قوات النظام تسمح لأهالي حرستا بريف دمشق بتفقد مدينتهم بعد 24 يوما من القصف المتواصل

سكان محليون: وجدنا أحياء كاملة «أثرا بعد عين»

TT

بعد 24 يوما من القصف، سمحت قوات النظام للأهالي بدخول مدينة حرستا في الغوطة الشرقية بريف دمشق لساعات محدودة لتفقد منازلهم وممتلكاتهم، لكن العشرات من المدنيين وجودها «أثرا بعد عين».

ويقول أبو خالد الحرستاني، وكان يصطحب معه زوجته: «لم أصدق عيني.. مبان كاملة مهدمة والدمار مروع. هناك أكثر من حي مدمر تماما، وبالأخص من المنطقة الممتدة من الأتوستراد لغاية جامع الشيخ موسى. باقي المناطق مدمرة ولكن ليست بذات الدرجة، حاولت الدخول إلى منزلي وقد اخترقته عدة قذائف وطارت النوافذ والأبواب جراء التفجير.. لم أتمكن من حمل أي شيء من أغراض البيت، معظمها محطم تحت الركام».

أم خالد لم تحجب دمعتها وهي ترى «جني العمر وقد تحول إلى ركام»، وتساءلت: «ماذا أحمل؟ هل أحمل ذكريات القهر أم ذكريات الفرح أم عمرنا الذي ضاع لننتهي مشردين؟ كل شيء راح.. المطبخ مدمر تماما ومنهوب. قضيت كل عمري ووقتي فيه أطبخ وأنا أنتظر عودة زوجي والأولاد، وبنيته بيدي واخترت ديكوراته وفق ذوقي، كان مطبخا وغرفة معيشة.. لم يتركوا شيئا فيه كله منهوب.. طقم ملاعق الفضة وجدت منه قطعتين فقط، شاشة التلفزيون مسروقة، والبراد لم يتمكنوا من حمله فحطموه وحطموا كل شيء. وجدت كراسي من طقم كنب الستيل عند الحاجز، استخدمها الجنود للتدعيم المتاريس. ملابسنا لم أجد منها شيئا، كلها سرقت.. كما حنفيات الحمام أيضا».

ويتدخل أبو خالد ليخفف عن زوجته بالقول: «الحمد لله على كل حال، كل شيء يعوض. وحتى لوجدنا أغراضنا ما كان ممكنا حمل شيئا منها، فقد قطعنا مسافة طويلة سيرا على الأقدام فوق الركام لنصل إلى البيت».

أما عمر، فجاء يتفقد ورشته وجد الأبواب مخلعة بسبب القصف، وكل محتويات الورشة منهوبة والزرع والأشجار محترقة، ولا يجد كلاما يقوله سوى «العوض على الله»، فحاله أفضل من حال جيرانه الذين تدمرت بيوتهم بشكل كامل وحطمت كل محتوياتها. ويقول: «البيوت التي وجد فيها أعلام الثورة أو أي شيء يدل على أن أصحابه مؤيدون للثورة دمرت بشكل كامل مع محتوياتها»، ويضيف أن جاره أصيب بجلطة عندما رأى منزله من طابقين ومحاله التجارية وورشته قد صارت جميعها «كوم حجر».

وبحسب السكان فإن أبنية شارع عبارة صوفان، ولغاية جامع الشيخ برق، بين مهدم ومحترق عند الجامع. وشارع الشيخ موسى وشارع السوق الرئيسية، وما تبقى في المناطق المجاورة، متضرر بشكل جزئي جراء القصف المدفعي والبراميل المتفجرة. وقال أحد الرجال المسنين ممن لم يغادروا حرستا: «حجم الدمار يقدر بمليارات الليرات السورية.. معظم سكان حرستا من أصحاب المعامل والمنشآت الصناعية المتوسطة والصغيرة غذائية ومفروشات وألبسة».

العشرات من سكان حرستا الذين سبق ونزحوا عنها أثناء القصف، سمح لهم بالدخول أمس وأول من أمس. فركنوا سياراتهم في أول الطريق ومشوا رجالا ونساء فوق أنقاض بيوتهم، واصطحبوا النساء لأن الجنود عند الحواجز يتعمدون اضطهاد الرجال والشبان إن كانوا وحدهم. العشرات عادوا لتفقد ممتلكاتهم والبحث عن أشيائهم.. هناك من جلس يبكي بمنتصف الطريق، وهناك من حاول النبش في الأنقاض عن أغراض عائلاته وألعاب أولاده، وثالث يحذر من وجود قناص على مسافة ليست بعيدة، ورابع ينصح بالانصراف بأسرع وقت ممكن، فقد يتجدد القصف في أي لحظة.

لا يمكن وصف مشاعر أهالي حرستا وهم يرون أحياء بكاملها وقد غدت أثرا بعد عين، أحد الموالين للنظام - والمتهم بأنه «مخبر» - فوجئ بمنزله منهوبا، خرج إلى الشارع وراح يشتم النظام ويطالب بإسقاطه، إلا أن أحدا لم يتعاطف معه، بل إن شخصا هزأ منه «انتبه رجال الأسد يحاصرون حرستا من جميع الجهات».

وتعرضت مدينة حرستا يوم أمس لقصف عنيف من قبل مدفعية جيش النظام، وشوهد تصاعد أعمدة الدخان في سماء المدينة، وقالت الهيئة العامة للثورة السورية إن «قوات جيش النظام قامت بإلقاء غازات سامة في شوارع المدينة، مما أدى إلى وقوع أكثر من 50 حالة اختناق وغثيان وإغماء بين الأهالي».