التجديد لأوباما يضخ دفئا في العلاقات الباردة مع روسيا

شهر عسل مؤقت يبدأ بدعوة الرئيس الأميركي لزيارة موسكو وتبدل إيجابي في التعامل مع السفير

السفير الأميركي في موسكو يلقي كلمة بمقر إقامته مساء يوم انتخابات الرئاسة الأميركية (أ.ب)
TT

ظهر مشهد غريب على القناة الأولى بالتلفزيون الروسي المملوك للدولة الأسبوع الماضي، بعد فترة وجيزة من الإعلان عن فوز الرئيس الأميركي باراك أوباما بفترة ثانية. كان المشهد هو جلوس سفير الولايات المتحدة لدى موسكو، مايكل ماكفول، على مقعد مريح بجانب مذيع برنامج حواري يذاع في وقت متأخر من الليل، ويتم التعامل معه باعتباره ضيفا جديرا بالاحترام.

في إطار ثقافة سياسية تعتمد على الإشارات، لم يكن من الصعب قراءة تلك الإشارة وتفسير مدلولها. حينما وصل ماكفول إلى موسكو في منتصف يناير (كانون الثاني) الماضي، قوبل بموجة استهجان من قبل التلفزيون الروسي؛ وهو ما يتجلى على وجه الخصوص في مقطع تم بثه في وقت ذروة المشاهدة على القناة الأولى في التلفزيون الروسي تحت عنوان «أخصائي في الثورة» اتهم ماكفول بأنه قد تم إرساله إلى موسكو للإطاحة بحكومة فلاديمير بوتين.

غير أن تغييرا مفاجئا في اللهجة بدأ الأسبوع الماضي، من خلال وقف الحديث المعادي لأميركا الذي بدأ قبل 11 شهرا، حينما اتهم بوتين وزارة الخارجية الأميركية لأول مرة بإشعال المظاهرات ضد حكمه. لقد استشعر التحول بشكل حاد في السفارة الأميركية، التي اكتشفت، في ظل انهيار العلاقات خلال العام الماضي، أن كبار رجال الأعمال الروس كثيرا ما رفضوا دعوات موجهة منها. وبالمقارنة، حضر مأدبة غداء أقيمت يوم الثلاثاء الماضي في محل إقامة ماكفول عدد من أصحاب المشروعات الرواد ورجال الصناعة البارزون.

ليس ثمة أدنى شك في ذلك: افتتحت قناة اتصال بين موسكو وواشنطن، على الأقل لفترة. ينم ذلك أولا عن أن السلطات الروسية شعرت بارتياح شديد لهزيمة ميت رومني، وثانيا، على أنه في روسيا، يمكن أن تتغير عناوين الأخبار وأن تختفي اللغة الخشنة حينما تكون هناك صفقات يجب أن تبرم.

ينتهج بوتين أسلوبا براغماتيا في تعاملاته مع الولايات المتحدة، وهي حقيقة يبرزها سجل العام الماضي.. فقد تجاهل المعارضة السياسية بوصفها من اختصاص وزارة الخارجية الأميركية ومأجوريها. وبعدها، اتخذ خطوات في سبيل إضفاء الطابع المؤسسي في التعامل مع حالات الشك والارتياب في الأجانب، ومن الأمثلة على ذلك قانون يلزم المجموعات غير الربحية التي تتلقى تمويلا من الخارج بتعريف نفسها بوصفها تندرج تحت فئة «عملاء أجانب» وتوسيع نطاق التعريف القانوني للخيانة، بحيث يضم مد يد العون للمؤسسات الدولية.

لكن في الفترة نفسها تقريبا، وعلى نحو انطوى على خطر تأجيج غضب الناخبين أثناء حملة انتخابات رئاسية شرسة، وافق على السماح لحلف شمال الأطلسي باستخدام قاعدة جوية روسية مركز لوجستيات لنقل قوات وبضائع إلى أفغانستان، واتخذ أوباما إجراء موازنا من خلال سياسة تغيير النهج، التي «فصلت» الاحتجاجات الأميركية على سجل حقوق الإنسان في روسيا عن الجهود الثنائية المبذولة بشأن أفغانستان وإيران وحظر انتشار الأسلحة النووية.

