تامبا.. حلقة الوصل الاجتماعية في فضيحة بترايوس

كبار المسؤولين في القيادة الوسطى اعتادوا تنظيم الحفلات في منزل اللبنانية كيلي بالمدينة

مصورون صحافيون ينتظرون خروج جيل كيلي أمام منزلها في تامبا بفلوريدا أمس (رويترز)
TT

انتقل الزوجان جيل وسكوت كيلي إلى مدينة تامبا بولاية فلوريدا الأميركية منذ عقد من الزمن تقريبا، حيث أقاما في منزل كبير مبني من الطوب الأحمر، يتمتع بإطلالة رائعة على خليج تامبا في شارع بايشوري، وهو أكثر شوارع المدينة أناقة. وسرعان ما اكتسب الزوجان شهرة واسعة من خلال إقامة الحفلات الاجتماعية واستضافة كبار الجنرالات في الجيش الأميركي، الذين كانوا يشغلون المناصب القيادية في اثنتين من أهم القيادات العسكرية في الجيش الأميركي.

اشتهر الزوجان بإقامة الحفلات الضخمة، التي كانت تحتوي على أطعمة باهظة الثمن والكثير من الشمبانيا وخدمة ركن السيارات، فضلا عن السيجار للضيوف القادمين من قاعدة ماكديل الجوية القريبة، بما في ذلك الجنرال المتقاعد ديفيد بترايوس، والجنرال جون آلن، الذي يشغل الآن منصب قائد القوات الأميركية وقوات حلف الأطلسي في أفغانستان.

وتقول بام إيوريو، عمدة المدينة السابقة والتي تتذكر لقاءاتها مع بترايوس وزوجته هولي في الحفلات التي كان تقام في منزل عائلة كيلي «تعد تامبا من بين المجتمعات التي تسمح لك، إذا كنت غريبا عنها، بالتواصل مع الجماعات التي تناسبك. اختارت عائلة كيلي إقامة علاقات مع رجال الجيش».

أما الآن فبرز دور الرابط الاجتماعي بين النخبة العسكرية والمدنية في تامبا في قلب إحدى الفضائح التي تتكشف في واشنطن والتي كلفت بترايوس الاستقالة من منصبه كمدير لوكالة الاستخبارات المركزية، فضلا عن الإيقاع بالجنرال آلن، الذي كان يشغل منصب نائب بترايوس في الفترة التي قضاها في تامبا منذ عام 2008 وحتى عام 2010.

وتعتبر جيل كيلي (37 عاما)، السبب الرئيسي وراء إجراء هذا التحقيق، حيث كانت تتلقى رسائل تهديد من بريد إلكتروني مجهول، مما دفع مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) إلى فتح هذا التحقيق الذي كشف عن تورط الجنرال ديفيد بترايوس في علاقة خارج إطار الزواج مع كاتبة سيرته الذاتية بولا برودويل.

وأول من أمس، دخل الجنرال آلن في هذه الفضيحة أيضا عندما أعلنت وزارة الدفاع أنها تجري تحقيقا حول ما إذا كان آلن متورطا في «اتصالات غير لائقة» مع جيل كيلي، بينما يؤكد المقربون من آلن أن الرسالة التي أرسلها إلى كيلي كانت بريئة وأن الرئيس باراك أوباما قد أعرب عن دعمه له.

تظهر السجلات أن كيلي وزوجها، الذي يعمل جراحا، قد تعرضا لسلسلة من الدعاوى القضائية بخصوص ديونهما، حيث أشار تقرير نشرته صحيفة «ذا تامبا باي تايمز» أن الزوجين مدينان لأحد البنوك بنحو 2.2 مليون دولار، بما في ذلك أتعاب المحامين، بخصوص أحد المباني التي يملكانها. يدير الزوجان أيضا مؤسسة خيرية خاصة للسرطان، والتي يبدو أنها أوقفت أنشطتها في الوقت الراهن. ويشير التقرير الضريبي الخاص بعام 2007، وهو أحدث التقارير المتاحة، إلى أن المؤسسة الخيرية قامت بجمع 157.284 دولارا في ذلك العام، لكنها لم تنفق سوى 58.417 دولارا على البرنامج الذي كانت تجريه، والذي يصفه التقرير بأنه برنامج لإجراء أبحاث تهدف لتحسين حياة مرضى السرطان البالغين الميؤوس من شفائهم.

