باريس ستستضيف أول سفير للثورة السورية في العالم

هولاند لـ «الشرق الأوسط»: متفائلون بأن تحذو كثير من الدول حذو فرنسا في الاعتراف بالائتلاف ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب السوري

الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند ورئيس الائتلاف السوري معز الخطيب في الندوة الصحافية التي تلت اجتماعهما أمس أمام قصر الإليزيه (رويترز)
TT

في تطور لافت يعكس مدى انخراط السياسة الفرنسية في عملية دعم المعارضة السورية على كل الصعد واستكمالا لقرار باريس الاعتراف بالائتلاف الوطني السوري لقوى المعارضة والثورة ممثلا شرعيا وحيدا للشعب السوري، أعلن الرئيس فرنسوا هولاند أن بلاده قررت استضافة سفير جديد لسوريا يعينه رئيس التحالف أحمد معاذ الخطيب الذي استقبله هولاند، صباح أمس، في قصر الإليزيه في لقاء دام ساعة وربع الساعة.

وسارع الخطيب الذي كان لقاؤه مع هولاند الأول من نوعه مع رئيس دولة، عربيا كان أو أجنبيا، إلى الإعلان عن اسم السفير الجديد، وهو الدكتور منذر مخوس الذي ينتمي إلى الطائفة العلوية. وبما أن السفارة السورية في باريس، وفق ما قاله هولاند في حديث مشترك إلى الصحافة في الإليزيه، «ليست ملكا للحكومة الفرنسية»، فقد وعد الرئيس الفرنسي بإيجاد «مكان مناسب» يستقر فيه السفير الجديد، ويمكنه من «تمثيل الشعب السوري بشكل لائق».

وعقب ذلك، صافح هولاند السفير ماخوس، كما عانقه وزير الخارجية لوران فابيوس.

وكانت فرنسا سحبت سفيرها منذ أشهر من دمشق وطلبت من سفيرة سوريا لديها المغادرة. غير أن السفيرة لمياء شكور هي كذلك مندوبة سوريا لدى اليونيسكو، ولذا يحق لها البقاء على الأراضي الفرنسية باعتبار أن اليونيسكو منظمة دولية وما زالت علاقاتها مع سوريا عادية.

وكان ماخوس أحد أعضاء وفد الائتلاف السوري الذي شارك في اجتماع الإليزيه إلى جانب الخطيب ونائبي الرئيس رياض سيف وسهير الأتاسي. ومن الجانب الفرنسي، حضر اللقاء الوزير فابيوس ومستشار هولاند الدبلوماسي بول جان أورتيز والسفير الفرنسي السابق في دمشق أريك شوفاليه ومدير دائرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الخارجية الفرنسية جان فرنسوا جيرو، وهو سفير أسبق في دمشق. وحرص هولاند على استقبال الخطيب والوفد المرافق عند أسفل درج الإليزيه، كما توجها معا إلى الصحافة عقب انتهاء الاجتماع.

وحرص الرئيس الفرنسي على التأكيد على أنه حصل على «ضمانات» من الخطيب بخصوص طبيعة النظام الديمقراطي، الذي سيأتي محل نظام الرئيس الأسد، عقب سقوطه، وعلى المحافظة على حقوق الأقليات، معددا منها المسيحيين والعلويين.

وقال هولاند: لقد اطمأننت حول تمثيل كل مكونات «الشعب» السوري والرئيس «الخطيب» أعطاني كل الضمانات تحديدا حول وجود المسيحيين والعلويين في الحكومة الجديدة لسورية الديمقراطية.

وأفاد هولاند بأن رئيس الائتلاف أبلغه بسعي بنية المعارضة السورية الجديدة، من أجل تشكيل قيادة عسكرية موحدة وهيئة مركزية يكون مقرها القاهرة بغرض توفير كل الدعم الإنساني للسوريين.

ولم يأتِ هولاند على ذكر هذه العناصر الثلاثة «طبيعة النظام القادم وديمقراطيته وتعدديته وقيام قيادة عسكرية موحدة» صدفة، بل جاءت في سياق الترويج لائتلاف ودفع البلدان المترددة على الاحتذاء بفرنسا والاعتراف به ممثلا شرعيا ووحيدا.

وقال هولاند، ردا على سؤال لـ«الشرق الأوسط»، حول احتمالات أن تسلك دول أوروبية وعربية وأميركية الدرب الذي سلكته فرنسا، التي كانت أول دولة غربية اعترفت بالمجلس ممثلا شرعيا وحيدا بأن ما قامت به باريس «يمكن أن يكون مثالا يحتذى به، لا بل يمكن أن يشكل مسارا» لدعم الثورة السورية.