نجح هذا في عام 2009، عندما كان ديمتري ميدفيديف، رئيس روسيا في تلك الفترة، يطرح إصلاحات حذرة. غير أن سلسلة جديدة من التعاون ستتم في مقابل خلفية أكثر إثارة للخلافات والقلاقل، في ظل فرض روسيا قوانين تقييدية وبدئها محاكمة نشطاء سياسيين. وقال صامويل كاراب، وهو باحث بالمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية: «هذا الفصل المستمر سيكون على المحك. لن يكون ممكنا من الناحية السياسية».

على الرغم من أن قائمة المشروعات الثنائية أقل مما كانت قبل أربع سنوات، فإن روسيا في وضع يكفل لها تزويد أوباما بعنصر أساسي لا غنى عنه لإرثه المرغوب فيه: سلسلة ثانية من إجراءات الحد من استخدام الطاقة النووية. يشير مفاوضو الولايات المتحدة إلى أن روسيا مهتمة بتقليل مخزونها البالي، جزئيا لأنها تستثمر تريليونات الروبلات في تحديث قواتها النووية.

حتى الآن، ذكر الجانب الروسي أنه لن يناقش أي تقليلات في استخدام الطاقة النووية ما لم يتوفر لديه ضمان بأن نظام دفاع صاروخيا أوروبيا مخططا له لن يكون باهظ التكلفة بدرجة كبيرة بحيث يقضي على التأثير الرادع لمطامح موسكو النووية. غير أن كاراب، الذي ترك وزارة الخارجية مؤخرا، ذكر أن اللغة الروسية قد أصبحت أقل حدة. وقال: «أعتقد أنهم ينتظرون منا أن نطرح شيئا على الطاولة، وينتظرون أن يعبر القائد عن رأيه».

طلب بوتين الاجتماع بشكل شخصي مع أوباما، وفي محادثة هاتفية معه يوم الثلاثاء، وافق أوباما على دعوته لزيارة روسيا، حسب ما أعلن الكرملين. وسيكون هذا ثالث اجتماع بين الرجلين، كما سيكون - على الأقل بالنسبة لبوتين - اجتماعا محوريا. بدأت علاقتهما بداية سيئة في عام 2009، حينما أثنى أوباما على الملأ على ميدفيديف على حساب بوتين، قائلا إن بوتين «لديه موطئ قدم في الوسائل القديمة لإجراء التعاملات وموطئ قدم في الوسائل الحديثة». وفي مايو (أيار)، غاب بوتين عن اجتماع قمة مجموعة الثماني، الذي قام أوباما بالترويج له بوصفه فرصة «لقضاء وقت» مع القائد الروسي.

قيل إن بوتين كان محبطا من رد الفعل الغربي تجاه قراره العودة إلى الرئاسة العام الماضي، ومن انتقاد واشنطن أسلوب تعامل روسيا مع مظاهرات مناوئة للنظام، الذي نظر إليه، بحسب أحد المسؤولين، بوصفه «لا ينم عن درجة كبيرة من الولاء». لكن محللين يقولون إنه يكن احتراما شديدا لأوباما، جزئيا بسبب ما حدث في اجتماعهما الأول: استمع أوباما بهدوء لمجموعة شكاواه من سياسة الولايات المتحدة ومضى في خطط دفاع صاروخية في أوروبا، بحسب ديمتري ترينين، مدير مركز «كارنيغي» في موسكو. وقال: «لا أظن أن طبيعة أوباما التي تميل للتحفظ بمثابة عقبة أمام توطيد علاقة وطيدة، ولكنها ليست من نوع العلاقات التي تربط بين الأصدقاء. بالنسبة لبوتين، يتمثل مفتاح إقامة علاقة دائمة في أن تعد بشيء وتفي به».

* خدمة «نيويورك تايمز»