تهامي العبدولي: من سوء حظ «الربيع العربي» الأزمة المالية في أوروبا

كاتب الدولة التونسي للشؤون الأوروبية لـ : أخطر تحد أمني هو نشاط «القاعدة» على الحدود بين ليبيا والجزائر

تهامي العبدولي
TT

أكد كاتب الدولة التونسي المختص بالشؤون الأوروبية، الدكتور تهامي العبدولي، على أهمية التوافق الدولي والعربي حول حل للأزمة السورية، وذلك بأقل كلفة أو خسائر تمس الشعب السوري، وقال «من الأفضل فرض منطقة حظر جوي تحقن دماء الشعب السوري، وإذا اعترض الطيران السوري يتم ضرب الرادارات دون المساس بمؤسسات الدولة، لأنها ملك للشعب، أو الإفراط في استخدام القوة».

وأوضح العبدولي في حوار مع «الشرق الأوسط»، على هامش زيارته أخيرا للقاهرة، أنه لا خلاف بين المجتمع الدولي والعربي حول حل الأزمة في سوريا إلا في المصطلحات، مؤكدا أن النظام السوري فاقد للشرعية منذ وصوله للحكم عبر نظام البيعة. وأشار إلى أن بلاده انحازت للثورة السورية منذ البداية، حيث طالب الرئيس التونسي النظام السوري بالخروج بسلام. وتطرق الحوار إلى ملف التعاون العربي الأوروبي ونتائج الاجتماع المشترك الذي انعقد في جامعة الدول العربية، أخيرا، وأفاد كاتب الدولة التونسي بأن أخطر تحد أمني هو وجود أنشطة لـ«القاعدة» على الحدود بين ليبيا والجزائر، كما تحدث عن انعكاس الوضع في ليبيا على كل من مصر وتونس خاصة قضية تهريب السلاح.. وفي ما يلي نص الحوار:

* شاركت تونس في مؤتمر الدوحة الذي قرر الاعتراف بإعلان الائتلاف المعارض السوري.. ما هو موقفكم من الاعتراف به كممثل شرعي للشعب السوري؟

- نحن رحبنا بفكرة الائتلاف، وموقف تونس منذ البداية كان من أكثر الدول تقدما، واعترفنا بالمعارضة السورية، ونظمنا مؤتمر أصدقاء الشعب السوري، كما أعلن الرئيس مواقف مؤيدة للشعب.

* هل اعترفتم بالمعارضة السورية كممثل للشعب السوري؟

- نحن رحبنا بها خلال الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب، ولكن يمكن أن يظهر ممثلون آخرون للشعب السوري، أقصد أن التشكيلة الحالية نوافق عليها وما زاد في ما بعد يمكن أن نقبله، والأفضل أن ننظر إلى أن هذا الائتلاف باعتبار أنه يمثل الشعب السوري وباعتبار أن الشعب السوري يوافق على من يمثله وهذا ما يعنينا. بمعنى أنه إذا رأى السوريون أن يعبر هذا الائتلاف عن طموحاتهم وتطلعاتهم ومستقبلهم ويمكنه أن يؤمن لهم مرحلة انتقالية نحو الديمقراطية، فنحن سنكون معهم، وكنا معهم منذ البداية ضد الديكتاتورية وضد نظام بشار الأسد، وما طلبوه منا حققناه، والملتقى الأول للمعارضة انعقد في تونس، ثم مؤتمر أصدقاء سوريا الذي انعقد أيضا في تركيا وفرنسا، والاجتماع المقبل سيعقد في المغرب ربما بعد أسبوعين أو ثلاثة، والمهم ألا نقف في نقطة جمود وأن نطور نحو الأفضل، وأن نسارع بحل المشكلة لأن الشعب السوري يقتل ويدمر على مدار الساعة، وحتى مؤسسات الدولة تدمر سواء كان ذلك من النظام أو أطراف خارجية، والنتيجة بالأساس هي أن النظام هو الذي يسبب الخسائر وعلى كل المستويات، ولذا يجب أن نفكر في آلية أكثر تطورا لإنقاذ سوريا، وموقف تونس أن تكون هذه الآليات عبر الشرعية الدولية المتمثلة في الأمم المتحدة فهي التي تأخذ القرار، وليس عبر أي تدخل من أي طرف آخر.

