وسيط بين إسرائيل وحماس: قبل ساعات من اغتيال الجعبري كانت بيديه مسودة اتفاق تهدئة

قال لـ «الشرق الأوسط»: بعد اغتيال قائد «القسام» لن يكون هناك عنوان لإسرائيل لبحث تهدئة

الجعبري («الشرق الأوسط»)
TT

أعلن الناشط السلمي الإسرائيلي غرشون باسكين، الذي كان وسيطا بين الحكومة الإسرائيلية وحركة حماس في صفقة الجندي الأسير جلعاد شاليط، أنه واصل نقل رسائل بين الطرفين بعدها. وقال إن اغتيال أحمد الجعبري هو اغتيال لفرصة حقيقية للهدنة بين الطرفين كانت في مراحل متقدمة جدا للاتفاق عليها، وإن الجعبري تلقى النسخة العربية لهذه الهدنة قبل ساعات فقط من اغتياله.

وقال باسكين، في حديث لصحيفة «الشرق الأوسط»، إن الهدنة باتت واقعية أكثر من أي وقت مضى، قبل اغتيال الجعبري. وأكد أنه خلال الرسائل التي نقلها بين الطرفين، وجد تغييرا بالغ الأهمية لدى الجعبري يبين أنه مستعد لوقف العمل المسلح إذا توفر لديه اتفاق هدنة جيد. فبعد أن فاز «الإخوان المسلمون» بالحكم في مصر وغيرها من الدول العربية وأصبحت حماس حاكمة في القطاع ولديها مسؤوليات تجاه الناس، صار يفكر بعقلية المسؤول السياسي الذي سيكون عليه الاهتمام بمتطلبات الإنسان العادي البسيط في شعبه. ولذلك وافق من حيث المبدأ على الهدنة، وليس التهدئة، باعتبار أن الهدنة ملزمة أكثر.

وكشف باسكين لـ«الشرق الأوسط» أنه بعد نجاحه، مع آخرين، في التوصل إلى صفقة تبادل الأسرى بين إسرائيل وحماس قبل أكثر من سنة، لم يقطع الاتصال مع الطرفين وكذلك مع الطرف المصري، بل استمر فيه على أمل التوصل إلى اتفاق الهدنة. وقد عاد من مصر فقط قبل أسبوع، من زيارة لنفس الغرض. وقال إنه أعد مسودة اتفاق هدنة، ينص على وقف كل الأعمال العدائية بين إسرائيل وحماس لمدة غير محددة زمنيا. وقد صادقت جهات إسرائيلية رسمية عليها، فوجهها إلى قيادة حماس، وهناك أعدوا مسودة أخرى للهدنة، مختصرة وواضحة وأكثر بساطة من حيث الصياغة وتتحدث عن هدنة أولية تمتد لفترة 3 – 6 أشهر للتجربة، فإذا نجحت تصبح هدنة طويلة الأمد.

وقال باسكين إنه من خلال محادثاته مع الطرفين المصري والإسرائيلي علم بأن المسودة الجديدة لاتفاق الهدنة التي وضعتها حماس وزعت في الأيام الأخيرة على عدد من الشخصيات القيادية في الحركة، وإن الجعبري تلقاها صباح يوم اغتياله.

وسألت «الشرق الأوسط» باسكين عن تفسيره لهذا التصرف الإسرائيلي، ففي الوقت الذي ترسل فيه إسرائيل اقتراحا للهدنة تبادر إلى جريمة اغتيال كهذه، وإن كان هناك صراع في إسرائيل بين قوى تريد التهدئة وقوى أخرى لا تريدها، أم أن الحكومة الإسرائيلية خدعت حماس عمليا واستخدمته هو في هذه الخديعة، فأجاب باسكين «الصحيح أنني لا أستطيع الجزم بأن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع إيهود باراك، كانا على علم بمدى التقدم في المحادثات مع حماس وأنهما بادرا إلى عملية خداع». وردا على سؤال عن الأطراف التي يقيم اتصالات معها في إسرائيل، قال «مع مسؤولين كبار في المستوى المهني، ممن يجلسون في اجتماعات المجلس الوزاري الأمني المصغر. وكنت بدأت الوساطة قبل سنة، فورا بعد إطلاق سراح شاليط والأسرى الفلسطينيين في الصفقة. والتقيت مع الوزير إيهود باراك، وعرضت عليه نص اتفاق الهدنة. فأوحى لي بأنه يأخذ الموضوع بمنتهى الجدية، فأقام لجنة تتمثل فيها الوزارات والدوائر المعنية جميعها. لكن الحكومة الإسرائيلية (خللت) المشروع وجمدته، إذ قررت ألا تقرر. وقبل شهور عدت لأبادر إلى تحريك الموضوع، فأبدوا تعاونا معي في الطرفين».

* إذن.. نتنياهو وباراك على علم بهذه الاتصالات؟! - بالتأكيد أنهما على علم، ولكن إلى أي مدى لا أعرف. ما أعرفه فقط هو أن لدينا قيادة تتخذ قراراتها «العبقرية» من دون تفكير في اليوم التالي. فهذه الحرب التي بدأوها باغتيال الشخصية الأقوى في حماس لا تأخذ بالاعتبار كيف يمكن أن تتطور، بل قل أن تتدهور، وكم من القتلى سيقعون من الطرفين، وتذهب أرواحهم هباء، من دون أي حاجة. فإذا كان القتلى حتى الآن يعدون على أصابع اليدين، فإن أحدا لا يعرف كيف ستتطور الأمور الآن. فيكفي أن يقع صاروخ فلسطيني على حافلة ركاب بالصدفة، ويموت العشرات، أو تصيب غارة إسرائيلية بالخطأ جنازة فلسطينية فيموت العشرات وربما المئات. على الجميع أن يعرفوا أن مثل هذه الحوادث التي تؤدي إلى قتل الأبرياء في الطرفين كان بالإمكان منعها بواسطة التوصل إلى اتفاق هدنة.

