيطرة على كتابة الدستور الجديد؟
- ما حدث الجمعة الماضي ليس بعيدا عن واقع المشهد، بل هو نتيجة من نتائجه، والملحوظة الأولى عليه أنه يظل غريبا أن يتظاهر «إسلاميون» في دولة يحكمها «إسلاميون».. القضية ليست فقط المظاهرات. المسألة تتجاوز ذلك بكثير، وعلى الإخوان المسلمين أن يتحسبوا إلى أن البعض ربما يأخذهم بعيدا، بحسن نية إلى حيث لا يطيقون.
* يثير الوضع الأمني المتدهور في سيناء قلق كل المصريين، على الرغم من العملية الأمنية المتواصلة منذ شهر أغسطس (آب) الماضي، فكيف تنظر إلى الأوضاع في سيناء؟ - ما يحدث في سيناء تحد صعب، له أبعاد كثيرة. أولها أن هناك اتفاقات دولية حاكمة، وثانيا: هناك إرث متراكم لتعامل خاطئ مع هذه المنطقة ومع أهلها، وثالثا: هناك أصابع متعددة لها حساباتها في مرحلة ما بعد الربيع العربي. أنا لا أفصل بين ما يجري في سيناء وما يجري في تونس وفي ليبيا وربما ما يجري في سوريا، لا أقول إن لدي معلومات استخباراتية مثلا، ولكني أتحدث كمراقب ومحلل سياسي، الموقف صعب.. كان من الممكن حسمه تماما لو جرى التفريط في حقوق الإنسان، فطبيعة المنطقة الجغرافية والقبلية والبدوية تجعل التصرف في هذا الملف محاطا بمحاذير كثيرة.
* ماذا تقصد بالتفريط في حقوق الإنسان؟
- لا يصح أن نقصف سيناء بالطائرات مثلا لكي نتخلص من مجموعة من المدانين أيا ما كان عددهم، سيناء أرض مصرية، ينبغي ألا نغفل عن هذا، ومن غير المقبول أو المعقول أن نقصفها بالطائرات، إذا وضعنا هذا في الاعتبار سنعرف ما يحد من سبل معالجة الموقف فلا يمكن معالجة الموقف عسكريا فقط، لا بد من أساليب أخرى. وأنا أعرف أن القائمين على الأمر وأولهم الرئيس مرسي شخصيا يعطي لهذا الموضوع كل اهتمامه.
* البعض يتهم الإسلاميين الذين خرجوا من السجون بعفو رئاسي بالمسؤولية عن الأحداث في سيناء، هل تتفق مع هذا الطرح؟
- هذا افتراض يحتاج إلى أدلة، ولا أستطيع أن أستسهل هذا التحليل، القضية أقدم من ذلك، إذا ما تذكرنا تفجير خطوط الأنابيب وهي ظاهرة بدأت منذ بدايات الثورة، المسألة ليست بهذه البساطة فهي أكثر تعقيدا من ذلك بكثير.
* توجد مخاوف شديدة لدى المصريين من ضياع سيناء، فما قولك؟
- الذي يقول إن الفلسطينيين سيتخلون عن وطنهم ليأخذوا سيناء وطنا بديلا عليهم أن يعيدوا قراءة التاريخ. فكرة الوطن البديل المتمثلة في شرق الأردن التي طرحها إسحاق رابين (رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق) رفضها الفلسطينيون.. الفلسطينيون لا يبحثون عن وطن بديل ولو كانوا يبحثون لوجدوه منذ زمن.
* بم تفسر تزايد حوادث الفتنة الطائفية العنيفة ضد المسيحيين في مصر خاصة في عهد الرئيس مرسي؟ هل مرجعه تزايد نفوذ الجماعات السلفية في الشارع المصري؟ - من عدم الإنصاف القول إنها زادت في عهد محمد مرسي، فحادثة كنيسة القديسين الشهيرة حدثت قبل الثورة. ولكن إن كنت تقصدين ما يحدث الآن، فهذا أيضا من علامات الفوضى في المشهد السياسي، الفكري، ربما يتذكر البعض أنه في جمعة التنحي في صلاة الجمعة كان الشيخ محمد جبريل يدعو دعاء القنوت، وكان كل المصريين يرددونه وراءه وأقول لك كشاهد عيان إن المسيحيين الموجودين في الميدان كانوا يرددون الدعاء بنصه خلف الشيخ جبريل، العلامة الثانية: قبل 25 يناير بأيام كان هناك حادث كنيسة القديسين، وبعد 25 يناير ولأسابيع عدة لم يكن هناك رجل أمن واحد في الشارع ولم يتعرض مسيحي واحد أو كنيسة واحدة لأي اعتداء. ما سبق الثورة كان مدبرا. من دبر ما جرى في حادث القديسين كان قد فقد اتزانه بما جرى في 25 يناير، وربما الآن تمالك نفسه واستعاد وعيه فبدأ يضرب مرة أخرى في الاتجاه الخطأ. تذكرين أن أول نغم «نشاز» خارج اللحن بعد الثورة كان حينما خرج البعض يطالب بعودة كاميليا (فتاة مسيحية أثارت مشكلة طائفية حول مزاعم بإسلامها)، على الرغم من أنها قصة قديمة وشخصية ولم تكن هناك مناسبة لاستحضارها، في هذا الوقت الكل كان يفكر في القصاص لألف من الشهداء فجأة خرجت تلك المجموعة تماما عن المشهد كله تطالب بعودة كاميليا، لماذا جرى ذلك؟ كيف حدث ذلك؟ ومن حرك هؤلاء الأنقياء البسطاء؟ ترتبط إجابته بإجابة سؤالك.
