تحقيقات حول تحقيق مكتب المباحث الفيدرالية في فضيحة بترايوس

كشف هوية العميل الذي نقل للمحققين التهديدات المرسلة إلى المرأة اللبنانية الأصل كيلي

صورة أرشيفية لعميل مكتب المباحث فريدريك همفريز الذي نقل للمحققين تهديدات إلكترونية تلقتها جيل كيلي تفجر الفضيحة (أ.ب)
TT

عادت التحقيقات التي أجراها مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي (إف بي آي)، والتي أجبرت ديفيد بترايوس على الاستقالة من منصبه كمدير لوكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه)، تحت المجهر مجددا الأربعاء، بعدما خضع مدير المكتب روبرت مولر للاستجواب أمام الكونغرس، ولمح الرئيس باراك أوباما إلى الأسئلة العالقة حول مجرى التحقيقات.

وفي أول تصريحات علنية له بشأن تلك الأحداث المثيرة للجدل، قال أوباما إنه لم ير دليلا على أن تلك الفضيحة قد أدت إلى كشف معلومات سرية قد تضر بالأمن القومي، لكنه لم يوافق على طريقة تعامل مكتب «إف بي آي» مع التحقيقات بشأن الاتصالات التي أجراها بترايوس وقائد القوات الأميركية وقوات حلف الأطلسي في أفغانستان جون ألين عبر البريد الإلكتروني الشخصي.

لم يكن البيت الأبيض والكونغرس على علم بالتحقيقات حتى ليلة الانتخابات التي جرت الأسبوع الماضي. وردا على سؤال خلال المؤتمر الصحافي عما إذا كان يتعين على الرئيس أن يعرف بشكل أسرع من ذلك أنه قد تم كشف التجاوزات الشخصية التي ارتكبها رئيس وكالة «سي آي إيه» أم لا، قال أوباما إنه يمتنع عن «إصدار حكم في ما يتعلق بكيفية التعامل مع القضية المحيطة بالجنرال بترايوس برمتها، فكما تعلمون، ليس لدينا كل المعلومات حتى الآن». وتشير تصريحات أوباما إلى أن الإدارة تحاول بصعوبة التعامل مع الأسئلة الأساسية المحيطة بالتحقيق الذي تورط فيه قائد الجيش الأميركي في أفغانستان، وصدم الرئيس أوباما، ومع ذلك لم يحدد ما إذا كان قد تمت إساءة استخدام المعلومات السرية أم لا. وكان الجنرال بترايوس قد استقال من منصبه كمدير لوكالة الاستخبارات المركزية الأسبوع الماضي بعدما اعترف بوجود علاقة خارج إطار الزواج مع كاتبة سيرته الذاتية بولا برودويل.

وتتزامن تصريحات أوباما مع الكشف عن معلومات جديدة تفيد بأن برودويل كان لديها قدر كبير من المعلومات السرية، وأن مبعث القلق الأولي لمكتب التحقيقات كان يتمحور حول كيفية معرفة مرسل مجهول لرسائل تهديد للكثير من جداول الأعمال الرسمية لمدير وكالة «سي آي إيه» وقائد قوات التحالف في أفغانستان. وقد تم تتبع الرسائل الإلكترونية ليعرف في نهاية المطاف أنها لبرودويل.

وقد تم إرسال هذه الرسائل إلى ألين وجيل كيلي، وهي امرأة لبنانية الأصل، وشخصية بارزة في فلوريدا ترتبط بعلاقات وثيقة مع بترايوس وألين وغيرهما من كبار ضباط الجيش عندما كانوا يعملون في مقر القيادة الوسطى الأميركية في تامبا. ويخضع ألين الآن للتحقيقات من قبل المفتش العام لوزارة الدفاع بشأن محتوى مئات من رسائل البريد الإلكتروني بينه وبين كيلي.

وتلقى ألين أول رسالة في مايو (أيار) الماضي من مرسل يستخدم اسما مستعارا «كيلي باترول»، وفقا لشخص مقرب من كيلي. وأوضحت الرسالة أن المرسل كان يعرف أن ألين كان من المرجح أن يلتقي بكيلي في مقر إقامة السفير في واشنطن، وأنه يجب أن يظل بعيدا عنها، وفقا لنفس الشخص. وتم إرسال رسائل لاحقة، مجهولة أيضا، لكيلي وزوجها سكوت. وأضاف هذا الشخص أن إحدى هذه الرسائل قد تساءلت عما إذا كان سكوت يعرف أن زوجته ستلتقي ببترايوس في واشنطن في الحدث المقرر انعقاده الأسبوع المقبل أم لا. وقال هذا الشخص «من الواضح أن هذا الشخص كان يعلم بمواعيد مجيء وذهاب الجنرال ألين ومدير وكالة الاستخبارات المركزية بترايوس. وكان هناك قلق من أن يكون شخص ما يطاردهما إلكترونيا أو جسديا ويعرف معلومات مجيء وذهاب هذه الشخصيات المهمة».

