باريس تسعى لرفع الحظر عن الأسلحة «الدفاعية» لصالح المعارضة السورية

مصادر فرنسية رسمية: مواكبة التحالف الجديد أفضل طريقة لمواجهة نفوذ الجهاديين * ألمانيا تطالب باجتماع لـ«أصدقاء الشعب السوري» قبل نهاية العام

عنصر من الجيش الحر أثناء اشتباكات مع القوات النظامية أول من أمس في حلب (أ.ب)
TT

أوجد إنشاء تحالف قوى المعارضة يوم السبت الماضي، في الدوحة، دينامية سياسية ودبلوماسية جديدة، يراد منها، وفق ما تقوله مصادر فرنسية رسمية رفيعة المستوى، أن تخرج الوضع السوري من حال المراوحة والكر والفر بين قوات النظام والقوى الثورية. وبعد أن عجلت باريس على لسان رئيس الجمهورية فرنسوا هولاند، عشية الثلاثاء الماضي، في الإعلان عن اعترافها بالتحالف «ممثلا شرعيا وحيدا» للشعب السوري، استمرت على انطلاقتها بحيث أذاع قصر الإليزيه أن هولاند سيستقبل غدا السبت رئيس التحالف أحمد معاذ الخطيب ورئيس المجلس الوطني السوري جورج صبرا بعد اتصال هاتفي مع الأول عصر الأربعاء ليجدد له دعم فرنسا للتحالف.

وأمس، أعلن وزير الخارجية لوران فابيوس الذي التقى مؤخرا قادة التحالف الجديد في القاهرة، أن فرنسا ستثير «قريبا جدا» مسألة رفع الحظر الأوروبي المفروض على إرسال الأسلحة «الدفاعية» إلى سوريا. وينتظر أن يتم ذلك بمناسبة اجتماع وزراء خارجية الاتحاد يوم الاثنين المقبل.

ويأتي كلام وزير الخارجية بمثابة «ترجمة» لما قاله هولاند نفسه عشية الثلاثاء الماضي، عندما أكد أن موضوع تسليم الأسلحة للمعارضة «سيعاد طرحه»، كما أنه ذكر بدعوته السابقة من أجل إقامة «مناطق آمنة» في سوريا، امتنع مجددا عن تحديد الوسائل اللازمة لتحقيق ذلك. وقال فابيوس، في حديث إذاعي صباح أمس، إن «حظرا على توريد السلاح قائم حتى الآن، ولذا ليست هناك أي أسلحة أوروبية تصل إلى المعارضة. لكن السؤال سيطرح حول رفع الحظر، ولا شك في أنه سيطرح حول الأسلحة الدفاعية». لكن فابيوس ربط قرار فرنسا بهذا المعنى بالتنسيق مع الأوروبيين، مما يعطي اجتماع الاثنين المقبل أهمية استثنائية لمعرفة ما إذا كانت بقية الأطراف الأوروبية جاهزة لسلوك الدرب الذي اختارته فرنسا، ومعها بريطانيا التي تحدث رئيس وزرائها ووزير خارجيتها عن الحاجة لإعادة النظر في موضوع السلاح.

وكان الاتحاد الأوروبي قد فرض حظرا على تسليم السلاح إلى الأطراف السورية، نظاما ومعارضة، في شهر مايو (أيار) من العام الماضي. وبحس دبلوماسيين أوروبيين، فإن الوصول إلى قرار بهذا المعنى «معقد ولا يمكن أن يتم بسرعة» لما يتسم به من تعقيدات قانونية وصعوبات سياسية بسبب تفاوت المواقف الأوروبية من المعارضة السورية. وتبدو باريس، حتى الآن، الأكثر اندفاعا في دعم التحالف الجديد، مما يذكر بمواقفها المتقدمة إزاء ليبيا، حيث كانت أول من اعترف بالمجلس الوطني الليبي وأول من أرسل طائراته الحربية إلى سماء بنغازي.

وأفادت مصادر دبلوماسية فرنسية بأن اجتماعا لـ15 دولة يشكلون «النواة الصلبة» لمجموعة «أصدقاء الشعب السوري» سيجتمعون اليوم في لندن بدعوة من الحكومة البريطانية للتدارس في كيفية تقديم المساعدات للمعارضة السورية. بينما دعا وزير الخارجية البريطاني ويليام هيغ، أمس، المعارضة السورية إلى تحديد «خطة انتقالية واضحة»، وذلك في ختام اجتماع ضم وزراء ومسؤولين عسكريين بريطانيين برئاسة رئيس الحكومة ديفيد كاميرون، ناقشوا الوضع «المتدهور» في سوريا.

وقال هيغ في مؤتمر صحافي بلندن: «سألتقي (الجمعة) بعض المسؤولين في الائتلاف المعارض الجديد، ونريد أن نبحث معهم المستقبل.. وضرورة العمل معا واحترام حقوق الإنسان وامتلاك خطة واضحة للانتقال السياسي في سوريا»، مضيفا أن «العمل مع المعارضة هو أولوية».

وبينما أوردت الـ«بي بي سي» أن وزراء وضباطا بريطانيين سيناقشون خصوصا إمكان فرض منطقة حظر جوي وتسليم أسلحة للمعارضة السورية، أوضح هيغ أنه سيتحدث الأسبوع المقبل أمام مجلس العموم البريطاني لعرض «وجهة نظر (لندن) وما تنوي القيام به حول النزاع في سوريا».

