سائقو 30 ألف سيارة أجرة في دمشق يبحثون عن القوت وسط الحواجز والطرق المقطوعة

سائق دمشقي: النظام يشك بنا لأنه يعتبر أن الكثير من سيارات الأجرة سرقت بغرض تفخيخها

TT

تشكل الحواجز العسكرية الكثيرة وإغلاق نصف الشوارع في دمشق التي شهدت سلسلة تفجيرات دامية خلال الأشهر الأخيرة، معضلة أساسية لسائقي سيارات الأجرة في العاصمة السورية الذين يقاومون أجواء الحرب من أجل كسب قوت العيش.

ويقول أبو محمد (60 عاما) «ما هو تعريف سائق الأجرة الجيد في أي بلد من العالم؟ هو شخص يعرف الطرق المختصرة والأزقة والشوارع ذات اتجاه السير الواحد التي تسمح له بإيصال زبونه إلى مقصده في أقصر وقت ممكن».

إلا أن أبو محمد الذي يقود سيارته الصفراء منذ عام 1980 يشكو اليوم من أن «خبرتي لم تعد ذات فائدة حاليا لأن ثمة حواجز جديدة تقام كل يوم، وأكثر من نصف الشوارع لا سيما الصغيرة منها، باتت مقفلة أمام حركة السير، ما يؤدي إلى ضغط سير في الشوارع الرئيسية».

وتعمل في العاصمة السورية التي يقطنها نحو 1,7 مليون نسمة، قرابة 30 ألف سيارة أجرة، أضيفت إليها بضعة آلاف من حمص (وسط) وحلب (شمال) ودير الزور (شرق)، يقودها سائقون هربوا من العنف في مدنهم وهم مضطرون للعمل لتوفير حاجات أسرهم. حسب وكالة الصحافة الفرنسية.

ويقول سائق الأجرة المخضرم أبو نضال إن «المسار الذي كنت أنجزه في عشر دقائق، بات يتطلب مني نصف ساعة على الأقل، وفي زحمات السير استهلك المزيد من الوقود. قبل تقطيع شوارع المدينة، كنت أكسب شهريا 25 ألف ليرة سوريا (340 دولارا)، في مقابل 14 ألف ليرة حاليا».

ويضيف الرجل الذي فضل عدم كشف كامل اسمه «لا يمكنني أن أشكو لأنني أعرف أن هذه الإجراءات اتخذت لضمان سلامة السكان».

وشهدت دمشق نحو 12 تفجيرا منذ اعتداء أول في ديسمبر (كانون الأول) 2011 أدى إلى مقتل 44 شخصا وإصابة 166 بجروح. ونفذت غالبية التفجيرات بسيارات مفخخة وتبنت عددا كبيرا منها «جبهة النصرة» الإسلامية المتطرفة.

ووضعت حواجز من الاسمنت في كل الشوارع المؤدية إلى الوزارات والمؤسسات العامة والمراكز الأمنية وحتى بعض الفنادق، كما أقفلت ساحة السبع بحرات الشهيرة في العاصمة أمام حركة السير بشاحنات صهاريج خوفا من تفجير انتحاري يستهدف المصرف المركزي.

يضاف إلى ذلك انتشار كثيف لحواجز أجهزة الأمن أو «اللجان الشعبية» المؤلفة من سكان أحياء موالية للنظام يقومون بتفتيش السيارات والتأكد من هويات المارة.

ويشكو أبو ليلى (30 عاما) الذي بدأ بمزاولة هذه المهنة منذ ستة أعوام، من أن «مشكلتنا أننا غالبا موضع شك في عيني النظام كما في أعين المقاتلين المعارضين».

ويوضح أن المقاتلين المعارضين يتهمون سائقي سيارات الأجرة بالعمل مع النظام لأن عناصر في أجهزته الأمنية دخلوا مدينة داريا جنوب العاصمة قبل نحو ستة أشهر مستخدمين سيارات أجرة، وهاجموا المقاتلين المعارضين الموجودين هناك.

ويضيف «أما الطرف الآخر (النظام) فيشك بنا لأنه يعتبر أن الكثير من سيارات الأجرة سرقت بغرض تفخيخها».

من سلبيات الوضع الراهن أيضا أن أيا من سائقي الأجرة غير مستعد للمخاطرة بحياته والدخول إلى الأحياء الساخنة أو الضواحي التي تشهد منذ أشهر معارك بين القوات النظامية والمقاتلين المعارضين.

ويؤكد أبو حسن أنه لا يغامر بعيدا من وسط المدينة «لأن قذيفة يمكن أن تدمر سيارتي، أو قد يستولي سارقون على السيارة، أو قد أتعرض للضرب من أحد طرفي النزاع».

وبعدما كان يعمل قرابة إحدى عشرة ساعة يوميا، بات أبو حسن يعود إلى منزله قرابة الساعة السابعة مساء، وقال إنه «بعد هذه الساعة يلجأ الجميع إلى منازلهم، ويصبح التجول في الشارع أمرا لا طائل منه، لأنه سيكون من الصعب العثور ولو على راكب واحد».

من جهته، يوضح أبو عمار أن «ساعات العمل تقلصت ولم نعد نقود لمسافات طويلة، لا سيما في الضواحي، وانخفضت زحمات السير الطويلة، فيما تعرفات سيارات الأجرة لم ترتفع». وأضاف «كل هذا يدفع بي إلى العودة إلى منزلي من دون أن أكون قد جمعت تكلفة يومي».