القوى المدنية تعلن انسحابها رسميا من «تأسيسية» الدستور

قيادي إسلامي فيها لـ «الشرق الأوسط»: العمل مستمر بالجمعية.. وندرس التهدئة

TT

أعلنت القوى المدنية داخل الجمعية التأسيسية المنوط بها وضع أول دستور للبلاد عقب ثورة 25 يناير عام 2011، انسحابها رسميا من الجمعية اعتراضا على ما وصفوه بـ«سيطرة الإسلاميين» وفرض وجهات نظرهم على مشروع الدستور. فيما كشف قيادي بحزب النور (السلفي) داخل التأسيسية، عن أن «الجمعية مستمرة في عملها وهناك اتجاه للتهدئة مع القوى المدنية»؛ لكن القيادي لم يحدد في اتصال مع «الشرق الأوسط» طبيعة أشكال التهدئة واكتفى بالقول: «ندرس جميع المقترحات لعودة القوى المنسحبة من جديد».

وبانسحاب القوى المدنية تواجه القوى الإسلامية التي تملك الأغلبية داخل تأسيسية الدستور خيارين كلاهما مر بحسب مراقبين، الخيار الأول أن تقدم تنازلات للقوى المدنية، وهو ما بات أكثر صعوبة بعد أن حشدت أنصارها في الميادين على مدار الأسبوعين الأخيرين، أما الخيار الثاني فهو أن تواصل أعمالها بعد أن فقدت الغطاء السياسي الذي وفره وجود القوى الليبرالية وممثلي الكنائس ضمن تشكيلها.

وكانت الكنائس المصرية الثلاث قد أصدرت بيانا قبل يومين أعلنت فيه انسحابها رسميا من الجمعية التأسيسية، قائلة إن تلك الخطوة جاءت بعد أن ثبت لها أن الدستور الجديد لا يحرص على احترام التعددية الثقافية التي ميزت البلاد على مدار تاريخها.

وعقدت القوى السياسية اجتماعا داخل حزب الوفد أمس بحضور المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي، والسيد البدوي رئيس حزب الوفد، ويحيى الجمل نائب رئيس الوزراء الأسبق، وأيمن نور أمين عام حزب المؤتمر، لبحث أوجه التصعيد ورفض الجمعية التأسيسية الحالية وإنهاء عملها.

وأعلن عمرو موسى، المرشح السابق للرئاسة، عضو الجمعية التأسيسية، انسحاب القوى المدنية بالكامل من تأسيسية الدستور، مؤكدا أن «القوى المدنية لن تتخلى عن مسؤوليتها الوطنية، وتشارك في وضع دستور لا يليق بالشعب المصري».

وقال موسى وهو أيضا رئيس حزب المؤتمر الليبرالي إن «أعمال الجمعية شهدت العديد من العقبات والصعوبات الشديدة، وكانت هناك محاولات لتغيير مسار الدولة المصرية بالكامل من خلال إثقال مشروع الدستور بمواد وصياغات من شأنها إحداث توتر شديد في المجتمع»، لافتا إلى أن «التأسيسية لم تقم بكامل أعضائها بمناقشة مشروع الدستور مادة مادة لإقرارها، وإنما قامت بتمرير المواد الواردة من اللجان دون مناقشة جادة، وكلفت مجموعة مصغرة يمثل أعضاؤها اتجاها محددا يقتصر على إبداء الرأي النهائي في مواد الدستور، ومنع أعضاء الجمعية التأسيسية خصوصا من لا ينتمون إلى هذا الاتجاه من طرح آرائهم ومقترحاتهم في الجمعية بحرية، ولجنة الصياغة النهائية تم اختيارها بشكل تحكمي».

ومنذ انتخاب الجمعية التأسيسية قبل نحو 5 أشهر أعلنت أحزاب يسارية وليبرالية انسحابها منها، وسط أزمات سياسية وقانونية. وكانت المحكمة الدستورية العليا قد أصدرت حكما ببطلان التشكيل الأول للجمعية، وتنظر المحكمة ذاتها قضية تتعلق ببطلان التشكيل الثاني أيضا.

وكشف الدكتور وحيد عبد المجيد، المتحدث السابق باسم الجمعية التأسيسية للدستور، عن أن «مواد الدستور وضعت ليلا لخدمة مصالح فصيل سياسي معين»، مضيفا أن «الدستور الذي يريده التيار الإسلامي بالتأسيسية كان ضد الشريعة وضد الشعب»، مشيرا إلى أن الدستور الذي وضعه الإسلاميون لا يحمي المحكومين وإنما يرسخ للحكام ومنظومته فيما لا نراه في العهد السابق».

من جانبه، قال ياسر حسان عضو الهيئة العليا لحزب الوفد، إن «المجتمعين اتفقوا على إعداد مسودة جديدة للدستور تليق بأهداف الثورة من خارج الجمعية يتمثل فيها جميع قوى الشعب». وأضاف حسان لـ«الشرق الأوسط» أن «الوفد قرر الانسحاب نتيجة ظهور مشروع للدستور لا يحظى بالتوافق الضروري ويمثل وجهة نظر القوى الإسلامية فقط». وقال الدكتور جابر نصار أستاذ القانون الدستوري بجامعة القاهرة، عضو الجمعية التأسيسية: «إن هناك مواد بالدستور لم تتغير، خاصة المتعلقة بسلطات رئيس الدولة»، مضيفا أن «هذا الدستور يعطي سلطات مطلقة لرئيس الدولة، كما حرم الفلاحين والعمال من حقوقهم بعد إلغاء نسبة 50 في المائة عمال وفلاحين».

في السياق ذاته، أكد الدكتور حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أنه بوسع النخبة الحاكمة حاليا أن تطرح للاستفتاء مشروعها الخاص للدستور؛ لكن عليها أن تتحمل النتائج السياسية والقانونية والأخلاقية التي ستترتب على ذلك.

وأشار نافعة عبر تغريدة له على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» إلى أن حالة الاستقطاب السياسي الراهنة ستحول دون تمكين الجمعية التأسيسية من صياغة دستور يلبي طموحات مصر الثورة، وأن مشروع الدستور بصيغته الراهنة لم ينضج بعد وما زال في حاجة إلى مزيد من التنقيح قبل أن يصبح جاهزا لاستفتاء الشعب عليه.

في المقابل، كشف قيادي إسلامي (فضل عدم ذكر اسمه) عن وجود حالة من الارتباك داخل الجمعية الآن بين تيار الإسلام السياسي، مشيرا إلى أن الاجتماعات متواصلة بين أعضاء حزبي الحرية والعدالة (الإخواني)، والنور (السلفي) للتوصل إلى قرار نهائي بشأن أعمال التأسيسية.

لكن مراقبين، أكدوا أن الإخوان والسلفيين لن يصلوا لحل مع القوى الوطنية، وأنهم في وضع أحسن الآن بعد انسحاب المدنيين، لتمرير أي مواد دون اعتراض من أحد. وكانت المؤسسة القضائية في البلاد قد عقدت خلال الشهر الماضي عدة مؤتمرات صحافية أعلنت خلالها رفضها لمشروع الدستور بصيغته الحالية.