من جهته، طالب وزير الخارجية الألماني غيدو فسترفيلي، أمس، في المؤتمر الصحافي الذي أعقب اجتماعا لوزراء خارجية ودفاع خمس دول أوروبية في باريس (فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، إسبانيا وبولندا)، بعقد اجتماع لـ«أصدقاء الشعب السوري» قبل نهاية العام الحالي في مدينة مراكش المغربية.

وبعد أن وصف الوزير الألماني تشكيل التحالف الوطني السوري بأنه «خطوة مهمة»، دعاه إلى أن يظهر أنه يستطيع أن يكون «بديلا ذا صدقية عن النظام السوري المتآكل». وطالب فسترفيلي المعارضة السورية بالالتزام بثلاثة معايير رئيسية؛ هي: الديمقراطية، ودولة القانون، والتعددية الإثنية والدينية والمذهبية. وأشار الوزير الألماني إلى التنسيق القائم بين الاتحاد الأوروبي والجامعة العربية لجهة توفير الدعم للتحالف. وأردف نظيره الإيطالي جوليوماريا ترزي دي سانت أغاتا أن هناك «حاجة لقيام تحالف ذي مصداقية ليكون بديلا عن النظام عندما ينهار، ولتحاشي الفراغ الذي يمكن أن يعقبه». وبحسب تصريحات الوزراء الموجودين، يبدو أن هناك اتفاقا على أن تمر المساعدات الممنوحة للمعارضة السورية من الآن ولاحقا عبر التحالف، مما من شأنه أن يثبت صدقيته.

وشددت مصادر فرنسية، واكبت اجتماع الدوحة وولادة التحالف الوطني، على الحاجة لـ«مواكبة» إنشاء التحالف وضرورة توفير الدعم متعدد الأوجه له، باعتبار أن «توافر فرصة من هذا النوع قد لا يتكرر في المدى المنظور». ورأت هذه المصادر أن الولايات المتحدة الأميركية لعبت دورا مهما في ولادة التحالف، وأن تأخر واشنطن في الاعتراف به ممثلا شرعيا للشعب السوري «لا يعني أن الجانب الأميركي لا يدعمه، بل إن واشنطن تريد منه بعض الإشارات والمبادرات» لتذهب أبعد مما فعلت في دعمها، وأن المسألة بأملها «مسألة توقيت»، مستبعدا أي تخاذل أميركي.

وتعتبر المصادر الفرنسية أن المسارعة في الاعتراف بالتحالف هي «وسيلة من مجموعة وسائل» لمواجهة تنامي الحركة الجهادية في سوريا، بينما الوجه الثاني لها قيام تنظيم عسكري «من أسفل إلى أعلى»، أي يبدأ من القواعد الدنيا في المدن والمحافظات ليصل إلى تأسيس قيادة عسكرية لقوى المعارضة تقف بوجه التيارات الجهادية.

وتظهر باريس كثيرا من الاحترام لرئيس التحالف، الذي تصفه مصادرها بـ«السني المعتدل» وبأنه مقتنع بالحاجة لطمأنة الأقليات ورافض للتوتير الطائفي، وبالتالي يتعين دعم الخط الذي يمثله، مما يفسر مسارعة رئيس الجمهورية الفرنسية لأن يكون أول زعيم غربي يدعوه للقائه.

ورغم ذلك، ترغب باريس في توسيع قاعدة التحالف، وهي مثلا ترغب في أن ينضم إليه المعارض السوري ميشال كيلو وتياره. وكشفت هذه المصادر عن أن الأميركيين الذين قرروا زيادة مساعدتهم للمعارضة يريدون العمل لهذا الغرض مع التحالف.

أما موضوع السلاح، فيبدو أن التصور الغربي - وخصوصا الأميركي الغالب - يقوم على انتظار قيام بنى عسكرية موثوق بها تحت راية التحالف، تكون محل ثقة لتسلم الأسلحة المتطورة، خصوصا المضادات الجوية من الصواريخ حتى لا تقع في أيدي جهاديين إسلاميين.

وعلى الجانب المقابل، حذرت روسيا أمس الدول الداعمة للائتلاف السوري المعارض لنظام الرئيس بشار الأسد بأنها ترتكب «انتهاكا فاضحا» للقانون الدولي إذا زودت المقاتلين بأسلحة. وصرح المتحدث باسم وزارة الخارجية ألكسندر لوكاشيفيتش في مؤتمر صحافي قائلا: «لقد قدم عدد كبير من العواصم تعهدات بتقديم أسلحة حديثة».

وأضاف لوكاشيفيتش أن تقديم «مساعدة أجنبية إلى المعارضة التي تشن نزاعا مسلحا ضد الحكومة الشرعية، انتهاك فاضح للمعايير الأساسية التي يقوم عليها القانون الدولي»، وتابع: «في شرعة مبادئ القانون الدولي، ورد بوضوح أن أي دولة لا يحق لها تنظيم أو مساعدة أو تمويل الأعمال المسلحة التي تهدف إلى الإطاحة عبر العنف بالنظام في دولة أخرى».