العاصمة السورية مدينة كئيبة في محيط يحترق

قوات النظام تتمركز في مبان خدمية حيوية.. وتحرم المناطق الجنوبية من الخبز والتداوي

TT

«الكآبة والوجوم» بات عنوانا دائما لصباحات مدينة دمشق وريفها، على وقع أصوات القصف المدفعي والجوي المتواصل ليل نهار والاشتباكات العنيفة في الأحياء الجنوبية ومعظم بلدات ومناطق ريف دمشق.

ويقول الناشط أحمد الدمشقي لـ«الشرق الأوسط» إن في أمس الأحد تم «فتح مداخل المدينة أمام حركة السير ذهابا وإيابا بعد إغلاقها يوم السبت، الذي خنق المدينة»، إلا أن أوتوستراد دمشق - درعا المار في الأحياء الجنوبية «تم إغلاقه صباحا كما أغلقت مدينتا أشرفية صحنايا وصحنايا تماما طوال أمس الذي شهد تصاعدا في الاشتباكات في أحياء الحجر الأسود والعسالي ونهر عيشة خلال ساعات الصباح، بالتزامن مع قصف عنيف على منطقتي الحجيرة والبويضة وببيلا والسيدة زينب جنوب دمشق، حيث يتمركز الجيش الحر، وشوهد انتشار عسكري ضخم لقوات النظام على امتداد من نهر عيشة حتى جسر صحنايا مع نشر للقناصة على المباني في المنطقة».

ويضيف الدمشقي: «في تطور جديد وغير مسبوق، قامت قوات النظام باقتحام مبنى (مول تاون سنتر) ومبنى مشفى السلام التخصصي ومبنى (أفران شمسين) ومبنى الزراعة، وتمركز داخل تلك المباني الضخمة، كما تمركز دبابات بجوار أفران شمسين»، ويشير إلى وجود مبان لعدد كبير من الشركات التجارية والصناعية على جانبي أوتوستراد درعا، وغالبيتها أنشئ في السنوات العشر الأخيرة، كما يخدم مشفى السلام و«مول تاون سنتر» و«أفران شمسين» سائر بلدات الريف الجنوبي للعاصمة، واقتحامها «سيتسبب بأزمة كبيرة، لا سيما في ما يخص المجال الطبي وتأمين الخبز».

وعن أسباب ذلك، يقول الناشط أحمد الدمشقي إن «اشتباكات عنيفة جرت على أوتوستراد درعا كانت امتدادا للاشتباكات في الحجر الأسود ونهر عيشة، كما أن النظام يقوم بمحاصرة مدينة داريا الواقعة قريبا من تلك المناطق ويدكها بالمدفعية والقصف الجوي منذ نحو أسبوع، والوضع هناك يزداد تأزما.. ويوم أمس شوهد الجنود بعد تمركزهم في مشفى السلام و(تاون سنتر) و(أفران شمسين) وهم يقومون بعمليات تسلل إلى بساتين داريا لإحكام الطوق عليها، إلا أن مقاتلي الجيش الحر تصدوا لهم ومنعوا تقدمهم حيث دارت اشتباكات عنيفة ترافقت مع قصف جوي ومدفعي كثيف خلال ساعات الصباح، وسجلت عدة قذائف هاون استهدفت تجمع الجيش النظامي عند (تاون سنتر) تم الرد عليها بقذائف هاون».

وحول الوضع في مدينة داريا، قال الناشط: «داريا محاصرة بشكل تام منذ أسبوع في ظل نقص في المواد الغذائية وعدم عمل المخابز وانقطاع التيار الكهربائي عن أجزاء واسعة من المدينة، ويقضى الأهالي معظم الأوقات في الملاجئ مع تواصل قصف مدفعي وصاروخي عنيف اشتد أمس وأول من أمس على الأحياء الشرقية المحاذية لبساتين كفرسوسة. وأسفر القصف عن عدد من الإصابات بالإضافة للأضرار المادية وتهدم المباني. واستمر القصف صباح أمس بالمدفعية، إضافة لقيام طائرات (ميغ) باختراق جدار الصوت، ونفذت عدة غارات فوق المدينة.. كل هذا تزامنا مع احتشاد تعزيزات أمنية على مداخل داريا بالقرب من صحنايا وكفرسوسة».

وحول الوضع في مدينة دمشق، يقول إن «دبابة تمركزت في حي المجتهد القريب من حي الميدان، وشوهدت أعداد كبيرة من العسكر في المنطقة، وكذلك في ساحة المرجة وسط العاصمة حيث شوهدت ثلاث عربات مثبتة عليها رشاشات ثقيلة. وشنت حملة مداهمات في عدة أحياء في الميدان والزاهرة ونهر عيشة وغيرها، كما سقطت قذيفتا هاون على حي (مزة 86) الذي تتركز فيه الأغلبية العلوية».