* في تقديرك.. هل ترى أن الموقف العربي والدولي منقسم حول رؤية معالجة الأزمة في سوريا.. وهل تتوقع وحدة موقف شاملة للجميع قريبا؟

- لا أعتبر أن الموقف العربي والدولي منقسم، ودائما هناك مصطلحات، وقد اعترفت فرنسا بالائتلاف باعتباره الممثل الشرعي الوحيد للشعب السوري؟

* يعني هذا أنكم مع الاعتراف بالممثل الشرعي غير الوحيد؟

- نحن في انتظار وضوح الخريطة السياسية للمعارضة، لأنه ربما يكون هناك ممثلون آخرون وكل يوم سيحدث جديد، لكن مسألة الاعتراف فهناك اعتراف كلي وجماعي، والفرق هو هل نعترف بهؤلاء فقط، أم نعترف بالقادمين أيضا؟ وفى تقديري يجب ألا نضيق على أنفسنا ونقول إن الائتلاف هو الممثل الشرعي والوحيد، لأنه غدا يمكن أن يتشكل ائتلاف آخر، فنقول إن هناك طرفا يوافق عليه الشعب السوري، وأعني بالأخير أننا نتعامل مع الائتلاف باعتباره ممثلين شرعيين للشعب السوري، لكن هناك أطرافا أخرى يمكن أن تسأل ونلتقي معها ونتحاور في إطار ما هو أفضل لسوريا، وهناك من يقول إن الائتلاف يشكل 90 في المائة من المعارضة ويظل الموقف بانتظار الـ10 في المائة والتي ربما تؤثر، ولهذا كان قرار مجلس الجامعة العربية هو دعوة كل أطياف المعارضة للانضمام إلى الائتلاف.

* هل تقصد بالانقسام والخلاف الدولي التوافق حول إصدار قرار ملزم من مجلس الأمن لوقف إطلاق النار؟

- المشكلة في مجلس الأمن هي معارضة بعض الدول الكبرى، وأتصور أن لهذه الدول مصالح، وهي روسيا، والصين، وأميركا، وكذلك لإيران مصالح رغم أنها ليست فاعلة في مجلس الأمن. والسؤال: كيف يمكن تأمين هذه المصالح، وهناك من يرى أن مصالحه في وجود النظام السوري، وهناك من يعتقد أن هذا النظام لم يعد قادرا على تأمين مصالحه، ومجموعة أخرى تعتقد أن النظام السوري لم يعد قادرا على تنظيم أي شيء إضافي في حياة المواطنين السوريين؟! ومن ثم فالرأي الصائب هو أن النظام السوري فاقد للشرعية منذ بدء تكوينه، لأنه وصل عبر نظام البيعة وهذا معروف في الفكر البعثي. وبالتالي فالأهم هو النظر إلى مصلحة الشعب الشورى، وأنه يتطلع إلى حياة تقوم على أساس التعددية ضمن الديمقراطية وإجراء انتخابات حرة ونزيهة، وهذا ما يجب أن يعمل من أجله المجتمع الدولي، ونرى أن آلية مجلس الأمن والأمم المتحدة هي التي تنفذ رغبات وتطلعات الشعب السوري، لكن إلى الآن ما زلنا متأخرين ولم نقدم أي شيء للشعب السوري، وكان يمكن تفعيل آلية منع وحظر الطيران الجوي لحقن دماء الشعب السوري، ونحن نسأل لماذا ينتظرون؟ والإجابة أنه لا بد أن هناك مصالح، وهنا يجب أن نقدم أولوية الإنقاذ على المصلحة التي يمكن أن تتحقق في ما بعد، لأن الموت يقضي على كل شيء.

