نجمة صينية تبزغ وتختفي في آن واحد

السيدة الأولى الجديدة مطربة تكسر الصورة النمطية عن سابقاتها ودورها المستقبلي بات محل تساؤل

بينغ ليوان تغني في احتفالات اليوم الوطني ببكين في 29 سبتمبر 2009 (أ.ف.ب)
TT

تتمتع بينغ ليوان، مغنية البوب الأشهر في الصين، بشعبية كبيرة بفضل صوتها الأوبرالي القوي وقدرتها على أداء أدوار تمثيلية مثل دور راعية ياك جميلة من جبال التيبت، أو محرومة من الحب داخل البلاط الإمبراطوري، أو حتى لواء صارم من لواءات الجيش - وهي كذلك في الحقيقة. ولكن بينما يبدأ الصينيون استيعاب حقيقة أن زوجة الزعيم الجديد لبلادهم، تشي جينبينغ، يتصادف أن تكون مطربة أوبرا كبيرة ومعروفة بقوامها الجذاب، فإن المراقبين لشؤون القصر الرئاسي يتجرأون على التساؤل: هل نحن أمام كارلا بروني ساركوزي جديدة في الصين؟.

تملك بينغ، 49 عاما، كل المقومات التي تجعلها تحدث ثورة في الصورة المحافظة لسيدة الصين الأولى، التي يتم فيها عادة إبعاد قرينة الرئيس تماما عن الأنظار، أو جعلها في أفضل الأحوال تقف صامتة خلف زوجها أثناء الزيارات الرسمية، فقد ظلت طوال أكثر من عقدين من الزمان شخصية أنيقة المظهر واسما أساسيا في عروض المنوعات المبهرة التي تستقبل بها البلاد بداية السنة الصينية الجديدة، حيث تخرج في الغالب من وسط مجموعة كبيرة من الراقصين والراقصات الذين يؤدون رقصة جماعية متزامنة في الخلفية لتتغنى بتضحيات «جيش التحرير الشعبي»، الذي أنعم عليها برتبة مدنية تعادل رتبة اللواء، كما قامت مؤخرا بتوسيع نطاق شهرتها ليشمل مجال الخدمة العامة، حيث جاءت لمواساة الناجين من زلزال سيشوان، كما تلتقي بالصغار لتحذيرهم برقة من مخاطر التدخين وغير ذلك من السلوكيات المنحرفة.

وذكرت هونغ هوانغ، وهي صاحبة مجلة متخصصة في الأزياء: «إن بينغ ليوان تمكنت من أن تصبح نقطة ساطعة في جبين الصين، التي تحتاج حقا إلى نماذج أنثوية يحتذى بها. تخيل فقط لو أنها أصبحت سيدة أولى مثل ميشيل أوباما». إلا أن الخبراء هنا يتفقون على وجود عقبة كبرى تحول دون أن تلعب بينغ دورا أبرز على الساحة الوطنية: إنهم الرجال الصينيون. فرغم القول المأثور الذي قاله ماو تسي تونغ إن «المرأة تحمل نصف السماء»، فإنها بالكاد تظهر في الحرم الداخلي للتمثال المكسو بالغرانيت المنصب في ميدان تيانانمين حيث اختار كهول الحزب الشيوعي مجموعة جديدة من القادة.

وعلى الرغم من أنه ظهر في وقت سابق من هذا العام حديث قائم على الأمل وغير مستند إلى أي أساس عن إمكانية ترشيح السيدة ليو يان دونغ للمقعد السابع في اللجنة الدائمة للمكتب السياسي المكونة من 7 أعضاء، فإن القائمة التي أعلن عنها للعالم الخميس كانت عبارة عن صف متواصل من السترات الداكنة ورابطات العنق الباهتة والشعر الأسود الذي يخلو من أي مسحة رمادية. إلا أن الحزب اتخذ خطوة لذر الرماد في العيون، حيث أضاف اسم سون شون لان إلى عضوية المكتب السياسي، ليصل عدد السيدات في اللجنة الاستشارية المكونة من 25 عضوا إلى اثنتين.