من جانبها، قالت الهيئة العامة للثورة السورية في بيان لها عن مجريات الأحداث في دمشق وريفها أمس إن «اشتباكات عنيفة دارت بين كتائب الجيش الحر وقوات جيش النظام في حيي العسالي والقدم، وفي حي كفرسوسة أصيب عدد من المدنيين واحترق عدد من المنازل، بالإضافة إلى انقطاع للكهرباء في بعض المناطق الجنوبية من الحي نتيجة القصف العنيف. وفي حي المزة، استهدف حاجز لقوات أمن النظام بعبوة ناسفة بالقرب من ملعب الجلاء وشوهدت أعمدة الدخان تتصاعد من المكان، بينما سارعت سيارات الإسعاف إلى المكان».

كما قامت قوات النظام بقصف شديد على منطقة المزة من قبل المدفعية، بحسب ما ذكرته الهيئة العامة للثورة، التي أضافت أن مدينة دمر تعرضت للقصف «من قبل اللواء 105 المتمركز على جبل قاسيون التابع لقوات الأمن وشبيحة النظام». وفي حرستا بريف دمشق قالت الهيئة: «قتلت سيدة متأثرة بجراحها بعد إصابتها جراء القصف العنيف على المدينة»، وفي بلدة البحدلية عثر على 5 جثث لأشخاص تم إعدامهم ميدانيا على يد قوات النظام وشبيحته، حيث تظهر على أجسادهم آثار التعذيب والتنكيل وكانوا مكبلي الأيدي، ووُجدوا في منطقة البحدلية المحاذية لبلدات (شبعا - الذيابية - السيدة زينب)، علما بأنه وبشكل شبه يومي يُعثر على جثث بمثل هذه الحالة.

وفي الحجر الأسود قتل طفل وسقط خمسة جرحى جراء القصف من قبل قوات النظام صباح أمس، وفي حي القدم قتل شخص وسقط العديد من الجرحى نتيجة إطلاق الرصاص الكثيف من قبل قوات النظام في الحي. وفي مدينة المعضمية قتل شخصان مجهولا الهوية «حيث قامت قوات الأمن (المخابرات الجوية) بإعدامهم ميدانيا، وتم العثور على جثتيهما بالقرب من مقر المخابرات الجوية في المدينة»، بحسب الهيئة العامة للثورة التي لفتت إلى أن قوات الأمن قامت بحملة دهم واعتقالات في الحارة الجديدة بحي ركن الدين.

وعن سير الحياة في العاصمة دمشق مع تنامي الشائعات عن دخول مقاتلي الجيش الحر إلى قلب العاصمة الذي تحول إلى مربعات أمنية صغيرة مغلقة داخل مربع كبير يشمل كل أحياء وسط العاصمة، قال الناشط أحمد الدمشقي إنه «تم توجيه نداءات من قبل الناشطين للسكان لتخزين المؤن والأدوية الإسعافية الضرورية التي تكفي لفترة طويلة»، ويضيف: «يوما بعد آخر تزداد مشقات العيش وخطورة التنقل في مدينة مقطعة الأوصال بأكثر من مائتي حاجز ومداخلها مغلقة.. سدت غالبية حاراتها ومنع عبور السيارات، حتى السير على الأقدام بات مشقة كبيرة في مناطق ينتشر فيها القناصة وأعداد كبيرة من قوات الأمن والجيش».

ويشير إلى أن «المشكلة الأساسية التي تعاني منها مدينة دمشق تكمن في استقبالها مئات آلاف النازحين من مختلف أنحاء البلاد، وما يفاقم المشكلة عزلها عن الريف والأحياء الساخنة، في حين أنه ومنذ عدة عقود اتصل الريف الذي يحزم العاصمة بالمدينة وبات جزءا منها». ويتابع أن «هناك الآلاف من العاملين في المدينة يسكنون الريف والعكس صحيح، كما تعتمد أسواق العاصمة على ما تزودها به المصانع والورشات والمزارع المتمركزة في الريف.. لذلك، فإن إغلاق أي مدخل من مداخل العاصمة من شأنه إحداث إرباك كبير؛ سواء في حركة السير أو في سوق العمل أو نقص السلع والمواد الغذائية.. ولكثرة إغلاق الطرق يوميا بات الإرباك نمط حياة في العاصمة»، ويضاف إلى ذلك «انعدام الأمن وتفشي الجريمة وحوادث الاختطاف بهدف الحصول على المال».