وفي منتصف يونيو (حزيران)، اتصلت كيلي بأحد عملاء مكتب «إف بي آي» كانت قد التقت به وأخبرته بتلك الرسائل الإلكترونية. ونقل هذا العميل نسخا من تلك الرسائل إلى فرع المكتب في تامبا، وذلك لأن تلك المعلومات أظهرت أن المرسل على دراية مفصلة بتحركات بترايوس وألين، ولأن كيلي قد شعرت بالخوف على حياتها. وتم الكشف عن هوية هذا العميل أول من أمس الأربعاء، وهو فريدريك همفريز (47 عاما)، الذي كان قد تعرف على كيلي خلال زيارة إلى منزلها قبل سنوات للتحقيق في حالة أخرى لم تكن لها أي علاقة بتلك القضية، وفقا لمسؤولي إنفاذ القانون. ولم يكن همفريز مكلفا بتلك القضية، لكنه شعر بالإحباط في ما بعد بسبب التباطؤ في فتح التحقيقات في قضية ربما قد تؤثر على الأمن القومي الأميركي.

وفي نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أعرب همفريز عن مخاوفه لزعيم الأغلبية في مجلس ألينواب إيريك كانتور، ثم قام رئيس ديوان كانتور بالاتصال هاتفيا برئيس ديوان مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي. وبعد المكالمة، كشفت وزارة العدل عن وجود تحقيق مع بترايوس إلى رئيس جهاز الاستخبارات الوطنية جيمس كلابر، في السادس من نوفمبر (تشرين الثاني). وأخبر كلابر البيت الأبيض في اليوم التالي، ثم استقال بترايوس الجمعة.

وكان آخر لقاء لمكتب التحقيقات الفيدرالي مع بترايوس قد عقد في الحادي والثلاثين من أكتوبر، وأشار مسؤولو وزارة العدل إلى أنهم لم يكن بإمكانهم الكشف عن التحقيقات حتى يتم الانتهاء منها.

ورغم أن مسؤولي إنفاذ القانون قالوا إن مكتب «إف بي آي» لم يكن يعتقد في البداية أن هذه القضية قد تؤثر على الأمن القومي، فإن مسؤولين وغيرهم قد أخبروا صحيفة «واشنطن بوست» بأن برودويل كانت على علم بجداول أعمال مسؤولين بارزين وبعض المعلومات «السرية». وأشارت زميلة سابقة لبرودويل إلى تلقيها قرص كومبيوتر منها قبل عدة أشهر اشتمل على مواد مصنفة على أنها «سرية»، وتضمن جداول أعمال شخصية وعروضا تقديمية باستخدام برنامج «باور بوينت».

ويعتبر هوس برودويل بالتعامل مع مثل تلك المعلومات محور التحقيق الذي يجريه مكتب التحقيقات الفيدرالي. وقال مسؤولو إنفاذ القوانين في الولايات المتحدة إنهم وجدوا «كما هائلا» من الملفات السرية على جهاز الكومبيوتر الشخصي الخاص ببرودويل. وفضلا عن ذلك، فقد أزالوا صناديق تحتوي على أدلة من منزلها في نورث كارولينا خلال عملية بحث تمت عشية الاثنين.

وأخبر كل من برودويل وبترايوس المحققين بأنه لم يزودها بأي مواد سرية خلال البحث الذي كانت تجريه لكتابة سيرته الذاتية. وعلى الرغم من أن برودويل كانت تحمل تصريحا أمنيا، فإن متحدثا باسم الجيش أوضح أول من أمس الأربعاء أنه قد تم تعليق تصريحها في ضوء المعلومات التي كشف النقاب عنها مؤخرا. وقال الرئيس أوباما في المؤتمر الصحافي الأربعاء «لا أملك أي دليل في هذه المرحلة.. يمكنني أن أتبين منه أن الكشف عن تلك المعلومات السرية قد يؤثر سلبا بأي صورة على أمننا القومي». وبدت كلماته منتقاة بحيث لا تستثني إساءة التعامل مع الملفات السرية.

وذكر شخص مقرب من كيلي أن المحققين قد تبينوا أن لدى برودويل أربعة حسابات إلكترونية على الأقل بأسماء مستعارة، منها «كيلي باترول» و«تامبا»، إضافة إلى اسم مدينة أميركية أخرى. وتجنبت برودويل استخدام جهاز الكومبيوتر المنزلي الخاص بها، حيث كانت تبعث برسائل من مقاهي إنترنت وأماكن عامة أخرى، بحسب الشخص المقرب من كيلي ومسؤولي إنفاذ قوانين أميركيين.

وقد نقل مساعدون عن ألين، الذي كان يشغل سابقا منصب رئيس القيادة المركزية الأميركية، قوله إنه لم يقم علاقة جنسية مع كيلي أو يستخدم أي عبارات مكشوفة في رسائل البريد الإلكتروني التي تبادلها معها. غير أن ألين الآن هو محور تحقيق أجراه المفتش العام لوزارة الدفاع، استنادا إلى آلاف الصفحات لنسخ من رسائل البريد الإلكتروني المتبادلة - كثير منها بين ألين وكيلي - التي تم تسليمها إلى البنتاغون من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالي. وقال محام عسكري، الأربعاء، إن ألين يسعى للتعاون بشكل كامل مع التحقيق.