لا تشعر النساء الصينيات - أو على الأقل من تجرؤ منهن على الجهر برأيها - بالرضا عن ذلك، حيث قالت غو جيان مي، مديرة «مركز الخدمة والأبحاث القانونية المتعلقة بالمرأة» في بكين: «من الضار ومن الظلم أن يكون هناك عدد قليل إلى هذا الحد من النساء داخل النظام السياسي الصيني. هذا يؤدي فقط إلى تعزيز النظرة الثقافية التقليدية التي تقول إن المرأة أقل من الرجل في الإمكانات».

وطبقا لجميع الروايات، فقد ظل التعصب القومي الذكوري في الصين سائدا منذ بضعة آلاف من السنوات، حيث كانت المرأة حتى القرن الماضي محرومة من التعليم، كما كان يحظر عليها العمل في النظام الحكومي الإمبراطوري، وفي أوقات المجاعة كان الأولاد الذكور يأكلون أولا، والفتاة المحظوظة ربما كان يتم ربط ساقيها بإحكام شديد وهي تكبر إلى درجة أنها تصبح بالكاد قادرة على المشي حينما يتم تزويجها وتسليمها إلى أسرة الزوج بصورة أسوأ قليلا من العبيد. وحتى اليوم فإن الاختلال القائم بين الجنسين - حيث يوجد 118 رجلا في مقابل كل 100 سيدة - يعد شاهدا على تفضيل الصينيين للأولاد الذكور، وهو ما تعبر عنه محاولات الإجهاض أو التخلص من الإناث الرضع، كما أن الكثير من أفضل المدارس في البلاد تعطي التلاميذ الذكور ميزة إضافية من خلال اشتراط تحقيق التلميذات لدرجات عالية، وهذا النظام القائم على التفرقة في الدرجات، كما تزعم وزارة التربية والتعليم، يهدف إلى «حماية مصالح الأمة».

ويتضمن التاريخ الصيني أمثلة قليلة لسيدات حصلن على السلطة والنفوذ من وراء الستار، وتعتبر الإمبراطورة الأم سي شي من أسرة الراحل كينغ وقرينة الإمبراطور وو من أسرة تانغ أبرز الأمثلة على ذلك، حيث يقال إن سي شي - التي ينظر إليها على أنها السبب في سقوط آخر أباطرة الصين - كانت تأمر بإعدام العلماء الذين لم تكن ترضى عنهم، كما يقال إنها كانت تستمتع بمشاهدة لعبة تؤديها وصيفاتها داخل القصر وتتضمن قيام كل واحدة منهن بصفع الأخرى على وجهها.

إلا أن لاي يي، وهو مؤرخ في «الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية»، يقول إن مثل هذه الحكايات هي مبالغات متطرفة وإنها نتاج للتحيز الذكوري، موضحا: «في ذلك الوقت، كان جميع الحكام قساة القلوب. لنواجه الحقيقة: لقد ظل الرجال طوال التاريخ يريدون أن يفرضوا احتكارا على السلطة، وعندما كانت الأمور تسير على غير ما يرام، كانوا يلقون باللوم في ذلك على النساء». ولا يوجد أي نقص في الحكم والأمثال القديمة - التي ما زال بعضها منتشرا - التي تصف ما يحدث عندما تقترب النساء من السلطة، وأحد هذه الأمثال يقول: «الجمال الفتان يجلب معه سقوط المدن والأمم».

