اغتيال الجعبري.. يوحد الفلسطينيين ويغير لغة الخصوم

أبو مازن يقطع جولته الأوروبية.. وفتح وحماس تدعوان للوحدة تحت وقع الضربات

رجال الدفاع المدني يحاولون إخراج فلسطيني جريح طمر التراب سيارته جراء انفجار قنبلة ألقت بها طائرة إسرائيلية في غزة أمس (رويترز)
TT

أوقف اغتيال قائد كتائب القسام، أحمد الجعبري، الحرب الكلامية بين فتح وحماس، ويمكن القول: إنه وحد مؤقتا الفلسطينيين، وأحدث تغييرا كبيرا في المشهد.. فقد توحدت الجهود، وتغيرت اللغة، وانطلقت من جديد دعوات الوحدة الوطنية.

ورغم الانقسام الذي يجعل من الضفة الغربية وقطاع غزة، وكأنهما بلدان شقيقان، وليس وطنا واحدا، فقد بددت دماء الجعبري حدود الانقسام الوهمية، فأدانت السلطة الفلسطينية الجريمة ونعته على أعلى مستوى كقائد للقسام، وقطع الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) زيارته إلى سويسرا التي كانت محطة في طريقه إلى فرنسا للقاء الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، وقرر العودة إلى رام الله لمتابعة العدوان على القطاع، فيما خرج الناس للشوارع وهتفوا في قلب رام الله شعارات بدت غريبة عن المدينة المسالمة، ولم تسمع منذ سنوات: «الشعب يريد قصف تل أبيب».

وقال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، صائب عريقات، إن الرئيس، قطع جولته الأوروبية، وسيعود إلى أرض الوطن، لمتابعة تطورات العدوان.

وحذر أبو مازن من خطورة التصعيد الإسرائيلي، وطالب بوقف العدوان فورا، لإنقاذ الفلسطينيين في القطاع من ويلات الحرب. وتحرك في عدة اتجاهات، فطلب من الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي، عقد اجتماع طارئ لمجلس الجامعة العربية على مستوى المندوبين الدائمين، لبحث التصعيد الخطير والعدوان، وبعث برسالة إلى رئيس مجلس الأمن في دورته الحالية (الهند)، عبر المراقب الدائم لفلسطين لدى الأمم المتحدة في نيويورك، السفير رياض منصور، يطالبه بالعمل على وقف العدوان، واتصل بالرئيس المصري محمد مرسي، لتحريك الموقف في مجلس الأمن، وحمّل نبيل شعث، عضو اللجنة المركزية، مشروعا قدم به للاجتماع الوزاري لمنظمة التعاون الإسلامي في جيبوتي: «لإدانة العدوان الهمجي الذي يتعرض له القطاع المحاصر».

وقال منصور في رسائل متطابقة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، ورئيس مجلس الأمن (الهند) ورئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة: «إن السلطة القائمة بالاحتلال تتفاخر علنا بالقتل المتعمد للفلسطينيين وإعلانها خططا لارتكاب المزيد من جرائم من هذا النوع». وأدان منصور «الأعمال الإسرائيلية الإجرامية والتصريحات الاستفزازية والتحريضية من قبل المسؤولين الإسرائيليين، التي تهدف إلى إثارة العنف والتوترات بين الجانبين وترهيب وترويع السكان المدنيين الفلسطينيين». ووصف عملية اغتيال الجعبري وآخرين، بعمل «خارج نطاق القانون». وطلب ضرورة «إيلاء المجتمع الدولي، بما في ذلك على وجه الخصوص مجلس الأمن، اهتماما فوريا للتصعيد العسكري الإسرائيلي والإجراءات غير القانونية التي تتخذها إسرائيل ومطالبتها بوقف عدوانها العسكري ضد الشعب الفلسطيني الرازح تحت الاحتلال، بما في ذلك وقف عمليات الاغتيال خارج نطاق القانون».

أما شعث، فطلب من الدول الإسلامية العمل السريع والفوري لوقف العدوان وردع إسرائيل وحماية أبناء شعبنا في القطاع، محذرا من تداعيات استمرار الهجوم العسكري.

وفيما واصلت إسرائيل هجومها أمس، خرج الفلسطينيون إلى الشوارع في رام الله وبيت لحم ونابلس والخليل، وهتفوا ضد إسرائيل ومع المقاومة وطالبوا بالثأر، وتحول بعض هذه المظاهرات إلى اشتباكات مع الجيش الإسرائيلي. وليس سرا أن اغتيال بعض قيادات حماس لم يلق في السابق الاهتمام الذي لقيه اغتيال الجعبري من قبل السلطة وفتح وعموم الفلسطينيين في الضفة.

ويحظى الجعبري باحترام واسع بين الفلسطينيين، وزاد ذلك بعدما تمكن من إخفاء الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط لسنوات طويلة في منطقة ضيقة من العالم، وأجبر إسرائيل على صفقة تبادل مع أسرى فلسطينيين. ونعت السلطة وفتح، الجعبري كواحد من الأبطال الكبار، وتغيرت اللغة التي كانت سائدة في الحرب السابقة. وقال صائب عريقات إنه يدين باسم الرئيس اغتيال قائد القسام، وكتب عضو المجلس الثوري لفتح سمير مشهراوي، المقرب من دحلان وأحد أكبر خصوم حماس رسالة عبر «فيس بوك» لأبناء فتح في غزة، بعد اغتيال الجعبري قال فيها «لا تفقدوا الاتجاه». وأضاف: «أنتم أصحاب البوصلة الوطنية التي لم تضيِّع الاتجاه الوطني يوما، فالعدو المركزي كان وما زال هو الاحتلال الإسرائيلي». وتابع: «يا كتائب الأقصى المغاوير.. يا عناوين التحدي والبطولة والشرف، إن الواجب الوطني المقدس يناديكم».

وفعلا دخلت كتائب الأقصى التابعة لفتح وتشكيلاتها على خط المواجهة مع إسرائيل وتبنت إطلاق عدد من الصواريخ تجاه مدن إسرائيلية. وتفاعل مسؤولون وناشطون في فتح مع اغتيال الجعبري وترحموا عليه عبر مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، وطالبوا بسرعة إنجاز الوحدة.

ومن بين الذين طالبوا بالوحدة القيادي السابق محمد دحلان.

وكتب عضو المجلس الثوري فهمي الزعارير: «الوحدة على أرض المعركة نهج الثوار وكل الأحرار، وأي خلاف في إطار البيت الفلسطيني يجب أن يذوب في داخله، ومحرم أن يستفيد منه الاحتلال، وهنا، فإن وحدة الشعب ووئامه وقواه الوطنية العاملة والفاعلة، نتيجة حتمية لا يفيد تأخيرها أو المناورة عليها لأهداف فئوية، والفصائل لم توجد إلا لأجل فلسطين وبئس من ضل».

وفي المقابل لم تكن لغة حماس كما كانت، تغيرت هي الأخرى من لغة تشكيكية إلى تصالحية وفيها نصح. فكتب نائب رئيس المكتب السياسي موسى أبو مرزوق على صفحته على «فيس بوك» يقول: «السلطة الوطنية الفلسطينية وقيادتها مطالبة بدور أكبر وبمواقف أصلب في مواجهة العدوان الصهيوني على قطاع غزة حتى لا تتكرر مواقفهم في حرب 2008-2009. لا توقفوا حركة الجماهير بل شجعوها، لا تحصروا المواجهة في غزة بل اجعلوها بطول الضفة وعرضها، هذا هو أهم عناوين الوحدة الوطنية والسياسية والجغرافية، أوقفوا التنسيق الأمني المهين».