وصرح البنتاغون، الأربعاء، بأن مسؤولين في قاعدة ماكديل الجوية في تامبا قد سحبوا شارة كيلي، التي منحتها إمكانية الاطلاع على المعلومات نفسها التي يتمتع بها أقاربها ممن هم ما زالوا في الخدمة وأيضا المتقاعدون.

وقامت كيلي بدور غير رسمي كشخصية اجتماعية بارزة في ماكديل، حيث كانت تقيم حفلات مترفة لضباط أصحاب رتب عالية وتوطد علاقات قوية بأسرة بترايوس. وفي مؤتمره الصحافي، أثنى أوباما على بترايوس نظرا لسجله كقائد حرب في العراق وأفغانستان، فضلا عن كونه مديرا لوكالة الاستخبارات المركزية، وهو منصب شغله لمدة 14 شهرا قبل تقديم استقالته. وتحدث أوباما قائلا إن بترايوس «خدم بلاده بامتياز هائل». وأضاف «أمنيتي الأساسية الآن هي أن يتمكن هو وأسرته من عبور الأزمة، وأن تنتهي إلى مجرد زلة لا تقضي على مسيرة حياة مهنية كان يمكن أن تكون استثنائية». وذكر أوباما أن لديه «قدرا كبيرا من الثقة بشكل عام في مكتب التحقيقات الفيدرالي»، حتى مع عدم إبداء موافقته على أسلوب إجرائها التحقيق مع بترايوس.

وظهر كل من مولر ونائب مدير مكتب التحقيقات شون جويس في جلسة مغلقة، الأربعاء، أمام لجنة الاستخبارات التابعة لمجلس الشيوخ، يتلقيان أسئلة للمرة الأولى من مشرعين حول النقاط المحورية في قضية بترايوس، ومن بينها قرار مكتب التحقيقات الفيدرالي بتوسيع نطاق التحقيق الذي ظهر في البداية كتحقيق محدود ثم تطور إلى اتهام بجريمة تحرش عبر البريد الإلكتروني متورط فيه مواطنون مشهورون، الأمر الذي يقود للفحص الدائم للمراسلات الخاصة بكبار مسؤولي الأمن القومي. وحتى بعد إقحام بترايوس وألين في التحقيق، يبدو أن مكتب التحقيقات الفيدرالي قد انتظر على مدى عدة أشهر قبل إخطار البيت الأبيض أو الكونغرس.

وأصدرت رئيسة اللجنة الديمقراطية ديان فاينشتاين، والسيناتور الجمهوري ساكسباي تشامبليس، بيانا بعد الجلسة يعلنان فيه أن مولر وجويس قد «أجابا عن الأسئلة». وأضافا «نظرا لأن هذا تحقيق مستمر يجريه مكتب التحقيقات الفيدرالي، فلن يكون لدينا مزيد من التعليقات».

يعد مكتب التحقيقات الفيدرالي جدولا زمنيا للمشرعين في ما يتعلق بنهجه والقرارات التي سيتخذها أثناء نظر القضية، بحسب المسؤولين. وذكر أوباما أنه يتوقع أن يتبع مكتب التحقيقات الفيدرالي البروتوكولات في ما يتعلق بتوقيت الكشف عن نتائج التحقيق، وأن إخطار البيت الأبيض في وقت مبكر ربما كان ليثير انتقادات مفادها أن الإدارة قد تدخلت في إجراء تحقيق جنائي.

وأمس، صرح وزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا من تايلاند حيث كان يقوم بزيارة، بأن الفضيحة التي تحيط ببترايوس لن تطال في ما يبدو أيا من كبار القادة عدا جون ألين. وقال بانيتا للصحافيين «لا أعرف بآخرين يمكن أن يكونوا متورطين في هذا الأمر حاليا. من الواضح مع استمرار التحقيق في هذه المسألة في كابيتول ومن جانب المفتش العام أن علينا أن ننتظر لنرى العناصر الإضافية التي يمكن أن تنمو إلى علمنا». كما أكد رئيس أركان الجيوش الأميركية مارتن ديمبسي أمس ثقته بتعيين الجنرال جون الين قريبا على رأس القيادة العليا لقوات حلف الأطلسي في أوروبا رغم تورطه في القضية. وصرح ديمبسي في بيان نشر على موقع البنتاغون «لدي ثقة مطلقة» في قدرات ألين على مواصلة مهمته في أفغانستان. وقال «سألته إن كان يعتقد أنه سيتأثر بالضغط الجديد الذي يطاله شخصيا، وأكد لي أنه مستعد وراغب وقادر على مواصلة مهمته القيادية». وأضاف أن «جون ألين مرشح لتولي القيادة العليا للحلف الأطلسي ولا أريده أن يفوت هذه الفرصة من دون سبب».

* أسهم كيمبرلي كيندي وكارول ليونيغ وجولي تات في إعداد التقرير

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»