وفي المرحلة الأخيرة، تعززت هذه المشاعر بفضل جيانغ كينغ، الممثلة السابقة والزوجة الثالثة لماو تسي تونغ، التي ألقي على عاتقها بمعظم اللوم في انطلاق «الثورة الثقافية» وتلقت حكما بالإعدام تم تخفيفه لاحقا. ولعل انتماءها السابق إلى مجال الاستعراض قبل أن تتحول إلى ثورية متطرفة لم يفد بينغ، حيث يبدو أنها تسير وفق مجموعة غير مكتوبة من القواعد المتعلقة بسلوك النساء المرتبطات بالرجال المهمين، فكلما ارتقى زوجها على سلم المناصب داخل الحزب الشيوعي صار ظهورها أقل، وقد أخبرت صحيفة سنغافورية ذات مرة أنها كانت تقدم في تسعينيات القرن الماضي ما يصل إلى 350 حفلا موسيقيا في العام الواحد، ومن بينها حفل تم تنظيمه في «مركز لينكولن» في نيويورك، أما في هذه الأيام فهي لم تعد تقبل الظهور في حفلات بأجر «لمجرد الظهور في حفلات»، فمنذ صعود زوجها إلى اللجنة الدائمة للمكتب السياسي عام 2007، اختفت تماما من الاحتفال السنوي بمهرجان الربيع.

وصلت بينغ، التي ولدت في بلدة صغيرة بإقليم شان دونغ شمال شرقي البلاد والتحقت بالجيش وهي في الثامنة عشرة من عمرها، إلى الشهرة قبل وقت طويل من لقائها بتشي، وحينما تعرف الزوجان إلى بعضهما البعض من خلال صديق مشترك عام 1986، كانت تعرف بالفعل بلقب «جنية زهر الفاوانيا» و«بلبل القرن الصداح». وكان تشي، وهو ابن واحد من أبطال الثورة، مسؤولا على المستوى المتوسط بإقليم فوجيان، وكان قد طلق زوجته الأولى مؤخرا. وتعتبر بينغ، التي ستكمل عامها الخمسين الثلاثاء المقبل، أصغر من تشي بعشر سنوات تقريبا. وفي حوار أجرته معها صحيفة «زان جيانغ إيفينيج نيوز» عام 2007، ذكرت أنه لم يلفت انتباهها في الوهلة الأولى، مضيفة: «إنه لم يبد بسيطا ساذجا فحسب، بل كان أيضا يبدو أكبر من سنوات عمره». ولكن ما إن فتح تشي فمه حتى تلاشت اعتراضاتها، ليتزوجا بعدها بعام. وقد كانت هذه العلاقة تتطلب الكثير من الحلول التوافقية، حيث تقول إنهما نادرا ما يظهران معا، وفي عام 1992، أجبرته واجباته الرسمية أثناء هبوب إعصار في إقليم فوجيان على عدم حضور مولد ابنتهما، التي تدرس حاليا في «جامعة هارفارد»، وحتى وجودهما في نفس المدينة لا يضمن أن يلتقيا سويا. ويقال إنه أخبرها: «سوف يتحدث الناس إذا اصطحبت زوجتي معي طوال الوقت، وهذا ليس جيدا بالنسبة لصورتينا».

وقد مرت صورتها الاجتماعية بتغيير شامل منذ أن وضع تشي قدمه على أول الطريق إلى أمانة الحزب، حيث حرمت حتى من ارتداء فساتينها الفضفاضة وأصبحت تضطر إلى ارتداء السترات الرسمية الوقورة أو الزي العسكري الغليظ، كما قام المسؤولون في الرقابة بقص أجنحتها، من خلال إزالة كل شيء عدا أبسط المعلومات عنها من على شبكة الإنترنت وحجب اسمها من النسخة الصينية لموقع «تويتر». وتقول لي يين هي، وهي أستاذة علم اجتماع في «الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية»، إنه سيكون من الحكمة أن يستعمل الحزب بينغ كسلاح من أسلحة القوة الناعمة، سواء داخل البلاد أو خارجها. وأكدت: «إذا رأى الناس أن تشي لديه زوجة جميلة كهذه، فإن هذا قد يجعل الحزب يبدو أكثر إنسانية وأقل ميكانيكية». إلا أنها لا تأمل في حدوث تغيير كبير، وتفسر ذلك قائلة: «أوباما يظهر ميشيل لأن هذا يجلب له تأييدا شعبيا، أما الحزب الشيوعي فهو ليس في حاجة إلى ذلك، لأنه عندما تكون لديك كل السلطة بالفعل، فما معنى أن تظهر قرينتك؟».

* خدمة «نيويورك تايمز»