* ما تقييمك لنتائج الاجتماع الوزاري العربي الأوروبي.. وهل يلبي مطالب الدول العربية في ما طرح؟

- في الحقيقة لم يكن المطلوب من هذا الاجتماع تلبية مطالب العرب أو مطالب الأوروبيين، والمطلوب هو تفعيل هذه الآليات، ومعروف أن المجلس الوزاري العربي الأوروبي لم يجتمع منذ أربع سنوات، وهي في الحقيقة مدة زمنية كبيرة، لا تمكن الأطراف عندما تجتمع أن تعالج كل شيء أو تتابع كل القضايا، ويمكن اعتبار ما تم تحقيقه هو أن المجلس سيجتمع كل عامين وسوف يعقد الاجتماع القادم في مقر الاتحاد الأوروبي عام 2014، وكذلك تقريب وجهات النظر، وتقريبا كنا ننظر إلى الموضوع السوري بنفس النظرة للقضية الفلسطينية، والاختلافات ليست كبيرة.

* لمن اتفاق الرؤى لم يكن كبيرا، بدليل أن الاتحاد الأوروبي لم يساند ذهاب الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى الأمم المتحدة للحصول على العضوية غير الكاملة لدولة فلسطين؟

- موضوع الذهاب إلى الأمم المتحدة قضية أخرى، نحن نتحدث عن مرجعية ونتائج حل الصراع العربي – الإسرائيلي، وهناك ثوابت جامعة، وحتى في موضوع ذهاب الرئيس الفلسطيني إلى الأمم المتحدة في الاتحاد الأوروبي هناك من معه والبعض ليس معه، ورغم ذلك القرار يتخذ بالأغلبية، وهذه هي اللعبة الديمقراطية لأن التحفظ هو فعل ديمقراطي وعدم الموافقة والموافقة أيضا.

* هل رفضت كاثرين أشتون افتتاح المعرض الفلسطيني في الجامعة العربية كما تردد وهو الأمر الذي خلف استياء عربيا؟

- لم ترفض أشتون، وأنا كنت خلفها مباشرة، وهي لم تعرف شيئا عن افتتاح المعرض. وعندما كان الدكتور العربي يفتتح المعرض قال لها أحد الموجودين «نذهب»، وقد ذهبت إلى مكان آخر، ولذا أعتقد أنه سوء فهم وليس عن قصد، لأن أشتون وخلال تعاملها معنا في تونس هي فاعلة وإيجابية جدا في الاتحاد الأوروبي في إطار ما يسمى بالشريك المميز، وهي تدعم كل بلدان الربيع العربي بصدق وحسم، وهذا لم يتوافر عند ممثلين سابقين للخارجية الأوروبية، وأرى أن أشتون لها رؤية واضحة للأشياء تتفق مع الرؤساء والمؤسسات في الاتحاد الأوروبي، ودائما هي صاحبة مبادرات، وهى تغلب دائما الرؤية الجماعية، وهي شخصية توافقية وليست انفرادية.

* هذا ينقلنا للحديث عن دعم الاتحاد الأوروبي والدول المانحة لتونس في هذه المرحلة.. ماذا قدمت لكم وهل تخلت عنكم؟

- لا لم تتخل عنا، وربما لسوء حظ الربيع العربي أنه عندما بدأت الصحوة العربية بدأت تسقط أوروبا في أزمة مالية، وبالتالي هم يمنحون بما يمكنهم منحه، والاتحاد الأوروبي إلى الآن يقدم دعما مهما جدا لتونس في مستوى التحول الديمقراطي والتكوين المهني والحث على الاستثمار في تونس، ولدينا دعم على مستوى العلاقات الثنائية.. على سبيل المثال ما زالت فرنسا تحتل المرتبة الأولى تليها إيطاليا ثم ألمانيا وإسبانيا، لكن بعد الثورة أكثر دولة قدمت دعما ماليا وعلى كل المستويات هي ألمانيا.

* ماذا عن الوضع في تونس حاليا ومدى تأثير ما يحدث في ليبيا عليكم كما يؤثر على مصر في مسألة تهريب السلاح تحديدا؟

- حقيقة في مسألة تهريب السلاح لا يؤثر ذلك كثيرا في تونس، لأننا نراقب الحدود بشكل جيد، ويبقى التهريب في مستوى البضائع خاصة الأدوية والمنتجات الفلاحية بما يؤثر على الكميات المرصودة للاستهلاك. ورغم هذا نعتبر أنه إذا حدث تهريب فينبغي أن نفهمه بشكل إيجابي، لأنه يندرج تحت معنى التضامن الاجتماعي مع الشعب الليبي. المشكلة في ليبيا هي إرساء الدولة الديمقراطية وتحصيل السلاح من الميليشيات، والدولة مطالبة بنزع السلاح واستعادة الأمن، لكن ما زالت الدولة الليبية حتى الآن هشة وغير قادرة على الإمساك بزمام الأمور، لكنها تسير نحو الأفضل، وقد استفاد الشعب الليبي من نتائج الانتخابات في مصر وتونس ولم يراهنوا كثيرا على المد الإسلامي، وإنما هناك توازن منطقي بين العلمانيين، حتى الإسلاميون المشاركون في الحكم هم أقرب إلى الحزب المدني تماما مثل حركة النهضة في تونس.

