بدء وقائع محاكمة 24 مسؤولا بأكبر مصرف في أفغانستان

جرائم نصب واحتيال بملايين الدولارات أدت إلى انهيار مصرف كابل

TT

في خطوة كبرى نحو فك لغز ضياع مئات الملايين من الدولارات من مصرف كابل، بدأت الأسبوع الماضي محاكمة ما يقرب من 24 شخصا، من بينهم رئيس مجلس إدارة المصرف السابق ورئيسه التنفيذي السابق، بتهمة ضلوعهم في عملية نصب واحتيال ضخمة دارت خيوطها داخل أروقة المصرف، الذي يعد أكبر مؤسسة مالية خاصة في أفغانستان. وقد أماطت هذه الفضيحة اللثام عن علاقة الزواج بين الرأسمالية والفساد التي ازدهرت هنا خلال العقد الماضي، وتم وضع المصرف تحت الحراسة عام 2010 تحت وطأة تراكم ديون رديئة وفقد أموال تقترب قيمتها من 900 مليون دولار. ومن خلال هذه المحاكمة التي ظلت مجمدة لفترة ليست بالقصيرة، تحاول الحكومة أن تثبت للأفغان وللجهات الدولية المانحة أنها قادرة على مساءلة أصحاب النفوذ المتورطين في قضايا فساد. وكانت الجهات الدولية المانحة، مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وغيرهما، قد طالبت الحكومة الأفغانية باتخاذ سلسلة من الخطوات من أجل التصدي للفساد في أعقاب انهيار مصرف كابل، ومن أهم هذه الخطوات مقاضاة من ارتكبوا عملية النصب هذه، كما أقدم صندوق النقد الدولي على تعليق البرنامج الخاص بأفغانستان لمدة عام، وكان السبب الأول في ذلك هو عدم تحقيق الحكومة لأي تقدم فيما يتعلق بتقديم من يقفون وراء هذه الأزمة إلى العدالة.

والآن مع بدء إجراءات المحاكمة، أعربت الجهات المانحة سرا عن تفاؤل مشوب بالحذر، وبنفس القدر من الأهمية، يراقب الأفغان الموقف عبر شاشات التلفزيون المحلية التي بدأت في بث تقارير عن سير المحاكمة. وقد صرح مسؤول أميركي كبير، طلب عدم الإفصاح عن اسمه بسبب حساسية القضية بقوله: «الأفغان يعالجون الأمر داخل نظامهم القضائي، وهو ما كان المجتمع الدولي يشجعهم على القيام به. سوف نراقب الوضع انتظارا للنتائج، تماما كما سيفعل الأفغان أنفسهم».

وقال مسؤول غربي آخر: «هذه بلا ريب إحدى قضيتين أو 3 قضايا تعكس الصورة الكبيرة في أفغانستان اليوم، إلى جانب الأمن والانتقال المدني للسلطة. إذا لم تحظ هذه العملية بالمصداقية، فسوف تثير شكوكا حول الكثير من التعهدات الدولية التي تلتزم بقيادة أفغانستان إلى الأمام».

ويوم السبت الماضي، استمع القضاة الثلاثة الذين ينظرون هذه القضية باهتمام إلى أقوال اثنين من المتهمين، ثم أمطروهما بوابل من الأسئلة عن ممارسات المصرف والنظام المتبع في تحويل الأموال وعدم اكتشافهما لعملية النصب. ومن المقرر أن يدلي 10 متهمين آخرين يواجهون تهما متباينة بأقوالهم خلال الأيام المقبلة، ومن بينهم مسؤولون سابقون في مصرف كابل ومسؤولون في المصرف المركزي تقول النيابة إنه كان ينبغي أن يكونوا على علم بالمخالفات وأن يحاولوا منعها.

وبدأت المحاكمة يوم الأربعاء الماضي باستماع القضاة إلى أقوال 5 متهمين، من بينهم رئيس مجلس إدارة المصرف السابق شيرخان فرنود، والرئيس التنفيذي السابق خليل الله فروزي، المتهمان بالتخطيط لعملية النصب. وفي تلك الجلسة، كال الرجلان اللذان يلقي كل منهما على الآخر بالمسؤولية الأكبر عن انهيار المصرف، الإهانات والاتهامات إلى بعضهما البعض، حيث تحدث فروزي الذي حضر أيضا جلسة يوم السبت الماضي بصوت مرتفع واقترب من منصة القضاة وهو يحاول الدفاع عن نفسه.

وبعد الجلسة التي استغرقت ما يقرب من 5 ساعات، وصف رئيس المحكمة شمس رحمن شمس القضية بأنها ليست هينة أو بسيطة، حيث قال: «في الحقيقة، إنها قضية معقدة للغاية وتمثل مشكلة عالمية، ولا يمكن الانتهاء من حسم هذه القضية في يوم أو يومين». وحينما سأله المراسلون الصحافيون المحليون عما إذا كان يشعر بأي ضغوط تمارس عليه فيما يتعلق بالقضية، أجاب شمس قائلا: «إن المحاكمة تسير على نحو جيد جدا، وهي تتسم بالشفافية. لم نتلق أي تعليمات من أي مؤسسة، ولم ولن نقبل بأي أوامر من أي جهة من الجهات».

وكان يبدو أن القضية قد دخلت الثلاجة لمدة أشهر عكفت خلالها اللجان الحكومية المختلفة لمحاربة الفساد على جمع المعلومات وقام مكتب النائب العام خلالها باستجواب المعنيين، وبدا ظاهريا أن تلك الجهات قد غرقت في خضم تعقيد هذه القضية والصلات السياسية للكثير من المتورطين فيها. إلا أن انفراجة في هذا المأزق جاءت في شهر أبريل (نيسان) الماضي، حينما أعلن الرئيس حميد كرزاي تعيين وكيل نيابة خاص وهيئة قضائية خاصة لنظر القضية، وقد اضطر كرزاي إلى اتخاذ موقف ما بسبب أهمية القضية بالنسبة للجهات الدولية المانحة، ورغبته على ما يبدو في أن يثبت للأفغان أن حكومته مستعدة لتضييق الخناق على الفساد حتى عندما يمس أناسا لديهم صلات قوية بالمستويات العليا من الحكومة، ذلك أن المسؤولين الكبيرين السابقين بالمصرف فرنود وفروزي كانا من الأشخاص المقربين من القصر الرئاسي، كما سهلا الحصول على أسهم في المصرف لكل من شقيق الرئيس محمود كرزاي وشقيق نائب الرئيس حسن فهيم.

* خدمة «نيويورك تايمز»