* اعتمد برنامج الرئيس مرسي الانتخابي على خطة أسماها خطة المائة يوم إلا أن تنفيذ تلك الخطة لم يسر كما كان مخططا له، في رأيك ما السبب في ذلك؟
- لا يأتي رئيس بعد ثورة لكي ينظم المرور. لا أذكر أنني سمعت في الميدان إبان الأيام الـ18 للثورة هتافات تطالب بتنظيم المرور أو تنظيف الشوارع، الثورة قامت من أجل أهداف أخرى، والرئيس الذي يأتي بعد ثورة، ليست مهمته تنظيم المرور، قد يصح هذا في الأحوال الطبيعية، والدول المستقرة. قلت منذ اليوم الأول أنني لن أحاسب الرئيس على المرور أو القمامة، ولكن سأحاسبه على ما قامت هذه الثورة من أجله، لا بد أن ندرك بالتعريفات السياسية أن هذا رئيس انتقالي بمعنى أنه جاء مهمته الأولى أن ينتقل بهذا البلد من نظام مستبد إلى نظام ديمقراطي.
* نائب للرئيس وأربعة مساعدين و17 مستشارا هم قوام الهيئة المعاونة للرئيس مرسي، كيف يتم العمل داخل هذه الهيئة وما هي آليات اتخاذ القرار؟
- مؤسسيا ودستوريا القرار في الرئاسة للرئيس وحده، الإعلان الدستوري الذي نعمل في إطاره لا يشير إلا لنائب الرئيس. فيعين الرئيس نائبا له أو أكثر ويحدد اختصاصاته، ولم يشر إلى مساعدين ولا مستشارين. الرئيس محمد مرسي أراد أن يأتي بمساعدين وأن يكون هناك من يستشيره، وهذا اتجاه جيد وإن لم تنص عليه دساتير. والمساعدون بحكم التعريف هم موظفون. أما المستشارون، فحسب اللغة والتعريف، ليسوا موظفين في الرئاسة، هم أصحاب رأي كل ما يملكونه هو أن يقولوا رأيهم بشأن هذه المسألة أو تلك.
* البعض يرى أن اختيار المستشارين جاء للترضية وليس اختيارا لمن يمكنهم معاونة الرئيس مرسي بالفعل.. هل ترى ذلك؟
- أنا لا أعرف. وهذا لا يعنيني، أنا لا أفتش في النوايا ولا يعنيني لماذا أتى الرئيس بهذا أو ذاك، ما يعنيني ما يتاح لي من حرية واستقلال في إبداء رأيي داخل هذه المؤسسة.
* ولماذا اختارك الرئيس مرسي مستشارا له على الرغم من أنك لا تنتمي إلى أي حزب أو تيار سياسي؟ - مرة أخرى لا أفتش في النوايا. القصة بدأت بمقال كتبته ناقشت فيه قرارات كان الرئيس مرسي قد اتخذها، اتصل بي بعدها من يطلبني للاجتماع بالرئيس، يومها تناقشنا فيما ورد من آراء في المقال وكانت هي البداية. الرئيس مستمع جيد. وكل من اقترب منه يعرف ذلك. وهو ما شجعني على القبول بعد ذلك أن في هذا اللقاء الأول «لم يكن هناك سقف» لما يمكن أن أقوله من آراء أيا كانت.
* لماذا قبلت العمل مستشارا للرئيس على الرغم من رفضك لأن تكون وزيرا للإعلام في حكومته؟ وما الذي قد يدفعك للاستقالة من منصبك يوما ما؟
- الوزير بحكم القانون هو موظف، وموظف السلطة التنفيذية ليس له أن يكون مستقلا برأيه. وأظن أن الرصيد الذي يملكه صاحب الرأي هو الاستقلال برأيه، ولم أكن على استعداد أن أهدر رصيدي بأن أكون وزيرا. بالإضافة إلى أنني لا أصلح أن أكون موظفا، أما السبب الذي يجعلني أستقيل من منصبي هو أن أشعر أنه لا فائدة من وجودي، وأعتقد أن الفائدة الوحيدة للمستشار هي أن يكون مستقلا وإلا ما كان هناك داع للاستماع إليه.. سأستقيل حينما يقول لي أحدهم قل أو لا تقل.
* أبديت اهتماما بما تسميه الإصلاح المؤسسي للإعلام، ماذا تعني بذلك؟ - عندما نتحدث عن الإصلاح المؤسسي للإعلام، نشير إلى واحدة من أسس التحول الديمقراطي التي تعارفت عليه العلوم السياسية، ونحن هنا لا نعني «تطهير الإعلام» كما هو الشعار السائد، ولكننا نتحدث عن المنظومة التشريعية المطلوبة لتنظيم الإعلام في دولة ديمقراطية حديثة، أنا أريد أن أحقق المعادلة الصعبة حرية مطلقة مع مهنية كاملة.
* يواجه الإعلام المصري اتهامات كثيرة من جميع التيارات.. بوصفك صحافيا مرموقا ما رؤيتك للإصلاح الإعلامي في مصر؟ - نعم هناك ابتعاد عن المهنية، ولكن لا ينبغي أن نغفل حقيقة أن الإعلام ابن لمجتمعه ولا يمكن أن أحاسبه بعيدا عن السياق العام للمجتمع، ثانيا لكل شيء ثمن، والذي نحرص عليه الآن هو الحرية حتى لو كان ثمنها ما ندفعه الآن، أنا شخصيا أتعرض يوميا إلى مثل هذه الانتهاكات المهنية فمثلا تنسب إلى تصريحات لم أدل بها، وتحرف نصوص ما أقوله، ولكني على الرغم من كل ذلك أتمسك أن يظل الإعلام حرا، فلا علاج لمشكلات الحرية إلا بمزيد من الحرية. أخطاء الديمقراطية لا تعالج إلا بمزيد من الديمقراطية.