وأردف هولاند: «منذ اللحظة التي تتوافر فيها القرينة على رغبة الائتلاف بأن يكون ممثلا لكل مكونات الشعب السوري وتعدديته، وأن يجعل المساعدات تمر عبر هيئة مركزية، وأن ينشئ قيادة عسكرية موحدة، ويوفر الضمانات حول الطبيعة الديمقراطية للنظام المقبل بعد رحيل بشار الأسد، فاعتقادي أن الكثير من الدول ستلحق بفرنسا، ويشرفني أن تكون فرنسا الرائدة».

وأكد الرئيس الفرنسي أنه طلب من وزير خارجيته أن يستفيد من اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي غدا في بروكسل للاستمرار في «عملية الإقناع» التي بدأتها باريس لاستقطاب الدول الأوروبية واللحاق بالموقف الفرنسي.

وحتى الآن، أظهرت الدول الأوروبية بعض التحفظ إزاء اجتياز خطوة كهذه، وطالبت ألمانيا وإيطاليا بضمانات حول المسائل المذكورة سابقا. كما أن هولاند أشار مجددا إلى رغبة فرنسا في إثارة مسألة رفع الحظر الأوروبي المفروض على السلاح باتجاه سوريا، وهو القرار الذي اتخذ ربيع العام الماضي.

وتريد باريس موقفا أوروبيا موحدا باعتبار أن قرار رفع الحظر يجب أن يتخذ بالإجماع. غير أن المصادر الفرنسية لا تتوقع قرار سريعا بهذا المعنى.

وفي أي حال، تقول المصادر الفرنسية إن إنشاء قيادة عسكرية موحدة، والاطمئنان إلى أن الأسلحة المتطورة التي يمكن أن تسلم للمعارضة «ستكون في أيد أمينة»، يمكن أن يسهلا القرار الأوروبي، بل الدولي. وأبعد من ذلك، تعتبر باريس أن قيام حكومة سوريا انتقالية تحظى بالشرعية الدولية سيغير من المعطى القانوني الراهن إذ تستطيع هذه الحكومة أن تطالب بنفسها بالحماية الدولية أو الدعم الثنائي، وهو ما لمح إليه هولاند في رده على أسئلة الصحافة.

لكن هولاند عاد إلى التأكيد على أن أي مساع لتوفير الحماية للمناطق المحررة أو إقامة مناطق آمنة يجب أن تأتي «في إطار الأسرة الدولية»، مستبعدا أن تقوم باريس بمبادرة منفردة في هذا المجال. ومن جانبه، حرص الخطيب على تأكيد انفتاح الائتلاف على كل الأطراف واستعداده للتعاون مع «كل من يرغب بإقرار الحرية والعدالة»، نافيا وجود «اتفاقيات غير معلنة مع أحد». لكنه لم يفسر ما يعنيه بذلك. وجدد الخطيب التأكيد على أن دور الائتلاف سينتهي مع سقوط النظام.

وفي موضوع تشكيل الحكومة المؤقتة، رفض الخطيب تحديد مهل أو آجال مكتفيا بالإشارة إلى الطريقة التي سيتم وفقها استيلاد الحكومة العتيدة. وقال الخطيب: «بعد فترة قصيرة، سيكون هناك إعلان علني عن ترشيحات للمناصب حتى يتقدم الأكفاء من أبناء الشعب السوري وسيتم اختيار حكومة تكنوقراط تقوم بأعباء المرحلة المقبلة حتى سقوط النظام، وهذا الأمر موضع تشاور».

وكانت بعض البلدان رهنت موقفها من الائتلاف بتشكيل الحكومة، والتأكد من صلابة الائتلاف وقدرته على اجتذاب الدعم الشعبي.

ووصف الخطيب السفير الجددي منذر ماخوس بأنه «قدامى الذين يتحدثون عن الحرية في سوريا، وهو في جذوره ينتمي إلى الطائفة العلوية لكنه إنسان حر يعمل من أجل الشعب السوري كله.. وهو من أكفأ السوريين الذين يستطيعون القيام بأعباء هذا المنصب، ونحن سنتعاون معه ومع كل أبناء سوريا، الذين يملكون الكفاءات من أجل حرية الشعب السوري».

وأمس، غادر الوفد باريس متجها إلى القاهرة للتحضير لاجتماعات الائتلاف التي ستعقد في 23 الشهر الحالي، في العاصمة المصرية التي اختارها مقرا له.