ومن ثم لا يخيفنا ما يحدث في ليبيا، وإنما نعاون الليبيين لتحقيق الاستقرار الأمني، ثم إن هناك أنشطة لـ«القاعدة» على الحدود بين ليبيا والجزائر وكذلك في اتجاه دولة مالي، وهذا هو الإشكال، ويجب أن تكون السلطة الليبية قادرة على ذلك، وهذا لا يعتبر مسؤولية السلطة الليبية فقط وإنما كذلك هو دور المجتمع الدولي، أي الدول الكبرى التي يجب أن تعمل على حفظ النظام ومنع نشاط «القاعدة». ورغم ذلك فإن كل ما يؤثر في ليبيا على المستوى الأمني يؤثر على تونس ومصر أيضا سلبيا على الاستقرار.

* ماذا عن التنسيق الثلاثي بين مصر وتونس وليبيا، وهل ترى أن نتائجه محدودة وليست على مستوى التحديات؟

- لدينا تشاور على المستويات الثلاثة الأمني والاقتصادي والسياسي، وننتظر شهرا أو شهرين لاستقرار الحكومة الليبية الجديدة، ومن ثم نشرع في العمل الذي يتناسب وحجم التحديات، والآن نحن نتوقف عند مستوى الرغبة والتطلع، والمطلوب ترجمة ذلك نحو فعل عملي.

* هل تتوقع تصعيدا عسكريا في الأزمة السورية، وهو الأمر الذي ينعكس على الاستقرار في دول الربيع العربي ودول المنطقة؟

- يبدو أن هناك تأهبا أو استعدادا لفعل عسكري، لكن نحن نقول إن هناك مستويات أخرى للتعامل أفضل من الاستعداد العسكري، مثلا حظر الطيران دون ضرب أو تدمير القدرات العسكرية لأنها ملك للشعب، وأن يدخل هذا القرار تحت بند الفصل السابع، دون التعرض للتدمير كما حدث في ليبيا، ونرى أن حظر الطيران هو فعل مدني ولا يعني عدوانا عسكريا. ولكن إذا ما رد الطيران السوري واخترق الحظر فإنه من الطبيعي قصف رادارات الدفاع الجوي السوري، وهذا سيخفف إلى حد كبير من تداعيات الأزمة، لكن كل ضربة لسوريا مهما كان نوعها فهي تؤثر اقتصاديا واجتماعيا، كما أنني أخشى أزمة البترول على الدول غير المنتجة مثل تونس وغيرها، فسوف تؤثر على النمو الاقتصادي، وربما لا يتقدم هذا النمو بالشكل الذي نأمل، خاصة أننا ما زلنا في وضع هش اقتصاديا، ولذا علينا أن ندفع الغرب لاتخاذ قرار سليم بما يوافق ويحقق آمال الشعب السوري لكن من دون أن نصل إلى مرحلة أقصى من التدخل العسكري، وهو مهما كان ستكون نتائجه كارثية مثلما حدث في العراق وليبيا من قبل.

وبالتالي لا بد من تطوير قدرة الجميع في الوصول إلى تطلعات الشعب السوري بوسائل أقل كلفة، والأفضل التوافق. وما لا أفهمه حتى الآن كيف يمكن لنظام الأسد أن يصر على البقاء ونحن نقول له إن مصيرك معروف مع هذا الإصرار وهو النهاية، ومنذ الأسبوع الأول قال الرئيس التونسي للرئيس السوري: عليك أن تخرج بسلام، وأن تترك الشعب ينظم حياته الديمقراطية. لكن النظام السوري ما زال يعمل بنظام الأربعينات القديم.