رفض أزهريين اعتلاء القرضاوي منبرهم يؤجج الصراع السياسي في مصر

مراقبون يرون أن دعوته دليل على توجه السلفيين والإخوان للدفع به خلفا لأحمد الطيب

TT

تحول منبر الجامع الأزهر إلى ساحة صراع سياسي جديدة في مصر، بعد الدعوة التي وجهتها وزارة الأوقاف إلى الدكتور يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين (المقيم في قطر) لإلقاء خطبة الجمعة (اليوم) من فوق منبر الأزهر للمرة الأولى، حيث رفض علماء أزهريون خطبة القرضاوي وهو عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، حيث إن «لديه صبغة سياسية» ومعروف بانتمائه لجماعة الإخوان المسلمين.

واتهم علماء الأزهر جماعة الإخوان والدعوة السلفية بمحاولة فرض القرضاوي بالقوة على رأس المؤسسة الدينية الرسمية والزج باسم الأزهر في صراعات سياسية وتفريغه من دوره الحقيقي في الدعوة إلى الله عن طريق المنهج الوسطي.

وأعلن الدكتور سلامة عبد القوي المتحدث الرسمي لوزير الأوقاف الدكتور طلعت عفيفي، القادم من التيار السلفي، على هامش مؤتمر القافلة الدعوية التي قامت بزيارة قطاع غزة مؤخرا، أن الدكتور القرضاوي سيلقي خطبة الجمعة (اليوم) من فوق منبر الجامع الأزهر».

واعتبر مراقبون أن وزارة الأوقاف غدت معقلا للسلفيين، تسعى إلى سحب البساط من تحت أقدام الأزهر، لتصبح مراكز الثقل للشيوخ والدعاة غير الأزهريين، بعيدًا عن الوسطية المعهودة بالأزهر. وظل منبر الأزهر برمزيته المكان الأنسب لزعماء مصر لتدشين عهودهم أو تجييش الشعب، اعتلاه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر عقب «العدوان الثلاثي» على مصر عام 1956، وحرص الرئيس الأسبق أنور السادات على الصلاة فيه، وصلى به الدكتور محمد مرسي أول جمعة له بعد قيامه بأداء مهامه كأول رئيس لمصر بعد ثورة 25 يناير، كتقليد كان يحرص عليه حكام وسلاطين مصر، وحتى الرئيس السابق حسني مبارك في بداية توليه السلطة.

وكان الجامع الأزهر (الذي يتبع وزارة الأوقاف وليس مشيخة الأزهر) طوال تاريخه نقطة البداية للغضب والانتفاض. ويحظي بمكانة كبيرة لدى عامة المصريين. وتجلي الصراع على الجامع الأزهر أهم منبر وسطي في العالم الإسلامي بين القوى السياسية في مصر في ظل تنامي نفوذ القوى المتشددة. ورغم تأكيدات مستشار وزير الأوقاف أن «الوزارة في عهد الدكتور عفيفي، الذي يعتقد أنه جاء دون التشاور مع الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر وفق التقاليد المتبعة، أن الوزارة لا علاقة لها بأي حزب أو تيار سياسي»؛ لكن مراقبين يرون أن دعوة القرضاوي أكبر دليل على وجود توجه من السلفيين والإخوان للدفع به خلفا للدكتور أحمد الطيب، الذي لا يلقى قبولا من الطرفين.

وبرهن المراقبون على ذلك أن وزير الأوقاف لم يلتق الدكتور الطيب في أي مؤتمر أو مناسبة منذ توليه الوزارة في حكومة الدكتور هشام قنديل الأخيرة التي شكلها الرئيس مرسي عقب فوزه بالرئاسة في أغسطس (آب) الماضي.

وسبق أن ألقى الدكتور القرضاوي (87 عاما) خطبة الجمعة في ميدان التحرير بوسط القاهرة في «مليونية النصر» 17 فبراير (شباط) عام 2011 بعد أسبوع من تنحي مبارك إثر ثورة 25 يناير، وتعالت الأصوات بعدها لتولي منصب شيخ الأزهر، خاصة أن موقف الأزهر من ثورة 25 يناير لم يكن واضحا في بدايتها، حسب مراقبين. وأثار توجيه الدعوة للقرضاوي لإلقاء خطبة الجمعة من الجامع الأزهر، غضب الأزهريين الذين اعتبروا ذلك تعديا عليهم وعلى أئمة وزارة الأوقاف البارعين والمفوهين.

وفيما حشدت جماعة الإخوان شبابها أمس لخطبة القرضاوي بعد الهجوم الإسرائيلي الأخير على غزة، نظم العشرات من الإسلاميين وقفة احتجاجية أمام مجلس الشورى (الغرفة الثانية للبرلمان) أمس (الخميس)، للمطالبة بعزل شيخ الأزهر، بعد أن تعالت أصوات الإسلاميين في مليونية «تطبيق الشريعة» الجمعة الماضي بميدان التحرير باستبعاد الدكتور الطيب.

ويرى مراقبون أن الجامع الأزهر هو الطريق لفرض نفوذ الإخوان والسلفيين على المؤسسة الدينية الرسمية والتي كانت تختار في الأنظمة السابقة مناصب مفتي الديار المصرية ووزير الأوقاف ورئيس جامعة الأزهر.

وقالت مصادر داخل الأزهر تحدثت معها «الشرق الأوسط» أمس، إن تصاعد النبرة الثورية للأزهر مؤخرا يعكس محاولات استعادة دوره، وهو ما من شأنه تقليص الدور الدعوى للإخوان، وإن الخلاف بين الأزهر والإخوان رغم بقائه في أمور محددة مثل الجمعية التأسيسية للدستور، فإنه في حقيقة الأمر يمتد إلى أن الأزهر في طليعة القوى المناوئة للحكم الإخواني والسلفي، لا سيما أن العديد من قياداته وعلى رأسها الدكتور الطيب يرون أن الدولة يجب أن يبقى طابعها مدنيًا.

واتهمت قيادات في مشيخة الأزهر الإخوان والسلفيين بممارسة الضغط الشعبي من أجل الدفع بالقرضاوي في منصب شيخ الأزهر. وينص الدستور المصري الجديد الذي تعده الجمعية التأسيسية الآن على أن اختيار منصب شيخ الأزهر يكون من هيئة كبار العلماء وعددهم 24 عضوا، ويرى مراقبون أن ما يمنع الدكتور القرضاوي من منصب شيخ الأزهر هو جنسيته القطرية؛ لكن لم يستبعد المراقبون قيام القرضاوي بالتنازل عن جنسيته القطرية لتولي المنصب، خاصة أنه أزهري وعضو بهيئة كبار العلماء (الذي صدر قرار بتشكيلها من المجلس العسكري الحاكم سابقا في يونيو/ حزيران الماضي).

وقال مصدر مسؤول في مشيخة الأزهر إن «دعوة القرضاوي للخطبة في معقل الأزهر تؤكد وجود توجه للضغط على الدكتور الطيب لترك منصبه والسيطرة على الأزهر». ودلل المصدر على ذلك بأن خطب الجامع الأزهر يدعى لها دائما شيخ الأزهر، ويؤم المصلين فيها إما الدكتور علي جمعة مفتي مصر أو وزير الأوقاف.