* في الطرف الفلسطيني يقال اليوم إن إسرائيل توجهت إلى مصر تطلب تدخلها للعودة إلى التهدئة أو الهدنة، وإن مصر رفضت ذلك، فهل لديك معلومات في الموضوع؟

- كنت على اتصال مع جهات مصرية، أمس (أول من أمس) وصبيحة اليوم (أمس)، وفهمت أن المصريين غاضبون جدا من العمليات الحربية الإسرائيلية مثلما كانوا غاضبين من إطلاق الصواريخ. وهم يقولون إنهم يفضلون أن تحصل التهدئة من تطورات الموقف الميداني بين الطرفين، ولا يرون أن هذا هو الوقت الملائم ليتدخلوا.

* ماذا تعرف عن الجعبري؟

- إنه رجل صاحب صلاحيات واسعة. رجل قيادي بكل معنى الكلمة. كان صادقا في التوصل إلى هدنة، ولعب دورا كبيرا في وقف إطلاق الصواريخ من التنظيمات الفلسطينية. وحتى عندما كانت تُطلق صواريخ من حماس، كان يتعمد أن تسقط في مناطق مفتوحة حتى لا تحدث أضرارا بشرية. وأحب أن أقول إنه بعد اغتيال الجعبري لن يكون هناك عنوان لإسرائيل من أجل البحث في تهدئة وهدنة. فحماس تحتاج الآن إلى وقت ليس بقليل حتى تضع شخصية أخرى مكان الجعبري. وهذا يسمى في لغة السياسة «خطأ فاحش» من الناحية الاستراتيجية. ولهذا أقول إن من قرر الخروج إلى هذه الحرب لم يفكر أبدا في الغد. هذه حرب بلا أهداف واضحة.

* لكن باراك أعلن عن أربعة أهداف، أمس (أول من أمس)..

- أجل لكنها أهداف مضللة. فعندما يقول إنه يريد القضاء على بطاريات الصواريخ، كيف سيعرف أنه قضى عليها؟ وعندما يقول تصفية قادة الإرهاب، من يضمن ألا يأتي مكانهم أناس أكثر تطرفا وعداء منهم؟ إن باراك يتكلم مستغلا بساطة الناس وحماسهم لقتل العدو، ولكن من يدقق في ما يقوله ويقرره هو ونتنياهو سيجد أنهما يقودان البلاد إلى مغامرة خطيرة ويتسببان في مقتل أناس أبرياء بلا أي ضرورة.

جدير بالذكر أن وسائل الإعلام الإسرائيلية تحدثت أمس عن العملية العدوانية ضد غزة على أنها تضمنت عملية خداع حربي، وذلك بواسطة «تخدير» لحركة حماس وباقي الفصائل بعد أن أعطى مسؤولون إسرائيليون وعلى رأسهم نتنياهو انطباعا لديهم بأنه لا هجوم على القطاع. وقالت صحيفة «يديعوت أحرونوت»، أمس، إن «عملية التخدير اشترك فيها بجانب الجيش والأجهزة الأمنية أهم وزراء الحكومة بهدف دفع حماس وباقي المنظمات الإرهابية في غزة إلى التخفيف من درجة الطوارئ حيال هجوم إسرائيل على غزة، والعودة لنشاطات تسمح بالكشف عن رأس الذراع العسكرية لحماس أحمد الجعبري واغتياله». وأوضحت الصحيفة أن «رئيس الحكومة الإسرائيلية عقد اجتماعا للسفراء الأجانب في عسقلان جنوب إسرائيل لكي يشدد على أن إسرائيل ستعمل على وقف إطلاق القذائف من غزة»، مشيرة إلى أن ذلك «ترك انطباعا لدى الدبلوماسيين بأن الحديث لا يدور عن عملية سيشرع بها قريبا». ولفتت الصحيفة إلى تكتيك التخدير الذي استخدمته الحكومة الإسرائيلية، قائلة إن نتنياهو زار مدينة بئر السبع بجنوب إسرائيل، والتقى مع رؤساء السلطات المحلية من منطقة الجنوب، وترك لديهم أيضا الانطباع بأن إسرائيل لا تنوي القيام بعمل عسكري في هذه المرحلة ضد غزة. وأشارت إلى أن تصريح نتنياهو ووزيره باراك بأن إسرائيل ستختار «الموعد الأفضل» لكي ترد على إطلاق النار من غزة على إسرائيل، أسهم أيضا في هذا التضليل.

وذكرت الصحيفة بأن نتنياهو كان قد أرسل وزير الدولة، بيني بيغن، الذي يعتبر سياسيا نزيها وجديرا بالثقة، لإجراء مقابلات لمحطات الإذاعة المختلفة كجزء من عملية الخداع، حيث قال بيغن إن «جولة التصعيد بغزة انتهت وأصبحت من ورائنا»، وإن «إسرائيل ستعمل في المستقبل إذا تجدد إطلاق النار من غزة». وبحسب الصحيفة، استمر نتنياهو وباراك في عملية الخداع صباح أول من أمس الأربعاء، عندما وصلا معا وتحديدا للقيادة الشمالية وتجولا في هضبة الجولان المحتلة على حدود سوريا، لكي يختبرا الوضع على الجبهة السورية.