رئيس الطائفة الإنجيلية بمصر لـ«الشرق الأوسط»: الأغلبية الإسلامية تفرض أفكارها على الدستور الجديد

صفوت البياضي: قرار انسحابنا من «التأسيسية» جاء بعد أن «فاض بنا الكيل»

TT

قال القس صفوت البياضي، رئيس الطائفة الإنجيلية؛ عضو الجمعية التأسيسية للدستور، إن قرار الكنيسة بالانسحاب من تأسيسية الدستور اتخذ بعد أن «فاض بنا الكيل من سيطرة تيار واحد على ما يتخذ من قرارات داخل الجمعية»، مضيفا أن مبدأ المغالبة طغى على مبدأ التوافق في تمرير مواد الدستور. وكانت جمعية تأسيسية مكونة من مائة عضو غالبيتها من الإسلاميين قد بدأت قبل نحو 5 أشهر في وضع دستور جديد للبلاد، وسط خلافات سياسية وقانونية. وفور انتخاب أعضائها قاطعت أعمالها أحزاب ليبرالية ويسارية.

وتابع البياضي في تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط» أمس: «كنا دائما نصرح بأن الوجود (داخل الجمعية) خير من عدم الوجود، لأن الأمر يتعلق بمصلحة الوطن، وحاولنا جاهدين مقاومة دعوات الانسحاب من الجمعية، إلا أن الوضع الآن أصبح لا يحتمل، فالجمعية خرجت من مبدأ التوافق وأصبحت تسير بمبدأ المغالبة، بعد أن كان الاتفاق على ألا تمر المواد إلا بالتوافق بين الجميع».

وأوضح البياضي أن الكنيسة ترفض وضع مادة إضافية مفسرة للمادة الثانية من الدستور، وهي المادة التي تنص على أن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع. وتصر القوى الإسلامية أن يكون نص المادة «أحكام الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع»، ونظمت تلك القوى الأسبوع قبل الماضي مظاهرة حاشدة في ميدان التحرير للضغط من أجل تحقيق مطلبها.

وقال البياضي تعليقا على إصرار القوى الإسلامية إضافة نص لشرح ما تعنيه كلمة المبادئ: «هذا التفسير يعتبر استهتارا بعقول الشعب المصري والتفافا غير مقبول، حيث إنهم بعد أن توافقوا على المادة الثانية وبعد أن صدرت قواعد مفسرة من المحكمة الدستورية فيما يخص تعريف مبادئ الشريعة، قرروا الالتفاف عليها عن طريق المادة 220 والتي ستتيح الفرصة لكافة المذاهب الإسلامية بتفسير كلمة مبادئ الشريعة بأسلوبها الخاص».

وعما إذا كانوا قد قاموا بالتنسيق مع الأزهر قبل قرار الانسحاب، قال البياضي إن «الأزهر لم يحدد موقفه بعد، إلا أن ممثلي الأزهر لم يصوتوا على المادة 220 خلال اجتماع الثلاثاء الماضي».

وكان ممثلو الأزهر في الجمعية التأسيسية قد رفضوا اقتراحا بأن تكون مؤسسة الأزهر هي المرجعية في تفسير كلمة المبادئ».

وصدر من المحكمة الدستورية العليا قبل سنوات حكم يفسر كلمة مبادئ الشريعة باعتبار الأحكام «قطعية الثبوت قطعية الدلالة»، وهو أمر تعتبره القوى الإسلامية تفريغا للمادة من مضمونها لأنه يعني التأكيد على مبادئ شديدة العمومية والتجريد.

وتشير تقارير محلية ودولية إلى تنامي ظاهرة هجرة المسيحيين من مصر عقب ثورة 25 يناير العام الماضي، خاصة بعد وصول الرئيس محمد مرسي الذي ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين إلى الحكم.

ويشكو المسيحيون طوال العقود الماضية من تمييز بحقهم خاصة في شغل الوظائف الرفيعة في الدولة، وإقامة دور العبادة، كما تكررت على مدار السنوات الماضية حوادث طائفية بين إسلاميين متشددين ومسيحيين.

وعن وجود بعض الضغوط الشعبية على الكنيسة لكي تنسحب، قال البياضي: «بلا شك كنا نضع رغبات الشعب نصب أعيننا لأن الدستور لا بد أن يتم وضعه بشكل يرضي الجميع، إلا أن قرار الانسحاب لم يكن سببه الأساسي الضغط بقدر ما كان بسبب شعورنا باستغلال بعض أعضاء التيارات الإسلامية في الجمعية التأسيسية هيمنتهم على الجمعية وقلة عدد الأقباط وممثلي الكنيسة بها، للتحكم في الكثير من القرارات وعدم ترك الحرية الكاملة لهم لإبداء آرائهم في كثير من المواقف».

وأشار البياضي إلى أنه قام بصفته الشخصية بإرسال خطاب لرئيس الجمعية المستشار حسام الغرياني، يوم الأربعاء الماضي أبدى فيه استياءه من التوجهات الأخيرة لبعض الأعضاء وسيطرة الأغلبية على كل شيء وإهمال حقوق الأقليات. وأضاف «بعض أعضاء التيارات المتشددة شعرت أنها وحدها لها الحق في التحدث باسم المجتمع، وظهرت مواد جديدة نتيجة ضغوط تمارس على الجمعية»، موضحا أن مبدأ الضغط والمغالبة طغى على مبدأ التوافق، وأنهى خطابة بقوله: «لدي هواجس من أن نفترق قبل أن نتفق، فإذا استمر الوضع كما هو فسوف نضطر إلى الانسحاب من الجمعية».

وقال البياضي: «كنت أتوقع أن يرد الغرياني على هذا الخطاب ويعيره اهتمامه إلا أنه أبى أن يريحنا ويصل إلى حل». واختتم البياضي كلامه بقوله: «أثناء فترة وجودنا بالجمعية التأسيسية كنا دائما مع الرأي العام وكنا نتوافق على المواد التي تخدم الصالح العام وليس طرفا أو فئة بعينها ولكن استمرارنا بها سوف يعني خداعنا للشعب المصري».

وكانت الكنائس المصرية الثلاث قد أعلنت انسحابها من «تأسيسية الدستور» عقب اجتماع عقد مساء أول من أمس بالمقر البابوي بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية (شرق القاهرة)، ضم كلا من الأنبا باخوميوس قائمقام البطريرك، وممثلي الكنيستين الإنجيلية والكاثوليكية في الجمعية التأسيسية، وعددا من النشطاء السياسيين.

وأصدرت الكنائس بيانا مشتركا أعدته لجنة صياغة ضمت كلا من الأنبا موسى أسقف الشباب، والأنبا يوحنا قلته نائب بطريرك الأقباط الكاثوليك ممثل الكنيسة الكاثوليكية في الجمعية التأسيسية، والناشطة القبطية جورجيت قلليني، ومارجريت عازر الأمين العام المساعد للمجلس القومي للمرأة.

وقال البيان إن الدستور الجاري كتابته الآن لا يعبر عن طموحات المصريين، ولا يحقق الطموحات المنشودة ولا يعبر عن هوية مصر التعددية الراسخة عبر الأجيال وأن الكنائس انسحبت حفاظا على الهوية المصرية، معربة عن أملها في إنجاز دستور يعبر عن كافة طوائف الشعب المصري بالتوافق مع كافة القوى الوطنية.