وعلى الرغم من ذلك، كانت الحفلات التي أقامها الزوجان مثار حديث الجميع في المدينة، ففي فبراير (شباط) 2010، أشار أحد الأعمدة المتخصصة في الحديث عن أخبار المشاهير في صحيفة «ذا تامبا باي تايمز»، إلى أن بترايوس وزوجته وصلا إلى منزل عائلة كيلي في حراسة 28 ضابط شرطة يركبون الدراجات النارية للمشاركة في أحد الحفلات بمناسبة «مهرجان القراصنة جاسباريلا» السنوي الذي يعقد في تامبا. وتضيف الصحيفة أن الضيوف تناولوا قطعا من لحم الضأن وكعكة سرطان البحر والنقانق والحلويات.

من الواضح أن الزوجين كانا يحظيان بمكانة مرموقة للغاية في ماكديل، التي يقع فيها مقر القيادة الوسطى للجيش الأميركي، والتي تدير الحروب في أفغانستان والعراق وتستضيف ضباط جيش من أكثر من 50 دولة، فضلا عن مقر قيادة العمليات الخاصة، التي تقوم بتدريب القوات الخاصة على القيام بمهام خاصة، مثل تلك القوة التي قامت بقتل أسامة بن لادن. يوجد هذان المقران جنبا إلى جنب في القاعدة، حيث يعيش الجنرالات والأدميرالات وغيرهم من كبار ضباط الجيش في منازل أنيقة على قطعة من الأرض مطلة على خليج تامبا. وفي كثير من الأحيان كان الزوجان يقومان بدعوة أبرز الشخصيات المحلية لحضور الحفلات الاجتماعية الخاصة بهما.

وفي الواقع، أصبح بترايوس وزوجته على علاقة وثيقة بعائلة كيلي، لدرجة قيام الزوجين باستضافة عائلة كيلي، فضلا عن ناتالي خوام، الشقيقة التوأم لجيل كيلي، لحفل عشاء بمناسبة عيد الميلاد في العام الماضي. كتب بترايوس وآلن خطابات إلى محكمة مقاطعة كولومبيا يدافعان فيها عن موقف خوام في نزاع حول حضانة طفل. وأثارت هذه العلاقة الوثيقة، فضلا عن الحفلات الفاخرة التي تقيمها عائلة كيلي، الشك في نفوس بعض رجال الجيش.

تقول جاسي إكهارت، مديرة تحرير الموقع الإلكتروني الخاص بالجيش (military.com) «لم أكن أعلم بوجود معجبين حول الجنرالات. لكن مثلما هو الحال في كل ميادين العمل الأخرى، هناك بعض الإثارة التي تحيط بالأشخاص الذين يتملكون الكثير من السلطة. ومثل كبار رجال الصناعة وبعض المشاهير، يمارس الجنرالات نوعا معينا من السلطة».

تعتبر قاعدة ماكديل الجوية القوة المحركة لاقتصاد تامبا، فبحسب تقديرات غرفة التجارة في تامبا، تتدفق 6.7 مليار دولار كل عام على منطقة خليج تامبا من القاعدة. ولهذا السبب، تنتشر شركات التعاقدات العسكرية وغيرها من الشركات العاملة في مجالات ذات صلة بالدفاع في المدينة، بينما يتم عقد الصفقات التجارية في كثير من الأحيان في نوادي التعري والمطاعم المنتشرة في المدينة.

وفي أعقاب أحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2001، زادت أهمية هذه القاعدة، حيث لعبت القيادة الوسطى وقيادة العمليات الخاصة أدوارا أساسية في الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة الأميركية في أفغانستان والعراق. ومن غير المألوف أن يوجد اثنان من القادة الكبار في نفس القاعدة، وهو ما يضع قاعدة ماكديل الجوية في قلب النشاط العسكري الأميركي. وعادة ما ينظر إلى قائد القيادة الوسطى باعتباره نجما على المستوى المحلي.

ويقول روغر مادوكس، وهو ضابط جيش متقاعد يعيش في تامبا «إنه يحظى بنفس المكانة التي يتمتع بها الرئيس التنفيذي لشركة (كرايسلر) في ديترويت. إنه في الحقيقة أهم من العمدة، حيث إن وجوده هو ما يجلب كل هذه الأموال الطائلة للمجتمع».

وفي الوقت نفسه، يرحب المجتمع المحلي في تامبا بالقادة العسكريين، الذين يكونون غرباء عندما يصلون إلى المدينة. ويقول جون لاورو، وهو مدع فيدرالي سابق في نيويورك ويعيش في تامبا طيلة الأعوام العشرين الماضية «بصفة عامة، عندما يصلون إلى هنا لا تكون لديهم أي علاقات في تامبا، لكنهم يصبحون على الفور جزءا من نسيج المجتمع. يحاول الناس الوصول إليهم والتقرب منهم».

بذلت جيل كيلي جهودا جبارة لتحظى بهذه المنزلة، حيث كانت تعتبر بمثابة حلقة اتصال اجتماعي بين قادة الجيش والمجتمع المحلي، لكن البعض هنا كان يرتاب منها بعض الشيء. وفي الأساس، تعتبر تامبا مدينة جنوبية محافظة، عاش فيها الكثير من الشخصيات الشهيرة على مدار عقود طويلة. وعلى الرغم من ذلك، لا يزال ينظر إلى جيل كيلي، وهي ابنة لمهاجرين لبنانيين نشأت في فيلادلفيا، وزوجها سكوت، وهو جراح سرطان، على أنهما وافدان جديدان إلى المدينة.

وفي كثير من الأحيان كان الزوجان يشاهدان في نادي اليخت في تامبا، الذي كان الراحل جورج ستينبرنر، المالك الرئيسي لنيويورك يانكيز، عضوا فيه. جذبت كيلي وشقيقتها ناتالي خوام الأنظار إليهما في عام 2003 عندما ظهرتا في برنامج «المطاردة»، وهو أحد برامج الواقع الذي يذاع على شاشة «فوود نيتوورك». تؤكد بام إيوريو، عمدة المدينة السابقة، أنه في الوقت الذي كان فيه بعض السكان البارزين الآخرين في تامبا يدعمون الجيش بطرق مختلفة - عن طريق جمع الأموال لقدامى المحاربين الجرحى أو التلويح بالأعلام كطريقة للتعبير عن الاحترام أو مساعدة أولاد الضباط ذوي الاحتياجات الطبية الخاصة - انحصر دور عائلة كيلي في المناسبات الاجتماعية.

وعندما كانت كبار الشخصيات الأجنبية تزور مقر القيادة الوسطى، كان جنرالات القيادة يستطيعون الاعتماد على عائلة كيلي لتنظيم حفل عشاء على شرف الشخصيات الأجنبية. وحتى عندما بدأت الأخبار تتواتر حول علاقة عائلة كيلي بفضيحة بترايوس في مساء الأحد الماضي، كان نائب قائد القيادة الوسطى الأميركية الأدميرال روبرت هاروارد يحضر حفلا في منزل جيل كيلي الذي يقع على ضفاف خليج تامبا.

* أسهم في كتابة التقرير مايكل شميدت من تامبا وشيريل جاي ستولبرغ من واشنطن ومايكل وينز من نيويورك وماثيو روسينبرغ ورون نيكسون من واشنطن

* خدمة «نيويورك تايمز»